أم وخمسة ابناء

 

الولد الماشي في الصورة، اسمه أبو بكر، صومالي نازح من بلده بسبب ويلات الحرب. يعيش مع أمه وثلاث إخوة صبيان، في منطقة حدائق المعادي، جنوب القاهرة، حيث تعيش نسبة كبيرة من اللاجئيين الأفارقة، الفئة الأكثر عددًا بين اللاجئين في مصر الذين يقدر عددهم بـــ ٥ ملايين نسمة بحسب الرئيس المصري في اجتماع قمة العشرين سبتمبر 2016.

لا يعرف أبو بكر ولا أمه ولا باقي إخوته ما هو مصير أبيهم وشقيقين آخريين. انقطعت الأخبار وليس أمامهم إلا التسجيل في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للإقامة في مصر، لحين الترحيل إلى دولة أخرى. وإلى أن يتم هذا، على الأسرة النازحة أن تعيش في شقة من غرفتين على موارد مالية قليلة من المعونة اللاجئيين، وعلى ما تجنيه أمه من الخدمة في المنازل.

”غالبية اللاجئين سيدات بلا أزواج“ تقول الاستاذة فاطمة إبراهيم من مؤسسة تضامن لــ”مراسلون“ وتضيف ويعمل أكثرهن في خدمة البيوت والجلوس مع الأطفال، مما يعرضهن للمضايقات والتحرشات، هذا بخلاف أعمال المنزل والمذاكرة للأولاد، السيدة هنا هي رجل البيت حتى وإن كان زوجها معها“.

من عامين قدمت أسرة أبو بكر من الصومال هربًا من ويلات الحرب الأهلية الصومالية. وكان الأب قد أصيب بطلق ناري في ساقه فأعجزه فاستبقى أكبر ولدين عنده وطلب من زوجته الذهاب بالأولاد الأربعة الباقيين إلى مصر.

الأسرة لا تجيد العربية، تتحدث الصومالية فقط، والوحيد الذي يتحدثها بدرجة معقولة هو أبو بكر، ترجمان العائلة الذي نقل لـــ”مراسلون“، حديث والدته وأفراد عائلته. ”وضعنا صعب “ تقول الأم وتضيف ”ولا أحد يمكن اللجوء إليه“.

 

”جاءنا إلى مصر ٢٧ أغسطس ٢٠١٥“  يحكي لنا أبو بكر ويستكمل ”بعد رحلة استمرت ١٢ يوم في الصحرا، بالميكروباص من الصومال إلى السودان ثم بالقطار إلى أسوان“.

رحلة طويلة استمرت في الصحراء لأيام بين الصومال والسودان، يقتاتون على ما حوته حقيبة الطعام، يتوقفون في أماكن محددة، ويعبرون الحدود تهريبًا في حرارة أغسطس الحارقة إلى أن وصلوا إلى مصر وقدموا طلبات لجوء للأسرة وأجريت لهم مقابلة في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في نوفمبر ٢٠١٦.

”غالبية اللاجئين من الأفارقة في مصر هم من السودان وبخاصة جنوب السودان “ تقول الاستاذة فاطمة إبراهيم وتضيف ”وأيضًا من أثيوبيا والصومال وأريتريا ونيجيريا.“

السودانيون، بحسب ما أوضحت فاطمة، هم الأكثر دراية عن باقي الجنسيات الأفريقية بالثقافة المصرية، وهم ما يضمن لهم بعض الامتيازات. أما الأثيوبيون فغالبيتهم مُرحّلون من السعودية وقدموا إلى مصر عن طريق اليمن تهريبًا، لرفضهم العودة إلى بلدهم، وكذلك الصوماليون الذين تركوا بلدانهم وجاءوا إلى مصر عن طريق السودان بواسطة مهربين الحدود هربًا من الحرب الأهلية هناك.

الأسرة المحبوسة

من دون أصدقاء ولا أقارب ولا تواصل مع الجيران حيث لا يمكن للأم التحدث بالعربية، تعيش أسرة أبي بكر بمفردها محبوسة في شقة ضيقة، تتابع التلفاز، وسيلة الترفيه المتاحة لديها، حيث لا خروج إلا لقضاء الحاجات الضرورية. الأخ الأكبر جبريل، ١٧ عامًا، لا يجيد العربية ولم يتعلم ولا يعمل ويقضى غالبية وقته في المنزل.

”عايشين بلا أوراق ثبوتية، ولا شهادات ميلاد لأولادهم، وبدون تعليم، لعشرات السنوات في انتظار الترحيل لأوروبا أو أمريكا. ومنهم من يجهل اللغة والثقافة المصرية فيعيش بمعزل عن المجتمع، ومنهم من لا يختلط لكثرة المضايقات والتحرشات.“ تقول الاستاذة فاطمة.

تتنوع المضايقات والمشاكل التي يتعرض لها اللاجئون الأفارقة، منها الشتائم والمعايرة باللون والسخرية من اللغة، والتفرقة في المعاملة من زيادة البيع بسعر أعلى في السوبر ماركت، والتلاعب في أجرة المسكن، وقد يصل الأمر كما أشارت الاستاذة فاطمة إلى قيام صاحب البيت بضرب اللاجئة التي تعمل عنده، أو اغتصابها أو سحب جواز سفرها منها، لعلمه أنها لن تذهب إلى القسم مخافة الترحيل من مصر.

أسرة أبي بكر نفسها تهجم عليها لص ذات ليلة في المسكن السابق الذي كانوا فيه، وفي أثناء ذلك تعرض عبد الرحمن أصغر الأبناء، ٨ سنوات، إلى ضربة من اللص أصبت ذراعه بكسور مضاعفة أثرت على حركة يده، ومع ذلك لم تتقدم الأسرة ببلاغ إلى الشرطة.

”اللاجئ يتحاشى الذهاب إلى قسم الشرطة “ تقول فاطمة ولذلك يصمت غالبية اللاجئين للانتهاكات التي يتعرضون إليها، وهو ما يسبب خوف من الاختلاط بالمجتمع، ويجعل غالبيتهم تسير في مجموعات وتسكن في مناطق معينة، مكونيين ما يشبه الجيتو.

”عادة ما يتركزون على طول شريط المترو باعتباره أكثر وسائل المواصلات حيوية والأقل سعرًا بالقاهرة“ توضح فاطمة وتضيف ”في منطقة حدائق المعادي وعين شمس وحلوان، والكيلو ٤ ونص، والحي العاشر، ومنطقة ٦ أكتوبر“.

مدرسة تضامن

داخل منطقته بحدائق المعادي يتوجه أبو بكر هو وأخيه عبد الرازق وأخيه عبد الرحمن كل صباح إلى مؤسسة تضامن، حيث يتعلمون، للحصول على شهادة التعليم الأساسي باعتماد من وزارة التعليم السودانية.

 

يحب عبد الرازق، أخو أبي بكر، ١١ عامًا، الرسم، وتعلم اللغة الإنجليزية، ويشارك الأولاد والبنات الذين يماثلونه في العمر اللعب والأغاني والأناشيد، وتبدو عليه سمات الطالب المتفوق.

”الأطفال الأقل في العمر أسهل في التعليم “ يقول لــ”مراسلون“ الاستاذ ماتي، مدرس من جنوب السودان يعمل مع مؤسسة تضامن، ويضيف ”ويسهل عليهم الاندماج مع الجنسيات الأخرى من بلدان أفريقية. على عكس الأكبر سنًا“.

بحسب الاستاذ ماتي، فإن الفجوة بين مستوى الدراسة هنا والدراسة في بلدانهم، تؤدي إلى تأخر المستوى الدراسي، كما أن وجود فئات عمرية مختلفة في فصل واحد يؤدي إلى عدم التواصل والاندماج بين أفراد الفصل.

 

يتعرض هؤلاء الأطفال للانتهاكات يوميًا من معايرة باللون وصولًا للضرب أو التحرش في بعض الحالات. بالنسبة للاستاذ ماتي فإنها أمور وارد حدوثها في كل المجتمعات وبالذات لأصحاب البشرة المختلفة، الأهم بالنسبة إليه هو تعليم هؤلاء الأولاد طرق التعامل مع هذه الأمور.

”هذه المشاكل والانتهاكات تؤدي إلى أعراض نفسية“ تقول فاطمة وتعدد الأعراض: ”ترومة، إكتئاب، ضغط عصبي، مشاكل كثيرة، تؤثر عليهم وعلى أولادهم“

الحدائق العامة، وبخاصة حديقة ميدان الأوبرا بالعتبة، وسط القاهرة، هي مقصد اللاجئيين الأفارقة لترفيه والترويح عن أنفسهم. وهناك قد يجد الواحد فتاة أفريقية تروق له لتكون عروسه حيث يتم الزواج في نطاق ضيق وبأقل التكاليف، وهناك أيضًا يتلقى الواحد منهم عرضًا لبيع عضو من أعضاء جسده.

فمؤخرًا ومع شد السلطات الأمنية لقبضتها على الشواطئ  المصرية لوقف رحلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، التي ازدهرت منذ ٢٠١٤، تزايد عدد الأفارقة وبخاصة الأرتيريين العالقين في مصر، مما جعلهم هدفًا لتجار الأعضاء البشرية.

”مع أن الأمور هنا في مصر رغم صعوبتها هي أفضل حالًا من الصومال إلا أن الواحد يفضل أن يكون في بلده يتحدث لغته وأن يكون وسط أهله وأصدقائه “ يقول أبوبكر.

 

تصوير: سيد داود واراب