أطلقت الوكالة الوطنية لتثمين موارد المحروقات “ألنفط” عام 2010 مناقصة دولية للاستكشاف في العديد من مناطق الجزائر لكنها لم تحظ بإقبال المستثمرين. و لم يبد الشركاء التقليديون لسوناطراك(الشركة الوطنية لاستغلال الموارد النفطية) اية حماسة من اجل المضي معها في التنقيب عن المحروقات بالرغم من التزامها بواجباتها نحوهم على مر السنين و هذا حتى في أحلك الظروف التي عاشها البلد سنوات التسعينيات. منيت هذ ه المناقصة بفشل  ذريع وبالتمحيص في دوافع شركة “سبسا”  الإسبانية  التي كانت المتعامل الوحيد الذي أبدى اهتمامه برخص الاستكشاف المتاحة في إطار هذه المناقصة، لا يمكننا القول أن مشاركتها حفظت ماء الوجه.

كثر الحديث في ذلك الوقت عن ممارسة الدولة الجزائرية لحق الشفعة في عديد المجالات وهذا في خضم قضية متعامل الهاتف النقال “جيزي” الذي تنازل عنه مالكه المصري نجيب ساويريس لصالح الشركة الروسية “فمبلكوم” ولم تسع السلطات المحلية الحيلولة دون ذلك. فقد دامت إجراءات التحكيم الدولي الذي طلبته الجزائر لسنوات ولم تحصل عل نصف الأسهم إلا بشق النفس وبعد دفع مبلغ وصفه المتتبعون لقطاع الاتصالات بالمبالغ فيه بالنظر لقيمة  هذه الشركة الحقيقية.  كان عقد “سبسا” التي كانت تستغل حقلا بتروليا بالتعاون مع سوناطراك  في منطقة “رود الخروف” يشارف على انتهائه و كانت الشركة الإسبانية  بحاجة إلى تمديد هذا العقد لأسباب استراتيجية  و أخرى أنانية كتجريب تكنولوجيا جديدة في هذا الحقل طورتها شركة ناشئة أمريكية اشترتها “سبسا” في نفس السنة. “رود الخروف” كان المكان الأمثل لتجريب هذه التكنولوجيا التي تعوض ضخ الغاز من أجل استخراج البترول. و هكذا كانت “سبسا” التي حازت على رخصة للاستكشاف  في نطاقين من حقل حاسي بركين هما “رود روني2” و “رود فارس” الشركة الوحيدة من بين كبار شركاء سوناطراك التي أبدت تعاونها مع الجزائر في هذه المناقصة التي شملت في الأصل عشر نطاقات من حقول مختلفة. ومكنها ذلك من الحصول على تمديد مدته أربع سنوات في “رود الخروف” عند تجديد عقدها سنة 2014.

عدم استقرار المؤسسات يثبط عزيمة المستثمرين

أطلقت مناقصة أخرى، الرابعة من نوعها، في جانفي 2014 وكانت أكثر فشلا من سابقتها. إذ أسفرت هذه المناقصة عن منح أربع رخص من بين الثلاثين المعروضة للمنافسة. إذ لم تكن هناك أي منافسة تذكر بسبب العدد القليل للمهتمين بها. بل و كان هناك غرابة في بعض الشراكات. فعلى سبيل المثال، انضوت الشركة العملاقة “شال” تحت لواء المكرر الإسباني “ربصول”  من أجل الحصول على رخصة “بوقزول” بولاية الجلفة واكتفت بدور ثانوي كمستثمر. وهذا يحصل نادرا لدى “شال” التي كانت دائما تتقدم بعروض كمتعامل، خاصة وأن “ربصول” أقل خبرة من “شال” في هذا المجال فهي أصلا “مكرر” و لم تلج نشاط المنبع إلا منذ سنوات قليلة. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن رخص الاستكشافات الأخرى التي منحت في إطار هذه المناقصة عادت إلى المجمعين “دراقون اويل”(دبي)-“اينال” (إيطاليا) الذي حاز على رخصتين (ميساري أكابلي و تينهرت شمال) و “”ستات اويل (النرويج)-“شال”-سيقما” (إيطاليا) الذي حصل على رخصة “تيميسيت”. قال آنذاك نزيم زويوش، الرئيس المدير العام السابق لسوناطراك و الذي يعتبر مهندس البنية التنظيمية الجديدة فيما يتعلق بفصل مهام الضبط التي كانت تتولاها سوناطراك باسم الدولة الجزائرية عن مهام الإنتاج والنقل، إذ كلفه وزير الطاقة السابق شكيب خليل بكتابة القوانين الأساسية للوكالات الي استحدثت في إطار قانون المحروقات لسنة 2005 والذي يعرف بقانون “خليل”، أن “هذا الفشل شيء مخيف“، معزيا إياه إلى “عدم استقرار الإطار القانوني والمؤسساتي“، الشيء الذي يثني، حسب كلامه، من عزيمة المستثمرين. “هم بحاجة إلى أجوبة لأسئلتهم و عدم الاستقرار يصعب من الحصول عليها“، يقول زويوش.

ويجعل سوناطراك عرضة لسلوكات  افتراسية

أجلت المناقصة الخامسة التي كان من المبرمج إطلاقها هذه السنة إلى تاريخ لاحق دون ذكر الأسباب. وذاع في أوساط المال و الأعمال بداية السنة الجارية ان الدولة الجزائرية ستغير من سياستها و انها ستتخلى عن إطلاق المناقصات في مجال الاستكشاف مفضلة التفاوض مع المتعاملين مباشرة عن طريق شركة سوناطراك. ويضيف هذا التوجه الجديد غموضا على الغموض الذي يكتنف قواعد العمل في الجزائر والتي تتميز بعدم استقرارها كما أنها مداسة حتى من طرف من يسهرون على احترام تطبيقها. إذ تجدر الإشارة أن الدولة ككل تجد صعوبة في امتلاك قواعد مكتوبة وفرض احترامها. و يتجلى ذلك في تصرفات الحكومة بدوسها على صلاحيات المؤسسات الأخرى. فلما تعلن الحكومة عن رفع أسعار الوقود في الوقت الذي كان المفروض أن هكذا قرار يتخذ من طرف سلطة الضبط التي هي من الفروض مستقلة تكون ضربت القوانين المنظمة لسير مؤسسات الدولة عرض الحائط. لكن الأمر من ذلك يكمن في حركة التعيينات التي مست القطاع في الآونة الأخيرة و التي أتت بمسبوق قضائيا و إطارات ذكرت أسماؤها في تحقيقات عن قضايا فساد إلى مراكز القرار. نخص بالذكر الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك، عبد المومن ولد قدور، الذي حكم عليه بالسجن لسنتين ونصف قضى منها سنة ونصف و هذا بتهمة إفشاء معلومات مصنفة “سر دفاع”.

نذكر كذلك وزير الطاقة الأسبق نور الدين بوطرفة الذي تم اتهامه في قضية رشوة تعلقت بمشروع إنجاز محطتين لتوليد الطاقة الكهربائية (كدية الدراوش و ترقة) عندما كان رئيسا مديرا عاما للشركة الوطنية للكهرباء و الغاز “سونلغاز”، محطتين كانت قد كلفت بإنجازهما الشركة الفرنسية “ألستوم” و الأمريكية “جينيرال الكتريك” بمبلغ إجمالي قدره 5.5 مليار دولار أمريكي . وكذا الوزير الحالي مصطفى قيطوني الذي تراس بدوره فرعا لشركة “سونلغاز” وتم إبعاده عن منصبه عام 2008 على خلفية تحقيقات قامت بها مصالح الأمن فيما يتعلق بتسيير الفرع. وبقي بدون منصب لمدة ست سنوات قبل أن يجد نفسه رئيسا مديرا عاما لسونلغاز و من ثم وزيرا للطاقة خلفا ل بوطرفة  بمقتضى التعديل الوزاري  الذي جاء في شهر ماي الماضي.  وحتى تعيين الرئيس الحالي لسلطة الضبط، أرزقي حسيني- وإن لم يأت اسمه في قضايا فساد، فعمله فيما مضى كمستشار لدى شركة “نابكو” المملوكة من طرف إبن الرئيس المدير العام لسوناطراك، نسيم ولد قدور، و التي تقدم خدمات في مجال المحروقات-، يطرح إشكالية تضارب المصالح بشدة. مثل هذا الفريق في تسيير قطاع حساس بالنسبة للجزائر كقطاع المحروقات التي تضمن 98 في المئة من مداخيل البلد من العملة الصعبة يحد من هامش المناورة مع الشركاء و المتعاملين الأجانب. بل و يثني من عزيمة المستثمرين في التعاقد مع سوناطراك التي تأخذ بقوة القانون حصة في كل حقول النفط المستغلة. فلا يخيل لمسؤول من شركة كبيرة أن يجلس على طاولة المفاوضات مع مسبوقين قضائيا أو مشبوهين بتضارب مصالحهم حتى و إن كان ذلك لا يورطه في شيء، فقط ليحافظ على سمعته و صورته.

كما تزيد الدغماتية التي تتجلى لدى شركة سوناطراك و من ورائها الدولة الجزائرية في الاحتفاظ لنفسها بالحقول الأكثر مردودية وأن لا تشرك متعاملين أجانب إلا في الحقول صعبة الاستغلال والتي لا يجنى منها الكثير، من تردد المستثمرين خاصة في ظروف مثل التي تمر بها سوق النفط اليوم في ظل تراجع الأسعار. بل مثل هذه الذهنية تعرض سوناطراك لسلوكات افتراسية من طرف كبرى شركات الخدمات النفطية والتي لا تتوان في تطبيق أسعار أعلى من أسعار السوق على الخدمات المقدمة لها في إطار المناولة و التي لا تملك الخبرة في إنجازها.

باختصار، يعتبر قطاع المحروقات في الجزائر بارومتر مناخ الأعمال في البلد وقد فشل القائمون عليه في جذب متعاملين و مستثمرين بإمكانهم تخفيف العبء عن الشركة الوطنية سوناطراك في التنقيب و تثمين منابع النفط.  ضعف مصداقية القائمين عليه أهم أسباب هذا الفشل. فهم مجبرون على تقديم تنازلات تضر بمصالح سوناطراك و البلد من أجل إرضاء الشركاء. نذكر عل سبيل المثال لا الحصر، تنازل سوناطراك عن التحكيم الذي طلبته ضد الشركة الفرنسية “تكنيب” والتي كان من المنتظر ان تدفع للشركة الوطنية مبلغا يصل إلى 100 مليون دولار أمريكي بسبب التأخر في أشغال إعادة تأهيل مصفاة سيدي رزين (براقي) بضواحي العاصمة الجزائر والتي تعمل على إكمالها اليوم شركة صينية. ولم تتوقف سوناطراك عند ذلك بل و قامت بفسخ عقد مكتب الدراسات الهندي الذي كان يقوم بمتابعة سير الأشغال لصالحها وتعويضه عن ذلك و منح الصفقة ل “تكنيب” بمبلغ قدره ثمانية ملايين دولار أمريكي…