“يقع في قلب مدينة تونس، أمام قصر المؤتمرات، وعلى حافة حي الأعمال والمال والثقافة” هكذا يصف الموقع الإلكتروني لسلسلة فنادق أبو نواس التونسية فندق أبو نواس “لايكو تونس”، الذي تملكه ليبيا ويتبع لشركة الاستثمارات الليبية الأفريقية لايكو.
المبنى المهيب للفندق الذي يقع على مرمى بصر أي داخل باتجاه شوارع وسط العاصمة، مغلق للصيانة منذ عام 2010 وكل ما تتناقله الأخبار بشأنه هو انتهاء أعمال الصيانة، ومواعيد افتتاح تعلن عنها الشركة المالكة كل بضعة أشهر ولا تلتزم بأي منها، بالإضافة إلى صور على صفحتهم الرسمية تظهر مدى فخامة وحداثة التجهيزات الداخلية للفندق.
إيرادات ضائعة
في الطرف الآخر من المدينة وحيث تقع فنادق منطقتي المرسى وقمرت السياحيتان، تعج الفنادق بالوفود الرسمية الليبية التي تدير البلاد تقريباً من هناك، ففي أحدها أقامت حكومة الوفاق الوطني بأعضاء مجلسها الرئاسي وكبار موظفيها ومسؤولي الخدمات المساعدة أشهراً طويلة قبل أن تتمكن من العودة لطرابلس، وفي فندق آخر يسكن أعضاء المجلس الأعلى للدولة وفي ثالث أعضاء مجلس النواب الليبي، فيما الفندق الليبي الذي يعد الأكبر في العاصمة تونس والمجهز للقيام بهذه المهمة مقفل لأسباب غير واضحة.
يقول فرج هاشم عضو مجلس النواب الليبي والمتحدث الرسمي باسمه “زرت الفندق المذكور بعد سماعي بأن هناك قضايا مرفوعة بين إدارتين واحدة تتبع الشرق وأخرى تتبع الغرب للاستيلاء عليه، والحقيقة أنه يتمتع بموقع ومواصفات لا توجد في أكبر منتجعات وفنادق الدولة التونسية، ففيه أكبر قاعة اجتماعات في تونس، إلا أن إهماله ليس سوى انعكاس لحالة الانقسام السياسي الحاد الذي تشهده كل القطاعات في ليبيا”.
ويؤكد هاشم أن افتتاح هذا الفندق وتحويل كل الوفود الليبية للسكن فيه سيوفر أموالاً طائلة “ونحن كجسم تشريعي نريد الإيراد للدولة الليبية، نريد أن يكون الدفع بالعملة الليبية المحلية، لتعود لليبيين وتوفر على الدولة مبالغ كبيرة”.
هناك فندقان
محمد تربل مدير عام شركة لايكو تونس قال لـ”مراسلون” إن المشاكل القائمة في الفندق “إدارية بحتة”، سببها صراعات بين الموظفين حول من له الشرعية في إدارة المحفظة (بناءً على التوجهات السياسية لكل مجموعة)، “تماماً كما هو الأمر في ليبيا خلاف على وظائف إدارية تسببت في إغلاق الفندق”، وحسب تربل فإن هناك فندق لايكو جربة أيضاً لازال مقفلاً لنفس الأسباب رغم أنه جاهز للافتتاح ويشتمل على مميزات عالية من حيث الموقع والخدمات المقدمة داخله، “المساعي موجودة للاتفاق ولكن دون الوصول إلى حل فسيبقى الفندقان مغلقين”.
يقول تربل إن المجلس الرئاسي الآن يرعى موضوع فندق بونواس وهو جاهز بنسبة 95% وهو من “أكبر وأهم الفنادق بدولة تونس، ولو افتتح فحتماً سيُدخل مبالغ ماليةً كبيرة، إيراد الفنادق في تونس يفوق الثلاثين والأربعين مليون دينار تونسي في السنة”، أما فندق جربة فمجرد إجراءات إدارية تنظيمية وخلال شهر أو شهرين يفترض أن يشتغل حسب كلام مدير الشركة المالكة.
ويختم بالقول “نحن نتبع شركة لايكو الرئيسية ومقرها في مالطا، وهم يحاولون فهم المشكلة والجلوس مع الجميع، بالتأكيد ليس هناك مشكلة دائمة فالجميع يدرك أن المصلحة العامة تقتضي بأن يتم تشغيل الفندق، في اعتقادي في يوم سيعي الجميع المسؤولية”.
الخلاف في لايكو
وحول ذات الموضوع يقول بسام الشريف الموظف في شركة لايكو الرئيسية والتي تعمل من دولة مالطا إن هناك “خلافات كبيرة بين الإدارة التنفيذية والإدارة التشريعية في محفظة ليبيا أفريقيا التي تتبعها الشركة، أدت بدورها إلى إقالة المدراء الذين لم يستجيبو لتنفيذ قرار الاستقالة”، غير أنه يرى بوادر لحل الإشكال القائم وحسب قوله فإنه “منذ قرابة عامين ونصف لم يتم قفل الحسابات للأسف، كما أن الأجهزة الرقابية عاجزة عن مراقبة الجميع”.
وتبلغ قيمة فنادق لايكو تونس الثلاثة 200 مليون دولار حسب الشريف، والخلاف في شركة لايكو حدث بسبب تعاقد في فندق لايكو جربة مع شركة ليبية بقيمة مخفضة جداً لفترة طويلة، وبسبب هذا التعاقد “أقيل المدير العام ومن ثمة نشب الخلاف في الشركة الأم” يقول الشريف.
تعطيل متعمد
حسب محسن دريجة رئيس مجلس الإدارة السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار (2012 – 2013) فإن الانقسام في إدارة شركة لايكو تونس لم يكن قائماً على أساس شرق وغرب بقدر ماهو انقسام بين موظفين “استغلو الانقسام الحاصل في الدولة سياسياً لتمرير مصالح شخصية”، حيث قامت مجموعة من الموظفين بالسفر إلى مالطا وإعلان تأييدهم لمجلس النواب في طبرق ومن ثم برفع قضايا طالبو من خلالها بحقهم في إدارة الفندق، والحقيقة أن الفندق “ملك لمؤسسة سيادية لا علاقة لها بالسياسة ولا شان له بمن يحكم ليبيا” حسب كلام دريجة.
ولكنه في ذات الوقت يتساءل عن الأسباب الحقيقية التي تدعو المؤسسة الليبية للاستثمار في طرابلس لعدم حسم هذا الخلاف الحاصل بين الموظفين، ويرى أن هناك “تعطيلاً متعمداً من قبل المؤسسة” لافتاً إلى أن الخلاف قائم أيضاً حول الجسم الشرعي الذي يمكنه اتخاذ قرار في مؤسسة بحجم المؤسسة الليبية للاستثمار.
تكاليف الإقامة
أحد أعضاء المجلس الأعلى للدولة – رفض الكشف عن هويته – أكد لـ”مراسلون” من واقع اطلاعه على مستندات المجلس المالية أن “إقامة عشرين عضواً من المجلس في أحد الفنادق في تونس كلف قيمة تتراوح بين 250 ألف إلى 300 ألف دينار ليبي شاملة مراسم الاستقبال والخدمات خمس نجوم يومياً”، لافتاً إلى أن التكاليف غير ثابتة حيث تتغير باختلاف الفنادق ومواسم الحجز.
فيما كشف ابراهيم البابا عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور أن جل الاجتماعات التي عقدتها الهيئة في تونس كانت برعاية منظمات وهيئات دولية، وأن اجتماعات الهيئة في تونس لم تكلف الدولة الليبية أية مبالغ مالية، ولكن تبقى تلك المبالغ إيراداً ضائعاً على ليبيا كان يمكن تحقيقه لو أن الاجتماعات تمت في الفندق الليبي.
تكاليف المشروع
حسب البيانات الواردة في تقرير ديوان المحاسبة الليبي الصادر عام 2014 فإن شركة لايكو تونس القابضة أنهت إجراءات شراء فندق لايكو تونس بين عامي 2007 و 2008، وبعد عامين قررت إغلاقه وإدخاله في صيانة وتحوير استمرت حوالي 6 سنوات دون وجود دراسات سابقة وتقديرات حقيقية لتكاليف إعادة تأهيل الفندق.
وحسب تقرير الديوان فإن عدم واقعية الدراسات المعدة للمشروع أدى إلى إجراء بعض التعديلات في التصاميم نتج عنها زيادة وتجاوز في المصروفات مع التأخر في إنجاز أعمال الصيانة والتحوير، وارتفعت قيمة المبالغ المقدرة لهذه الأعمال حتى بلغت نحو 106,467,363 مليون دينار تونسي، فضلاً عن إجمالي الأجور والمرتبات للمعينين من بداية الصيانة عام 2010 حتى اكتوبر 2014 التي تجاوزت 15 مليون دينار تونسي.
كما لجأت الشركة حسب التقرير إلى مصادر تمويل خارجية متمثلة في الاقتراض من البنوك التونسية وبلغت قيمة القروض الممنوحة لها 60 مليون دينار تونسي بالإضافة إلى قيمة الفوائد على هذه القروض والمقدرة بقيمة 21 مليون دينار تونسي وكذلك مبلغ 20.5 مليون دينار تونسي كتمويل ذاتي من الشركة الليبية للاستثمارات الأفريقية (لايكو طرابلس)، وهكذا فقد بلغت القيمة الكاملة لأعمال الصيانة والتحوير وإعادة التأهيل لفندق لايكو تونس مبلغ 106 مليون دينار تونسي تقريباً ولم تنته، وبحساب تكاليف شرائه أصبح إجمالي تكلفة المشروع 217.7 مليون دينار تونسي للفندق الذي تم اقتناؤه لغرض الاستثمارولم يحقق أية عوائد استثمارية.