داخل غرفة التشريفات بجامع عقبة بن نافع بمحافظة القيروان (وسط البلاد) يجلس الإمام الأول بالجامع الشيخ الطيب الغزي على أريكته العتيقة بجسمه الذي تضاءل بمفعول الكبر، وهو يوجه أسئلته المعتادة إلى ضيفته الألمانية وزوجها الذي اصطحبها معه للمسجد لإشهار تحولها بصدق إلى الإسلام لإتمام الزواج.

يستمع الشيخ الطيب الغزي بتركيز إلى شرح الزوجين لأسباب رغبتهما في الاختلاط، ثم يطأطئ رأسه باديا على وجهه الأشقر المتعرق الاستبشار بما حصل فهو سيجني الحسنات “من إدخال شخص في دين الإسلام”.

وطالما تتكرر في جامع عقبة بن نافع أحد أعرق المساجد الإسلامية مشاهد حضور الأجانب لإشهار دخولهم في دين الإسلام لإتمام مراسم الزواج وفق العرف التونسي الذي ينص على هذا الشرط في القانون.

النطق بالشهادتين

ومنذ فترة استقبل جامع عقبة بن نافع أجنبيا جاء ليعلن إسلامه طواعية من أجل إتمام مراحل زواجه من تونسية.

ووسط مئات المصلين وقف “المسلم الوافد” الإمام قبالة المحراب الأثري المميز بمربعات الجليز الذهبية، ليتلقن الشهادتين (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد ان محمد رسول الله).

يكرر الأجنبي نطقها بلكنة لاتينية ثقيلة فيكون تجاوب المصلين عاليا مشوبا بالانبهار ثم تختم مراسم إشهار الإسلام بمصافحة “المسلم الجديد” وتهنئته على زواجه من مسلمة.

أما المرأة الأجنبية القادمة لإشهار إسلامها فلا تدخل بيت الصلاة داخل المسجد مثل الرجل وإنما يستقبلها إمام المسجد في غرفة التشريفات، وبعدها تلتحق بفضاء الصلاة المخصص للنساء داخل الجامع لتنطق بالشهادتين.

إشهار شفوي

يؤكد الشيخ الغزي لـ”مراسلون” أن عددا كبيرا من التونسيين يأتون إلى جامع عقبة بن نافع رفقة زوجاتهم وأولادهم بعد سنوات من الزواج لإشهار إسلام الزوجة.

وفي المقابل ترافق الفتاة الراغبة في الزواج من أجنبي خطيبها إلى الجامع ليشهر إسلامه. ويحدث هذا عادة بعد الحصول على وثيقة رسمية للزواج.

ويستند الغزي إلى مجلة الأحوال الشخصية التونسية (وهي مجموعة قوانين اجتماعية أصدرها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بعد الاستقلال 1956) لبيان واجب حصول الأجنبي الراغب في الزواج من فتاة تونسية على شهادة في الإسلام من مفتي الجمهورية.

ويوضح الغزي أن ما يتم في الجامع هو “إشهار شفوي ولا يتم إسناد أية وثيقة رسمية لإشهار الإسلام”.

جنسيات أوروبية

ويعتبر المواطن التونسي خالد أنه كان محظوظا بزواجه من أوروبية رغم صعوبة التأقلم مع مناخ العيش في أوروبا في البداية.

حول تفاصيل تعرفه على زوجته الأجنبية وإجراءات الزواج منها يقول خالد إن زوجته أقامت معه ثلاث سنوات بمنزل والديه بتونس بعد الزواج وتعرفت إلى مختلف العادات قبل أن تعلن دخول الإسلام “عن طواعية”.

ويقول الشيخ الغزي لـ”مراسلون” إن معظم الوافدين هم من أوروبا خصوصا من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا ويتوزعون بين مسيحيين ولا دينيين. لكنه يؤكد بأنه “لم يأت أي يهودي لاعتناق الإسلام”.

وعادة ما يبحث شبان تونسيون عن الزواج من أجنبيات من أجل إتمام إجراءات الإقامة في بلد أجنبي بغاية تحسين الوضع الاقتصادي والهروب من وضعهم الاجتماعي الصعب.

ختان الأجنبي

ولا يخلو الزواج المختلط من قصص طريفة خاصة فيما يتعلق عن ختان “المتحول إلى الاسلام” في سن الشباب أو الكهولة. إذ يتصل إشهار الأجنبي لإسلامه في الذهنية التقليدية بمسألة الختان.

ويتحدث الشيخ الغزي عن صعوبة تقبل بعض الأجانب للأمر نتيجة تشدد بعض المفتين في مسألة يعتبرها فرعية من منظور فقهي “مما يؤدي ببعضهم إلى التراجع عن الزواج”.

ويروي الشيخ الغزي كيف تعطلت عدة زيجات بسبب هذه الجزئية. فيما يرى أنه يمكن تأجيل المسألة بعد تهيئة الزوج نفسيا مع اعتماد الوسائل الطبية المتطورة.

دوامة الوثائق

ولا تعرقل مثل هذه الجزئيات الزواج المختلط فسحب، وإنما تزيد كثرة الوثائق الإدارية وتشعبها في تعقيد المسألة.

وحول هذه الصعوبات يقول المنصف الرمضاني عدل الإشهاد (مأذون شرعي) إن الزواج المختلط يواجه عدة مصاعب لاسيما فيما يتعلق بكثرة الوثائق والتراخيص.

ويوضح لـ”مراسلون” بأن هناك صعوبات في حصول الأجانب عن وثائق مدنية تخصهم لاسيما من بعض السفارات المغلقة على غرار سوريا وليبيا. ويواجه زواج التونسيين من سوريات في تونس مصاعب بسبب صعوبة استخراج الوثائق الرسمية.

وينجر عن ذلك تعطيل الزواج أو لجوء الزوجان إلى عقد القران في بلد القرين الأجنبي وهذا “لديه تبعات خطيرة منها حرمان المرأة التونسية من حقوقها عند الانفصال”.