قررت الحكومة الجزائرية سنة 2009 تخصيص مينائي جيجل و مستغانم لاستقبال السيارات المستوردة. هذا الأخير، و الذي أصبح من أهم الموانئ التجارية في الجزائر في السنوات الأخيرة، فقد كثيرا من حركتيه و لم تعد ترسو به سوى 60 باخرة في الشهر. “خلال السنة الماضية، استقبل الميناء حوالي 6000 طن من الزفت ، 3000 طن من الأسمدة الفلاحية، 90 طن من بذور البطاطا خلال كما مرت عبره شحنات من الخشب واللحم“، يشير رئيس دائرة الشحن والتفريغ بمؤسسة ميناء مستغانم، قويدر دواجي.

وإذ رست به أول باخرة محملة بالسيارات -120سيارة كشحنة تجريبية العام 2009، قبل أن يصبح معبرا للسيارات المستوردة-، بلغ نشاط الميناء أوجه في سنوات 2013 و 2014 أين كانت حظيرته التي تسع 4500 سيارة مملوءة طوال السنة.  لكن الميناء لم يعد يستقبل السيارات بعد قرار ربط الاستيراد بشرط الالتزام بإطلاق نشاط إنتاجي يؤسس لصناعة السيارات في الجزائر و تقييد الاستيراد بنظام رخص حدد الواردات بشكل كبير. ففيما يخص السيارات، يضيف قويدر دواجي، لم يستقبل الميناء هذا العام سوى الحاويات الموجهة إلى مصنع التركيب لعلامة هيونداي المتواجد بتيارت (260 كلم غرب الجزائر العاصمة ) و التي تقدر ب 150 حاوية كل 15 يوما، بالإضافة إلى 25 سيارة مملوكة للخواص. ونتج عن تراجع الواردات عبر الميناء بسبب تجميد رخص استيراد السيارات ركود اقتصادي واسع في مستغانم أربك نشاط الناقلين على وجه الخصوص، النشاط الذي ازدهر بشكل لافت في ظل استيراد السيارات. وإن كان ناقلو السيارات الواردة عبر ميناء مستغانم ليسوا كلهم من هذه المنطقة، فالكثير من ناقليها استثمر في وسائل جديدة لمواكبة الحركية التي نجمت عن استقبال السيارات مكنتهم من الحصول على حصة من سوق الخدمات المرتبطة بهذا النشاط. لكن هذه الحركية لم تكن سوى ظرفية وتراجعت كثيرا بسبب تقييد استيراد السيارات.

تراجع استيراد الإسمنت يوسع ركود الميناء

في هذا السياق، تجدر الإشارة كذلك الى أن ركود الميناء يعود أيضا إلى تراجع واردات الإسمنت. فاستيراد هذه المادة قيد كذلك بسبب وفرة الإنتاج المحلي الذي يغطي الذي يغطي حاجيات السوق نظرا لرفع المصانع الجزائرية، العمومية منها (مجمع جيكا) والخاصة (لافارج) لقدراتها الإنتاجية من جهة، و تراجع الطلب نتيجة لتجميد عديد مشاريع البنى التحتية في خضم الأزمة التي يمر بها البلد بسبب انهيار أسعار النفط في السنوات الأخيرة. فآخر شحنات مادة الإسمنت التي وردت عبر ميناء مستغانم كانت سنة 2016 (600 ألف طن).  وإذ تسبب تخفيض ميزانية الدولة للتجهيز و بالتالي العدول عن عديد مشاريع البنى التحتية في إفلاس الكثير من شركات البناء و الأشغال العمومية في الجزائر، انطلى جمود هذا القطاع كذلك على مستغانم. لكن الأمر من ذلك هو أن بيئة الاستثمار فيها لا تشجع على تطوير نشاطات أخرى لتفعيل الحركية الاقتصادية فيها من جديد. فنقص فعالية الإدارة فيها و كباقي ولايات البلد، تثني حتى المتعاملين الأكثر عزما.  “أكبر عائق يقف أمام الاستثمار بالولاية هو البيروقراطية المفرطة و التي تضع المستثمر في متاهة لا نهاية لها.  الإدارة هي من يعرقل منح العقار الصناعي و رخص البناء و هذا ما يثبط من عزيمة المستثمرين” يقول المقاول محمد بوثلجة. ويضيف متحسرا :”مستغانم بحاجة إلى مشاريع استثمارية مصانع و التي أبدينا نيتنا في تجسيدها. لكن الأبواب موصدة  في وجه طموحات المستثمرين ولا يمكن الحديث عن إحداث حركية اقتصادية أو خلق مناصب للشغل”.

مؤهلات معتبرة ولكن…

بالفعل، فقد أبدى العديد من المستثمرين نيتهم في الاستثمار و حسب الأرقام التي قدمها بشير بن بادة، مدير الصناعة و المناجم لولاية مستغانم، فقد تم “اعتماد 291 مشروعا استثماريا في الفترة الممتدة بين 2011 و 2017 منها 185 مشروعا صناعيا و 44 مشروع سياحي و 46 مشروعا فلاحيا لإنتاج الحليب و ثمانية مشاريع في مجال تربية المائيات، ما يسمح باستحداث  22000 منصب شغل جديد“.

لكن إذا كان بإمكان مستغانم بشواطئها الممتدة على طول 120 كلم أن تصبح منتجعا سياحيا بامتياز، فلم تكف نية المستثمرين في تحقيق ذلك أو تحسين مرافق الإيواء فيها والتي لا تتعدى 4000 سرير. وإذ يمكن للمشاريع التي أعطيت الموافقة الإدارية بشأنها (42) رفع هذه القدرة إلى 12000 سرير، يبقى هذا القطاع يعاني من مشاكل العقار السياحي ومشاكله القانونية و التي لم تبد الإدارة أي فعالية في حلها. نشير هنا إلى  ما جاء على لسان وزير السياحة والصناعات التقليدية، حسن مرموري، في زيارته لمستغانم شهر جويلية الفارط حيث أعلن عن إيفاد لجنة وزارية مشتركة لتطهير العقار السياحي.

باختصار، تتواجد بولاية مستغانم عدة مناطق للنشاط الصناعي أهمها المنطقة الصناعية لفرناكة التي تبلغ مساحتها 70 هكتار عدة مصانع تنتج موادا أولية لصناعة مواد التنظيف، الأنابيب الإسمنتية، أغلفة التعليب و مواد أخرى. كما ينتظر الشروع في تهيئة منطقة صناعية جديدة بالبرجية، على تراب بلدية الحسيان، مساحتها 200 هكتار يمكن تحصيصها إلى  أكثر من 450 قطعة أرض صناعية، و يميز موقعها قربه من الطريق السيار شرق-غرب و الميناء التجاري للولاية، كما سيتم بنفس الموقع (البرجية) إنجاز ثلاث مناطق نشاطات تتربع إجمالا على مساحة 100  قدرها هكتار. فيما يتعلق بالبنى التحتية، يجري إنجاز طريق سريع طوله 65 كلم لربط الطريق السيار بميناء مستغانم و تشارف الأشغال به على الانتهاء، حيث يتوقع تسليمه مطلع سنة 2018. مشروع هذا الطريق يشمل عدة ممرات ومحولات لربطه ببلديات ولاية مستغانم التي تتواجد على أرضها مناطق للنشاط الصناعي  بالإضافة إلى محول لربطه بالمنطقة الصناعية لسيدي خطاب في ولاية غليزان و التي استقطبت في الآونة الأخيرة مشاريع ضخمة كمصنع تركيب السيارات للشركة الألمانية “فولسفاقن”. لكن لحد الآن، لم تستغل كل هذه المؤهلات في تفعيل الاستثمار في الولاية.