يقضي صالح الشيخ (40 عاماً) أصيل مدينة بنغازي، حكماً بالحبس بسبب تحريره صكاً بدون رصيد لمصلحة شريكه السابق كضمان عمل تشاركا فيه، لكن العمل تعثر وقام شريكه بتقديم الصك إلى النيابة العامة التي قررت حبسه.

يقول الشيخ “قبُض عليّ من قبل البحث الجنائي في مدينة بنغازي، وتم تقديمي للنيابة العامة في طبرق، و صدر ضدي حكم بالحبس لمدة عامين، قضيتُ منها أربعة أشهر حتى الآن”.

قضية اقتصادية

الشيخ حاصل على درجة الماجستير في القانون، ويعمل مستشاراً قانونياً بأحد بنوك بنغازي، وهو متزوج ووالد لطفلين السنوسي (6 سنوات)، وفاطمة (5 سنوات)، وجد نفسه خلف القضبان في سجون طبرق (مدينة شريكه)، مع خليط من السجناء، أغلبهم من المجرمين وأصحاب السوابق، بينهم سجناء بتهم إجرامية وجنائية، قتل وسرقة وتزوير وهجرة غير قانونية من جنسيات متعددة.

هذا الوضع حسب الشيخ يجعله يشعر بـ”الإهانة” طوال الوقت، كما أنه يحس بالخطر على نفسه وصحته من التورط في مشاكل مع أحد المجرمين، وذلك لا شك يؤثر على وضعه الاجتماعي والوظيفي “قضيتي تعد من القضايا الاقتصادية، و ظروف معينة جاءت بي إلى السجن، ولكنني لستُ مجرماً،  فكيف أسُجن مع المجرمين” يقول الشيخ.

مبنى مؤسسة الإصلاح والتأهيل (السجون في طبرق) يؤوي أكثر من 120 سجيناً، في الوقت الذي لا تزيد سعته عن 60 سجيناً فقط وبالطبع التصنيف غير متاح لضيق المكان، وتنظم عمل المؤسسة لوائح داخلية وقوانين، حسب وكيل النيابة العامة – الذي فضل عدم ذكر اسمه – وقال لـ”مراسلون” إن مؤسسة الإصلاح والتأهيل تخضع للإشراف العام والمتابعة من قبل النيابة العامة، التي بدورها تقوم  بالإشراف على تطبيق القوانين واللوائح، بالتفتيش المفاجئ على حالة النزلاء وأوضاعهم ووجودهم، لكن الوضع القائم “صعب وفوق إمكانيات إدارة المؤسسة”.

وأضاف وكيل النيابة “تقديراً للوضع القائم وما تعانيه مؤسسة الإصلاح من نقص في الإمكانيات، والاكتظاظ في السجن فإن النيابة تقوم في أغلب الحالات بالإفراج بكفالة، خاصة في القضايا التي يكون المتهم فيها معروفاً وله محل إقامة ثابت”، مؤكداً على أن النيابة العامة هي الجهة الوحيدة التي لها الحق بسجن أي شخص مهما كانت القضية.

ورغم ما يعانيه الشيخ وأمثاله من مرتكبي الجنح والتجاوزات الاقتصادية بسبب عدم تقبلهم لظروف سجنهم وعدم قدرتهم على التعايش داخله، إلا أنه يكن احتراماً لإدارة السجن على “حسن تفهمهم لوضعي وحسن المعاملة معي”، ويتحصل أحيانًا على إجازات قصيرة يسافر فيها إلى أسرته في مدينة بنغازي، لكنه يقضيها بصعوبة ولا يغادر البيت أثناء إجازته؛ بسبب الوضع النفسي الذي يعانيه هو وأسرته، فأبناؤه لا يعلمون بأنه يقضي حكماً بالسجن، بل يعتقدون أنه في سفر خارج البلاد لغرض الدراسة، حسب قوله.

قيد الانتظار

قال رئيس مؤسسة الإصلاح والتأهيل بطبرق الرائد حسين عبدالقادر لــ”مراسلون” إن مشاكل عديدة تواجههم في المؤسسة، يُجملها في “الوضع الصحي المتردي والمبنى المتهالك وغير الصالح للإيواء، بالإضافة إلى تنصل المسؤولين من مسؤولياتهم في توفير متطلبات واحتياجات السجن من إعاشة، ونواحي صحية”، ناهيك عن مسألة الاختلاط وعدم التصنيف الذي وصفه بأنه “بحد ذاته يعد مشكلة خطيرة ونحن نعيها جيداً، لكن الحل ليس بأيدينا”، مشيراً إلى أن هناك مقراً جديداً تحت الإنشاء بمحاذاة المقر الحالي، لكن العمل فيه متوقف منذ مدة طويلة، ويرى عبد القادر أنه لو تم تجهيزه ستُحل مشكلة عدم التصنيف داخل السجن.

يعتقد عبد القادر أن المسؤولين لم يأخذوا طلبات إدارة السجن على محمل الجد، حيث قال لـ”مراسلون” إن عميد بلدية طبرق قام بزيارة للسجن واطلع على مشاكله وتعهد بإيجاد حلول لها، “ولكنه لم يفعل شيئاً على أرض الواقع حتى اللحظة”.

إدارة السجن رفعت مطالبها إلى مستويات أعلى – حسب رئيس المؤسسة – حيث وصلت إلى رئيس وزراء الحكومة المؤقتة عبد الله الثني في مدينة البيضاء، ولكنه أيضا “لم يستجب” يقول عبد القادر، ورغم أنهم يستقبلون زواراً ممثلين عن مؤسسات مدنية ومنظمات محلية أبدت استعدادها للتعاون والبحث عن حلول لوضع السجن لكن لم يقدم أحد حلاً عملياً ملموساً، ويؤكد “ما زلنا ننتظر”.

واقع صعب

المجلس البلدي لمدينة طبرق – حسب نصر موسى بو علجية أحد أعضائه – يعلم بأن وضع السجن “غير مناسب من جميع النواحي الإنسانية والمعيشية، وعدم تصنيف السجناء”، فقد قام مع عميد المجلس بزيارة للسجون للاطلاع على أوضاعها وتسجيل المطالب التي من شأها تحسين الوضع، “كان ذلك في بداية عملنا في المجلس، على اعتبار أن الدولة ستُسيل لنا ميزانية للعمل، وكانت السجون ضمن برنامجنا” يقول بو علجية.

لكن عدم تسييل ميزانية للمجلس البلدي “جعلنا أمام واقع صعب، ناهيك عن عدم التبعية فالسجون في واقع الحال تتبع مؤسسة مستقلة بذاتها، لا تخضع لإدارة المجلس البلدي، وعليه كان من أولويات المجلس البلدي حل مشاكل الشارع، والمختنقات التي تخدم المواطن بشكل مباشر” يقول عضو المجلس.

ولكنه رغم ذلك يقر بأن المجلس قصر في التواصل مع إدارة السجون المباشرة “والضغط عليها لإيجاد حلول، ولو نسبية في ظل الظروف الراهنة” على حد قوله.

خبرات متفاوتة

الحبس مع مجرمين في السجن حسب رحاب سعد منيسي أستاذة علم النفس الجنائي بجامعة طبرق، يمثل خطراً على الفرد، خاصة مع مرتكبي أنماط إجرامية متباينة في خطورتها كالقتل، والاتجار بالمخدرات، والتزوير، والنصب والسرقة، بالإضافة إلى الاعتداء البدني، فحسب كلام منيسي “هذه خبرات إجرامية متفاوتة تتسم بالخطورة قد يكتسبها الفرد، وتساعد في اتجاهه للسلوك الإجرامي حتى بعد انقضاء مدة عقوبته”.

وتؤكد منيسي في حديثها لـ”مراسلون” على أن السجن “بيئة تمثل ضغطاً شديداً على الفرد، وإذا اجتمعت مع الظروف الخاصة من النواحي النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، تثقل كاهله بحيث يتعرض لأنواع عديدة من الاضطرابات النفسية” تقول الأستاذة.

وفي ظل تبادل إلقاء اللوم على الآخرين تبقى مشكلة عدم التصنيف واختلاط السجناء لا تهدد “صالح الشيخ” وحده، بل خطر ينتظر كل من يأتي بهم القدر إلى السجون، الأمر الذي يخالف كل الأعراف والقوانين المحلية والدولية، و ينتهك حقوق الإنسان على مرأى ومسمع من الجميع.