بالتأكيد تحرص كل النصوص القانونية أو الدستورية على العدل للجميع، أو هكذا تبدو، حتى النصوص القانونية التي يراد منها التنكيل بشخص أو بفئة، تبدو بريئة في الظاهر، إلى أن يتم استعمالها.

ولكن بالأساس توجد مسافة طويلة ما بين النص القانوني الذي يحفظ الحقوق والواجبات، وما بين الواقع الذي تمارس فيه الحياة.

فمثلا ينص القرار الصادر من وزير الداخلية برقم 691 لسنة 1998 ، بأن لكل سجين أو سجينة الحق في أثاث أو ملابس، وطبق ومعلقة خاصة به، بجانب مقرر أغذية المسجونين العاديين في وجبات الإفطار والغداء والعشاء، ومقرر الأغذية للحوامل والمرضي، ويؤكد هذا القرار على أن يقدم الطعام جيد الإعداد والطهي والأصناف المطهية ساخنة، وصرف وجبة  اللحوم مضاعفة في الأعياد والمناسبات الدينية. أيضا أكدت المادة 56 من الدستور المصري الأخير –تم إقراره في 2014- على ضرورة الإشراف القضائي على أماكن الاحتجاز، وملائمتها للحاجات الإنسانية.

ومن ناحيته يؤكد قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية على: “حرصه الدائم على احترام مبادىء حقوق الإنسان، وفقاً للتشريعات المنظمة،  والقرار الوزارى الخاصة بغذاء السجين والكمية المتوفرة له من الغذاء يومياً، حتى تم تعديلها ، لتوازى ما تتناوله أسر الطبقة الوسطى، ويؤكد دائماً تطبيقه لنصوص الدستور، التى تنص على الحفاظ على كرامة الإنسان عند القبض عليه، فوفقاً للقانون على إدارة كل سجن تقديم وجبة طعام ذات قيمة غذائية كافية للسجين للحفاظ على صحته وقواه”

هذا شيء من النصوص وماذا عن الحياة؟

***

روى لنا إبراهيم –اسم مستعار-  والذي تم اعتقاله لعامين، بأن ما يتم تقديمه من طعام  غير كاف، ويكون معظمه ردىء، فالفول عادة به “سوس”، والأرز  من الدرجة الثالثة، مع وجود لحم أو دجاج مرة واحدة بالأسبوع، ولكنه رديء وغير كاف، الشيء الأفضل كان الخبز، علما بأن خبز الضباط أفضل من الخاص بالسجناء بمراحل، وكذالك الوجبات الخاصة بالضباط تتميز بجودة عالية ، والتى من الممكن أن يقوم السجناء المقتدرين ماديا على شرائها، بجانب الكانتين، الذى نظراً لرداءة الطعام، يلجأ العديد من المساجين لشراء منه.

***

بجانب المسجونين على ذمة قضايا أي المسجونين رسميا، هناك المختفين قسرياً، اللذين يتلقون نوعا مختلفا من الوجبات الغذائية، ويعاملوا بدرجة أقل من المسجون العادى، بحسب إبراهيم متولى، مسئول رابطة المختفين قسريا، والذى تم أختفائه فترة، فيقول: “المختفون قسريا هم خارج القانون بالأساس، حيث يتم القبض عليهم، وإخفائهم دون أى تهم، دون مراعاة لأي حقوق قانونية وصحية وغذائية، بل متواجد تحت الأرض أو في مكان لا يعلمه أحد، والوجبات الغذائية تختلف من مختفى لأخر، فهناك من يأخذ فى اليوم رغيف خبز مع فول، وقطعة من الجبن، ومنهم من يأكل كل 3 أيام، ويتم تقديم الحد الأدنى من الغذاء له للحفاظ حياته فقط ، ومعظمهم متواجدين بسجن العزولي بالإسماعيلية، مع عدم توافر أي نظافة شخصية وأي حقوق أخرى”.

***

يقول رضا المرعى، المحامي ب”المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والاجتماعية” التي أعدت العديد من الدراسات والتقارير حول أوضاع السجون في مصر، إن القوانين والقواعد ما هى إلا لوائح، والواقع منافى لها،  بداية من المكان الذى يعيش به السجين، حتى التهوية والترويض، مرورا بالوجبة التى تقدم له، وحجمها،  وذكر أن بعض السجناء كانوا لا يستطيعون تناول الطعام لقذارته، بسبب بيئة أماكن الاحتجاز نفسها الغير نظيفة، وبالتالي ليس هناك ما يضمن نظافة الطعام، بجانب الشكوى من عدم طهيه بشكل كاف .

وأضاف مرعى، بأن هناك سجون يوجد بها سخانات كهربائية لطهى الطعام، سواء من الكانتين، أو التى يتم إحضارها من خلال الزيارات، مع وجود شريحة كبيرة من السجناء غير القادرين على تحمل تكلفة شراء الطعام داخل السجن، كما أن عائلاتهم لا تتحمل إمدادهم في الزيارة بغذاء لمدة إقامتهم كاملة للأسباب المادية ذاتها، فلا يكون لديهم  مفر من الوجبة التى تقدم لهم.

كما أكد بأنهم من خلال البحث والدراسة تأكدوا عدم وجود رقابة تضمن إنفاذ القوانين التي تحمي صحة وحياة المحتجزين، رغم وجود نصوص واضحة لقوانين ولوائح وقرارات تنظم شئون السجون، إلا أنه يبقى تنفيذها عائقًا كبيرًا، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي هو أن الأعراف الداخلية لأماكن الاحتجاز لها اليد العليا في تشكيل الممارسات التي تجرى داخلها، بجانب عدم معرفة السجناء لحقوقهم، وكيفية المطالبة بها، والإجراءات اللازمة لذلك، مع عدم وجود أية جهة مستقلة خارج المؤسسة العقابية الرسمية يمكنها مراقبة وتقييم الأوضاع الداخلية للسجون بشكل حيادي، مما يجعل السجون تخفق فى دورها فى أعادة تأهيل السجناء.

***

زار المجلس القومى لحقوق الإنسان السجون – المؤسسة الحقوقية الرسمية- أكثر من مرة، مع ترتيب مسبق مع إدارة السجن، مما يجعل الأوضاع تسير فى أفضل حال، ويقوم المجلس بكتابه تقرير حول الأوضاع بأنها فى أحسن حال، رغم أنه يكون وضع وقتى، ينتهى بإنتهاء الزيارة، كما أن هذه الزيارات لم تضمن زيارة زنانين الحبس الإنفرادى، ولا القدرة على التحدث على إنفراد مع السجناء، مما يجعل تقريرها غير واقعية بشكل كبير.

حيث قال جورج إسحاق ، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن زيارات المجلس القومى تكون مرتبة مسبقاً، مما يجعل الأمور تبدو فى وضع ممتاز، وهذا لا يعكس الواقع المتواجد فى السجون فعليا، ولذلك طالبنا بتعديلات في القانون المنظم، بأن تتيح لنا زيارة السجون والرقابة عليها بالإخطار، مباشرة دون أى ترتيبات مسبقة، ليتم الرصد على أرض الواقع من الوجبات والمطابخ والنظافة، ، وتلقى شكاوى المساجين  حول حقيقة رداءة بعض الأطعمة، مع قلة الكميات.

 

تصوير: رافي شاكر