تم إلقاء القبض على أحمد ماهر أحد مؤسسي حركة “6 إبريل” يوم 30 نوفمبر 2013 عقب إصدار قانون التظاهر، على خلفية التظاهر أمام مجلس الشوري لإلغاء المحاكمات العسكرية وقت كتابة الدستور –تم إقراره في 2014-  يتذكر ماهر:”أثناء صدور الحكم وقعت الصدمة، وتفاجئ جميع الحاضرين بالقاعة بالحكم، وأيضا ب “المراقبة”،  فالقاضي أصدر الحكم قائلاً: “حكمت المحكمة حضورياً على المتهم أحمد ماهر بالسجن المشدد ثلاث أعوام ، وقضاء فترة مراقبة  لمدة ثلاث أعوام بالسجن ليلاً”، ومن هنا وقعت الصدمة والسكوت علي جميع الحاضرين بالقاعة بعدها، ظل الجميع يتساءل ماذا تعني فترة المراقبة؟

***

بحسب علي سليمان المحامي بمحكمة النقض وعضو المكتب السياسي لحزب التحالف الشعبي ينص قانون العقوبات على أنه يمكن الحكم بالسجن فقط أو السجن والمراقبة، والقاضي هو من يحق له إصدار الحكم بمدة العقوبة ومدة المراقبة على المجرم وفقاً للقانون رقم 45 لسنة 9919.

فترة المراقبة تبدأ بعد قضاء عقوبة السجن لمدة يحددها القاضي، حيث تكون فترة معينة ليلاً وتكون بالاتفاق بين المفرج عنه وضابط القسم، وهي عادة في حدود الست ساعات، ومن الضروري إن يشاهده الضابط المسئول.

ويفرق سليمان بين التدابير الإحتزارية والمراقبة ، فالتدابير تعني مرعاة ظروف المجرم، فمثلا إذا كان المجرم شاب فيمكن للقاضي أن يحكم عليه بقضاء فترة تدابير بقسم الشرطة التابع له لمدة معينة، وهي عقوبة بديلة لفترة السجن، حيث يذهب إلى القسم يومياً لتسجيل اسمه بدفتر المراقبة بدون قضاء عقوبة السجن.

يستكمل سليمان: “بمجرد أن يتغيب المحكوم عليه لمدة يوم أو يومين، على الفور تذهب عناصر أمنية من قسم الشرطة إلى منزله، واذا ثبت عدم تواجده وتغيير محل الإقامة، يتم إصدار قرار بالقبض عليه ويتحول من نصف سجن إلى سجن كامل، ويتم إبلاغ نيابة التدابير، وبدلا من كونه “مراقبة” تصبح “سجن” وبدلاً من فترة التدابير الاحتزارية تصبح عقوبة ايضا”.

يتابع سليمان: الحكم بالمراقبة قبل يناير 2011 كان يتم على الجنائيين فقط، والسبب أن الدولة لم تكن تعترف بوجود “قضايا سياسية” بالمعنى المتواجد حالياً، وبالتالي لم يكن هناك “معتقليين سياسيين”، فالمعتقل السياسي هو من صدر له قرار اعتقال من قبل وزير الداخلية ويتم القاء القبض عليه داخل منزله طبقاً لقانون الطورائ ، ولكن من يتم القاء القبض عليه طبقاً لبند الإجراءات الجنائية بقانون العقوبات ، يطلق عليه “مجرم” وليس معتقل سياسي. الآن يوجد ما يقرب من 122 قضية تخص نشطاء سياسين تم إصدار حكم بالعقوبة والمراقبة منذ يناير وحتى الأن.

***

في شهر يناير الماضي (2017) انتهت عقوبة أحمد ماهر وخرج الى الحياة وشاهد الشمس من الشارع ، واستطاع تنفس الهواء بمفرده بدون أن يكون بجانبه 25 فرد يتنفسون نفس الهواء من شباك الزنزانة.

وذهب مسرعاً الى زوجته وإبناءه وولدته وظل يتحضنهم ويتبادل القبلات سريعا، لأنه يجب عليه العودة.. فعندما دقت الساعة الخامسة علم أن ساعات الحرية القليلة قد انتهت، وبدأت “ساعات العذاب” على حد وصفه، وكان عليه الإسراع في الذهاب إلى قسم شرطة القاهرة الجديدة ثالث.

***

يقول ماهر: “قانون المراقبة يسمح للشخص المتقدم في السن أو الذي يعاني من ظروف مرضية بأن يقوم بقضاء فترة المراقبة داخل منزله، وتعني بالقانون إقامة جبرية داخل منزله، وهناك نوع أخر من المراقبة، وهو البقاء لبعض الوقت في القسم، والنوع الأخير والأكثر شدة هو المراقبة طول الوقت بالقسم، وهو ما يتم معي.

إذ تبدأ فترة مراقبتي من الساعة السادسة ليلاً وحتى الساعة السادسة صباحاً، ممنوع استخدام الهاتف، ممنوع استخدام الإنترنت، ممنوع جلب كومبيوتر محمول، فيتم أخذ الهاتف ووضعه بأمانات القسم لحين أنتهاء ساعات المراقبة، في الشهر الأول كان المكان نظيفا، وهناك فصل بين السياسيين والجنائيين، لكن بعد ذلك تغير الوضع.

***

أصبحت أمضي ساعات المراقبة في غرفة لا تتجاوز مساحتها المتر ونصف، يتكدس بها الجميع، سياسيين، جنائيين، بلطجية.. الكل محشور في تلك الغرفة المظلمة عديمة التهوية، أرضها وجدرانها بلا بلاط، أسمنت فقط، وتضربها مياه المجاري من جميع جوانبها ، فقط بابها مفتوح وأمامه يوجد ثلاث عساكر حاملين السلاح للتعامل مع أي سجين يريد الخروج من الغرفة المظلمة، الحشرات تملأ الغرفة، وغير مسموح غير بالبقاء داخل الغرفة المظلمة فقط، الساعات تمر داخل الغرفة وكأنها أعوام، وبداخلها كنت أشعر أنى في السجن، أعرف أنه مؤقت لكنه سجن على أي حال، أنظر إلى الباب حتى أري ضوء اليوم الجديد كي أشعر بقرب ساعة الإفراج والتنفس في آن واحد.. أحيانا أشعر أن الموت أهون من ذلك الوضع.

***

كل ما يشغل تفكيري في تلك الساعات هو تضييع الوقت، فأقوم بالقراءة، وأحضرت ردايو للا ستماع إلى شيء من الموسيقى كي أهرب من الأجواء حولى، أو أفعال البلطجة التي تحدث أمامي، بدأت في الدراسة للحصول على دبلوم في العلوم السياسية، كي أقنع نفسي إني خرجت من السجن وأستطيع ممارسة حياتي بشكل طبيعي، ولكن كان ذلك وهما، فكنت أجلب الكتب للمذاكرة داخل السجن، وحاولت إقناع نفسي أنى أستطيع المذاكرة وسط هذه الأجواء، ولكن هذا لم يحدث.

***

أيام الأمتحانات كنت أتقدم بطلب أجازة، ولكن كان يتم رفضه دائماً بدون إبداء أسباب، فلمدة 7 أشهر ونصف أتقدم بطلب الأجازة وأقابل بالرفض.

حدث أن تلقيت اتصالا بأن والدتى المقيمة بالمعادي -والمصابة بمرض السرطان في مراحله المتاخرة- تحتضر بالمستشفي، فذهبت اليها مسرعاً، وبقيت معها بدون أن أشعر بالوقت، وحينها ذهبت إلى ميعاد المراقبة متأخراً نصف ساعة، عندما وصلت قسم الشرطة، وجدت الظابط يتحدث معي بشكل سيء، وقام بتقيدي، وإلقائى داخل السجن لعرضي على النيابة في اليوم التالي، وحينها أخبرته أكثر من مرة بأن والدتى تحتضر، وكان الرد إنذاك “مالناش دعوة.. مواعيد المراقبة أهم من حياة ولدتك” وبالفعل تم حبسي، وذهبت في اليوم الثاني إلى نيابة التدابير، وتم تحديد ميعاد جلسة جديدة لحكم جديد يوم في الثاني والعشرين من أكتوبر القادم.

***

حاولت أكثر من مرة تنظيف الغرفة المظلمة ولكن دون جدوى، ,قمت بشراء مروحة  لتركيبها بالغرفة، ولكن المأمور رفض بحجة أنه لابد من موافقة وزارة الداخلية، والموافقة لم تأتي بسبب الإجراءات الروتينية المعقدة. حاولت أيضا أن بقوم بجلب أحدهم لتصليح مجاري الغرفة وتنظيف المكان من الحشرات ولكن الرفض كان عنوان كل شئ بالغرفة المظلمة،.

***

يصف ماهر حياته أنها نصف حياة، نصف حرية ونصف سجن، رغم أنه يشاهد أسرته، ولكن لا يستطيع رؤيتهم ليلاً، فالنهار ملك أسرته، والليل ملك القسم والسجن..”لا أستطيع المذاكرة، لا أستطيع التواجد مع والدتى التى أخشى أن تتعب أو تموت ليلاً بدون أن أراها، لا أستطيع التعبير عن رأيي بحرية، لا أستطيع العودة إلى الكتابة من جديد، بجانب أنى لا أستطيع العودة إلى العمل، لا يوجد عمل يتناسب مع مواعيد فترة المراقبة، وكي استطيع الذهاب بأولادي الى المدراس واشاهد زوجته واتواجد مع ولدتى المريضة ، فالنهار لا يكفي للعمل، ووالدتى، وزوجتى، وأولادي، وبالتالي تخليت عن العمل نظير دراستى وأسرتي، أنا لم أخرج من السجن ما زالت هناك.

 

تصوير: سيد داود