تحولت العام الماضي قاعة صغيرة ومظلمة في سجن برج الرومي بمدينة بنزرت بالشمال استخدمت سابقا لتعذيب سجناء سياسيين إلى قاعة عرض سينمائي حضرها مسجونين لمشاهدة فيلم ”قدرات غير عادية”.

ولم يترك السجناء بمفردهم لرؤية هذا الفيلم الذي عرض على هامش مهرجان قرطاج السينمائي العام الماضي وإنما كان السجانون حاضرين أيضا لمتابعة الفيلم قبل مناقشته مع بطله النجم المصري خالد أبو النجا.

حول هذه المبادرة تقول نورس الرويسي المسؤولة عن برمجة الأفلام بمهرجان أيام قرطاج السينمائية لمراسلون إن “انفتاح السجون على عالم الثقافة والفنون له أهمية كبرى بتحسين ظروف إقامة المساجين وتطوير وعيهم”.

وشملت عروض مهرجان قرطاج السينمائي العام الماضي عددا من السجون المتفرقة على غرار سجن برج الرومي بمحافظة بنزرت (شمال) وسجن المرناقية وسجن النساء بمنوبة (العاصمة) وسجن المهدية (جنوب).

زرع قيم الثقافة

وانطلقت حملة غزو الأفلام السينمائية بعض السجون التونسية منذ عام 2015 بهدف الاقتراب أكثر من الجمهور الذي لا يتمكن من الذهاب لقاعات السينما بالعاصمة تونس مثل أهالي الجهات الداخلية وكذلك السجناء.

وقد شارك في هذه الحملة التي ستتواصل في الدورات القادمة مهرجان قرطاج السينمائي كل من إدارة المهرجان الإدارة العامة للسجون والإصلاح والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب ونشطاء في مجال حقوق الإنسان.

ورغم أن العروض كانت محدودة في بداية الحملة ولم يكن لها صدى كبيرا في وسائل الإعلام أو حتى داخل السجون نفسها، فإن نورس الرويسي تؤكد لمراسلون أن هذه الحملة ستستمر في المستقبل وسيكون لها وقع أفضل.

والهدف هو “جلب السينما للسجناء لأنها تساعدهم على تجاوز الآثار النفسية للعقوبات السالبة للحرية. الهدف من هذه المبادرة إذن هو تحويل السجون إلى قاعات حقيقية للسينما من أجل زرع قيم الثقافة”، وفق قولها.

وتحرص إدارة مهرجان قرطاج السينمائي على انتقاء أفلام لا تتحدث عن الآثار السلبية للسجون أو عن التعذيب لأن من شأنها أن “تؤثر سلبيا على نفسية المساجين أو تزرع لديهم حالة من النقمة ضد النظام العام”.

وتقول نورس الرويسي إن الهدف من حسن انتقاء الأفلام هو “تنشيط الوعي والخيال الترفيه وفتح باب النقاش بين المسجونين والسجانين والفنانين حول القضايا التي تطرح في الأفلام”.

وقد قام فنانون وممثلون على غرار الممثلة التونسية هند صبري بمشاركة المساجين العروض السينمائية والنقاشات.

الكتب داخل السجن

من جانب آخر قامت الناشطة لينا بن مهني بإطلاق مبادرة فريدة لتأثيث مكتبات السجون التونسية وتزويدها بآلاف الكتب التي يتم تجميعها عبر دعوات وسائل التواصل الاجتماعي والمبادرات الشخصية لدعم المطالعة.

ومنذ العام الماضي جمعت لينا ما يزيد عن الثلاثين ألف كتاب، قام عشرات المواطنين وأصحاب دور النشر بتجميعها كمساهمة منهم في تعزيز مكتبات السجون التي “تبدو شبه معدومة أو شبه خالية من الكتب”.

وجاءت الفكرة بعدما حضرت لنا بن مهني إحدى العروض السينمائية بسجن المرناقية بالعاصمة حيث لاحظت افتقار المكتبة للكتب.

كما استلهمت أيضا فكرة الحملة من تجربة شخصية وهي تجربة والدها الذي سجن لسنوات عديدة على خلفية نشاطه السياسي المعارض لحكم الحبيب بورقيبة وكان يدافع عن حق السجين في المطالعة خلال السبعينات.

وتقول لينا بن مهني لمراسلون إن “المطالعة في السجن حق من حقوق السجناء، وقد تمكنت حملتنا من تجميع آلاف الكتب التي شقت طريقها إلى سجون عديدة وستتواصل الحملة لتشمل مناطق أخرى من البلاد”.

وفي شهر مارس/آذار الفارط، قامت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في إطار هذه الحملة بتدريب مجموعة من أعوان السجون على تسيير المكتبات وكيفية ترغيب السجناء في المطالعة من أجل غنجاح المباردة.

وتقول غابريال رايتر مديرة مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس إن “الهدف من الحملة هي تعزيز مكتبات السجون وتشجيع السجناء على المطالعة وتحسين ظروف اعتقالهم وتنويع النشاطات التي يقومون بها داخل السجن”.