لا تفصل ياسين عن شمعته الثانية سوى بضعة أيام، لكن الاحتفاء بعيد ميلاده لن يكون حدثا بهيجا لأنه مسجون منذ ولادته مع أمه التي تقضي عقوبة بسبعة سنوات في سجن النساء بمنوبة بالعاصمة.

أدينت “نادرة” بالسجن وهي في أشهر حملها الأولى في قضية “تحيّل” وستكون مجبرة على تسليم ابنها لعائلتها بعد انتهاء المدة القانونية المسموح للأم بإبقاء ابنها معها داخل أسوار السجن وهي عامين.

منذ أيامها الأولى بالسجن تحمل “نادرة” مرارة لحظات فراقها ابنها، فهي تدرك أن تلك اللحظات الصعبة آتية لا محالة رغم مطالبها المتكررة لإدارة السجن بتمتيعها بمدة حضانة إضافية وهو أمر صعب.

فراق قريب

ورغم ألمها تدرك “نادرة” أن بقاء ابنها في السجن لوقت أطول سيؤثر على نفسيته وشخصيته التي بدأت تتكون، مشيرة إلى أن حياته ستكون أفضل مع عائلته خارج أسوار السجن.

ومع أن ظروف إقامة السجينات شهدت تحسنا مقارنة بما عليه الوضع سابقا لاسيما فيما يتعلق بإقامة السجينات الحوامل والمرضعات، فإن “نادرة” تشعر بالندم الشديد على ولادة ابنها بالسجن.

تقول لمراسلون إن جميع المرافق التي يوفرها السجن من فضاءات خاصة بالحوامل والأمهات المرضعات “لا يمكن أن تعوض طفلا عن حياته العادية وسط أسرة وأم تنعم بالحرية”.

رغم أنها تحاول أن تبدو متماسكة فإن عينيها الحزينتين تشيان بأنها تشعر بالذنب تجاه طفلها الذي يقضى جزء من طفولته داخل السجن وسيجبر على فراقها بمجرد بلوغه عامه الثاني.

ويحجر القانون إقامة الأطفال مع أمهاتهم السجينات بعد السن الثانية. لكنه سمح لأمهاتهم برعايتهم قبل ذلك السن في فضاءات أعدت خصيصا للأمهات الجانحات اللاتي ارتكبن جرائم.

وخلافا لبقية السجينات العاديات، تحظى السجينة الحامل أو المرضعة بوضعية شبه مريحة بفضل الرعاية النفسية والاجتماعية التي توفرها إدارة السجن الذي تراقبه منظمات دولية ومحلية.

وبحسب معطيات الإدارة العامة للسجون والإصلاح يضم سجن منوبة بالعاصمة أكبر عدد سجينات في البلاد التونسية. وناهز العدد العام الماضي 420 سجينة بينهن 15 سجينات مع ابنائهن.

روضة أطفال

والعام الماضي تم تدشين روضة للأطفال داخل محيط سجن النساء بمنوبة وهي سابقة أولى من نوعها تهدف إلى تقديم الرعاية التربوية والنفسية للأطفال الذين يجدوا أنفسهم داخل السجون رغما عن أنفسهم.

وتحتوي هذه الروضة التي تم تشييدها في ساحة السجن خارج الزنزانات قرابة 15 سجينة مع أطفالهن وهي تضم ثلاث غرف نوم مجهزة بالأسرّة وغرفة استقبال ومطبخا ومكتبا للموظفين وحديقة.

ويقول المختص في الطب النفسي للأطفال الدكتور مصدق جبنون إن القانون التونسي كرس خاصة منذ عام 2008 مبدأ مصلحة الطفل سواء في مجلة حماية الطفل أو مجلة الأحوال الشخصية.

ويوضح لـ”مراسلون” أن ظروف إقامة السجينات مع أطفالهن في السجن تحسنت كثيرا مقارنة بالماضي، مشيرا إلى تخصيص فضاء معد للغرض طيلة فترة الحمل والرضاعة للأم السجينة.

وبينما كان يتم قبول الأطفال المصاحبين لأمهاتهم السجينات إلى سن الثالثة من عمرهم أصبح السن القصوى لإيواء الطفل مع أمه الجانحة لا تتجاوز السنتين وذلك حماية له من آثار السجن.

مصلحة الطفل

حول هذا يقول الدكتور مصدق جبنون إن المشرع التونسي اعتبر أن إبقاء الطفل حتى السن الثالثة داخل السجن تؤثر سلبا على شخصيته وتنشئته ونموه الطبيعي وهو ما دفع المشرع إلى الحط من السن القصوى إلى عام من العمر قابل للتمديد في ظروف استثنائية جدا.

ولا ينكر الدكتور مصدق جبنون التداعيات النفسية لفصل الأم عن طفلها من الجانبين، مشيرا إلى أن تلك اللحظات الإنسانية تعد من أصعب اللحظات التي يمكن أن تمر على المرأة السجينة.

وتقول إحدى المشرفات على وحدة سجن الحوامل والمرضعات إن الموظفات بالسجن شاركن في كثير من الحالات آلام النساء اللاتي يفصلن عن أبنائهن بعد انقضاء مدة المرافقة لهم.

لكنها تؤكد لمراسلون بأن إدارة سجن النساء بمنوبة تعمل على الإحاطة النفسية للسجينات المرافقات لأطفالهن باعتبار الآثار النفسية الصعبة التي يمكن أن تلحق بالنساء بعد فترة الفراق.