تبنّى مجلس الأمن الدولي إبان الثورة الليبية في سنة 2011 بأغلبية كبيرة القرار رقم 1973 الخاص بفرض عقوبات على الدولة الليبية، والتي من ضمنها تجميد الأصول وكل الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الليبية التي يملكها أو يديرها النظام السابق بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أراضي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة.

وحسب توضيح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله العبيدي فإن تجميد الأموال يؤدي إلى عدم قدرة مالكها على التصرف فيها، ويُتخذ قرار التجميد من الجهة المخولة قانوناً بذلك وعلى المستوى الدولي يتصدر مجلس الأمن الجهات المخولة كونه أداة حفظ الأمن والسلم الدوليين.

حكومة رشيدة

وقد تعددت المطالبات من الحكومات المتعاقبة والمتنازعة على السلطة في ليبيا منذ 2011 برفع التجميد، لكن ذلك لن يتم – حسب العبيدي – إلا في وجود سلطة شرعية تجمع كل الليبين، وفي الظروف الحالية قانونياً لن يرفع التجميد “إلا لأسباب إنسانية كاستجلاب الدواء أو الغذاء أو لغرض مكافحة الإرهاب، ولا شك أن رفع التجميد سيعود بفائدة كبيرة على المواطن والاقتصاد الليبي لو كانت الجهة المخولة بالتصرف رشيدة، بمعنى أن تصرف الأموال في القنوات المخصصة لها، وأن يُسدد الدين العام إن وجد، وأن تُصرف في مشاريع إعادة الإعمار” حسب قوله.

تنقسم الأموال الليبية المجمدة في الخارج إلى قسمين، الأول تابع للمؤسسة الليبية للاستثمار، والثاني تابع لمصرف ليبيا المركزي رُفع الحظر عنه فعلاً وبإمكان المصرف المركزي  التعامل مع تلك الأموال.

وقد استرجعت الحكومة الانتقالية التابعة للمجلس الوطني الانتقالي بعد الثورة مباشرة 97 مليار دولار، قرر الاتحاد الأوروبي الإفراج عنها بتاريخ 29 سبتمبر 2011، وهي كل أموال وأصول مصرف ليبيا المركزي والمصرف العربي الليبي الخارجي حسب سليمان الشحومي الخبير الاقتصادي ومؤسس سوق الأوراق المالية الليبي.

ما هو المجمد؟

يقول الدكتور صلاح الصغير مدير المكتب القانوني للمحفظة الاستثمارية طويلة المدى التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار إن الاسثتمارات الليبية والأموال المجمدة بالخارج والداخل تجمعها المؤسسة الليبية للاستثمار (LIA) وتبلغ ما قيمته 67 مليار دولار، وتشكل الأرصدة النقدية المجمدة حوالي 50% من قيمة أصول المؤسسة، والباقي موجود في شكل استثمارات طويلة الأمد (صناديق ومحافظ استثمارية) في عدد من المؤسسات الليبية.

النصف الذي تديره المؤسسة بنفسها من قيمة الأصول هو عبارة عن أرصدة نقدية وودائع لدى بنوك أجنبية، واستثمارات في سندات وأدوات استثمارية ذات عوائد ثابتة، أما المصرف المركزي فلديه احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي والذهب والاستثمارات الدولية، والتي تقدر جميعاً بحوالي 80 مليار دولار حسب البيانات في بداية عام 2015، وقد انخفضت لحدود النصف خلال عامين حيث كانت تبلغ قيمتها حوالي 150 مليار دولار نهاية عام 2013.

سبب انخفاض قيمة الاحتياطيات حسب الصغير يعود “لعدم وجود إيرادات من تصدير النفط الذي يعتبر شبه متوقف، وكذلك بسبب تضخم الميزانية العامة وخصوصاً المرتبات ودعم السلع الذي يتطلب التوريد بالعملة الصعبة كالمحروقات وغيرها، والسحب من هذه الأرصدة لأغراض مختلفة يجعلها تتعرض باستمرار لاستنزاف كبير في ظل تعطل تصدير النفط والغاز”.

ما ذكره الصغير بخصوص استنزاف احتياطيات ليبيا من الأموال المجمدة في الخارج يعني بشكل مباشر أن استيراد السلع الأساسية قد يتوقف في أي لحظة بمجرد نضوب خزينة ليبيا الخارجية، ما قد ينبي بكارثة اقتصادية حسب المؤشرات السياسية الحالية في البلاد.

كما تشمل الاحتياطيات والأصول بالخارج التي يديرها المركزي أصول المصرف الليبي الخارجي التي تقدر بنحو 22.5 مليار دولار، وبحساب بسيط فان ليبيا لديها استثمارات واحتياطيات تقدر بحوالي 170 مليار دولار حسب بيانات نهاية عام 2014.

المجتمع الدولي

هذه الأموال تعجز ليبيا عن التصرف فيها أو استثمارها، حيث أربك انقسام الإدارات في مؤسسة الاستثمار الخارجي ومصرف ليبيا المركزي المجتمع الدولي، وكان سبباً في تعطل العديد من القرارات الهامة والمصيرية، بالإضافة إلى إحجام العديد من الدول والمؤسسات الدولية عن التعامل مع طرفي الصراع إلى حين وضوح الرؤية وقيام حكومة موحدة في ليبيا.

فمثلاً قرر القضاء الإنجليزي تكليف حارس قضائي لتمثيل المؤسسة الليبية للاستثمار بدلاً من الجسمين المتنازعين على الإدارة في القضايا المرفوعه أمامه من المؤسسة، كما أن بعض الدول استغلت حالة التخبط والتردي هذه بالسيطرة على بعض الاستثمارات وتأميمها، و كل استثمارات وأموال الدولة الليبية في الخارج موثقة لدى المصرف المركزي والمصرف الليبي الخارجي والمؤسسة الليبية للاستثمار والمؤسسات التابعة لها.

والملفت للنظر في قرار مجلس الأمن أنه قرر تجميد الأموال التابعة للمؤسسة الليبية للاستثمار وليس كل الأموال الليبية سواء المملوكة لعائلة القذافي أو من كان حولهم، حيث المعروف أن هذه الأموال تم تهريبها إلى عدة دول إفريقية وأجنبية وليست عليها أية قيود، فيما كان سبب صدور قرار لجنة العقوبات من مجلس الأمن تحت رقم 1973 لسنة 2011 أثناء الثورة هو الخوف من تهريب هذا الأموال أو سرقتها أو ضياعها والتلاعب بها رغم أنها جميعاً كانت تنظمها إجراءات وعقود رسمية.

وحسب توضيح الشحومي فإن التجميد “طال أموال المؤسسة التي في شكل ودائع واستثمارات في أدوات شبه نقدية، وليس على الشركات التابعة لها فجميعها تمارس أعمالها وليس عليها تجميد الآن”، ويؤكد بأن الأمر سيكون على عاتق إدارة المؤسسة في معالجة أوضاع هذه الاستثمارات، إما بالتفاهم مع الدول المعنية أو باللجوء إلى القضاء لاسترجاع الأصول أو التعويض عنها، “وبالتأكيد الأمر يحتاج إلى وجود حكومة قوية وقادرة على متابعة هذه الأمور على المستوى الدولي” يقول الشحومي.

محاولات فك التجميد

لم تتوقف محاولات الحكومات الليبية المتلاحقة والمتزامنة في بعض الأحيان لفك التجميد عن الأموال المحتجزة في الخارج، وكانت البداية مع المجلس الانتقالي الذي حاول الحصول على استثناءات ورفع جزئي عن بعض الأموال المجمدة، ومن بعده حاولت الحكومة المؤقتة، وأيضاً حكومة الوفاق الوطني الحالية والمؤسسة الليبية للاستثمارات الخارجية، وذلك حسب الصغير، حيث تمت مخاطبة بعثة العقوبات بمجلس الأمن بشأن رفع التجميد عن أموال المؤسسة إلا أن جميع الطلبات التي قدمت بهذا الشأن تم رفضها بسبب انقسام إدارة المؤسسة وعدم وجود تمثيل جامع للدولة.

فيما يقول الشحومي إن استمرار تجميد الأموال المملوكة للمؤسسة الليبية للاستثمار تم بناء على طلب من ليبيا سابقاً (في إشارة إلى طلب ممثلي ليبيا في الأمم المتحدة فرض عقوبات على نظام القذافي عام 2011)، كما أن فك التجميد عن أموال البنك المركزي تم بناء على طلب ليبي أيضا خوفاً من ضياع الأموال في السنوات الماضية.

استغلال وتزوير

ولعل الشحومي يشير إلى الحوادث التي رواها الصغير لـ”مراسلون” والمتعلقة بقيام بعض عصابات التزوير بعدة محاولات لبيع أصول تابعة للمؤسسة مستغلين انقسامها وتخبطها إدارياً، وذلك عن طريق تزوير مستندات صادرة عن المؤتمر الوطني العام سابقاً ومجلس النواب تتيح لهم أو تفوضهم ببيع بعض العقارات المملوكة للمؤسسة، “إلا أنه تم التعامل معهم بالتنسيق مع مكتب النائب العام وإدارة القضايا، ورفعت دعاوى ضدهم داخل ليبيا وخارجها وتم إلغاء هذا التصرف غير القانونى، لكن المحاولات متكررة فى ظل عدم وجود فعلي للدولة سواء بالداخل او بالخارج” يقول الصغير.

ويضيف الشحومي أن تجميد الأرصدة النقدية وشبه النقدية للمؤسسة من قبل مجلس الأمن استغلته كذلك أغلب المؤسسات المالية المودع لديها هذه الأموال، عن طريق عدم احتساب الفوائد عليها لصالح المؤسسة “بل استفادت منها وتستخدمها دون وجه حق، ويحتاج الأمر إلى جهد كبير من إدارة المؤسسة عندما يتم توحيدها وإعادة تنظيم مجالس إدارات شركاتها التي يتجاوز عددها 500 شركة لتحصيل تلك الفوائد والاستفادة منها في الإعمار وغيره”.