يخضع الزواج المختلط في الجزائر للتصريح المسبق. فعلى المقبلين على الزواج التقدم إلى مصلحة التنظيم والشؤون العامة لولاية إقامة الزوج الجزائري لطلب هذا التصريح الذي يمنحه الوالي. إذ تشترط الإدارة ملفا فيه بعض وثائق الحالة المدنية للزوجين من أجل تسهيل عمل الجهات الأمنية في التحري عنهما. “هذه الإجراءات لا بد منها لتفادي المشاكل الناجمة عن الزواج الأبيض والرمادي مثل ما هو الحال في الدول الأوروبية وكلها طرق احتيالية بنية الحصول على الإقامة أو الجنسية أو بنية الضرر بالبلاد“، يشرح الأستاذ زهير بلعدسي، وهو محامي بمجلس قضاء الجزائر.

يجدر القول هنا أن هذا التصريح ليس له أي أساس قانوني و تستند الإدارة لفرضه على نص تنظيمي يمكن إسقاط أحكامه برفع دعوة قضائية أمام المحكمة الإدارية المختصة. و لو أن هذا التصريح المسبق قضية ثانوية إذ يمنح بطريقة شبه أوتوماتيكية و نادرا ما يرفض الطلب. و ما يجب معرفته قبل الإقدام على الزواج مع أجنبي أو أجنبية هو الآثار القانونية التي تترتب عن هذا الزواج. و أن يعرف الزوج ما له من حقوق و ما عليه من واجبات. سهيلة امرأة جزائرية (غيرنا اسمها نزولا عند طلبها) تزوجت من فرنسي بالجزائر قبل أن تنتقل للعيش بفرنسا. وهي تواجه اليوم مشاكل كبيرة بعد طلاقها.

استعان زوجي الفرنسي بالقضاء الجزائري لكي يدفع نفقة أقل بكثير من التي عليه أن يدفعها حسب أحكام القضاء الفرنسي“، تصرح سهيلة مضيفة أن النزاع لا يزال قائما وأنها تنوي مواصلة الدفاع عن مصالحها و مصالح أولادها الأربعة أمام المحاكم من أجل الحصول على ما تظنه حق لها و لهم. و عن سبب طلاقها كشفت سهيلة أن هذا كان بسبب خيانته لها وهو سبب شخصي خارج عن نطاق الازدواج الثقافي تنجم عنه حالات طلاق كثيرة سواء كان الزواج مختلطا أم أحادي الجنسية. ويقول الأستاذ بلعدسي في هذا الصدد:” يعتمد نجاح الزواج والحل السلمي في حالة عدم التوافق لمصلحة الأطفال على نسبة الوعي والنضوج لدى الزوجين، سواء كان الزواج عاديا أو مزدوج الجنسية“.

قانون الدم…

في كل الأحوال، يخضع الزواج المختلط لقوانين الدولة التي يقيم فيها الزوجين إن كان الأمر يتعلق بالوصاية الأبوية والحضانة أو الذمة المالية للزوجين. تؤكد اتفاقية لاهاي لسنة 1961 والمتعلقة بحماية الطفل أن القانون المطبق في النزاعات المتعلقة بالحضانة هي قوانين الدولة التي كان يقطن فيها الزوجان قبل الطلاق. و وفقا لاتفاقية لاهاي  لعام 1978 يحدد نظام الملكية الزوجية في إطار الزواج المختلط كذلك القانون الساري في الدولة التي كان يقطن فيها الزوجان قبل الطلاق. لكن ينبه الأستاذ بلعدسي إلى إشكالية تنازع القوانين بين الدول وضعف مستوى الاجتهاد القضائي بالجزائر: “في الأصل، يخضع الزواج المختلط إلى أحكام القانون الدولي الخاص و تباين النصوص القانونية من بلد لآخر يصعب على القضاء المعروض عليه النزاع إيجاد حلول توافقية لكل من الزوجين، لان كل دولة تسعى إلى حماية مواطنيها ورعاية حقوق الأطفال باعتبارها جزءا من سيادتها“. و يصبح الحكم بين طرفي النزاع أكثر تعقيدا، يسترسل ذات الأستاذ شارحا، خاصة في حال الاختلافات الدينية والاجتماعية بين الدولتين.

الزواج في الجزائر، يضيف الأستاذ مالك زينية و هو شريك الأستاذ بلعدسي في مكتب المحاماة و كان لهما أن تأسسا في عديد النزاعات الناجمة عن الزواج المختلط، مسألة دينية لأن القوانين التي تحكمه مستوحاة من الشريعة الإسلامية. و بالرغم من منع الزواج الديني قبل الزواج المدني عام 2007 -يفترض أن يطلب الإمام عقد الزواج قبل قراءة الفاتحة وإتمام الزواج حسب التعاليم الدينية-، إلا أن الزواج المدني يتم وفقا لهذه التعاليم الدينية. ففي حالة الزواج المختلط بين امرأة جزائرية وأجنبي لا يكون الزواج مدنيا لو لم يتحقق الشرط الديني وهو أن يثبت الزوج الأجنبي إسلامه. و يعتبر هذا الزواج باطلا إذا لم يقدم الزوج الأجنبي وثيقة تثبت اعتناقه للإسلام (تقدم هذه الوثيقة من طرف المساجد المعتمدة من طرف الدولة). عكس الرجل الذي لا توجد أية شروط تقيده و يجوز له دينيا أن يتزوج بالأجنبية أيا كانت ديانتها و مدنيا أن يكون له عديد الزوجات. ولا يكفل القانون الجزائري حقوق المرأة في الزواج إذا لم يكن مسجلا في السجل المدني فالزواج الديني هو بمثابة تعايش وتساكن بين الرجل والمرأة لا يحمي حقوق هذه الأخيرة في حالة فشله.

باختصار، يخلو الزواج في الجزائر من شروط العرق والجنسية والدين إلا عندما يتعلق الأمر بالمرأة. ” لم تتحصل المرأة الجزائرية المتزوجة من اجنبي على حق نقل جنسيتها الجزائرية إلى أبنائها إلا في عام 2008 إثر التعديل الأخير لقانون الجنسية. و هذا بالرغم من تطبيق ما يعرف بقانون الدم منذ وجود الجنسية الجزائرية(عكس ما هو معمول به في بلدان أخرى تطبق حق مسقط الراس)“، يشيرالأستاذ مالك زينية.

الوصاية الأبوية، الحضانة و الذمة المالية

يحرص النظام الجزائري حسب الأستاذين بلعدسي و زينية، على استقلال الذمة المالية بين الزوجين. في حالة الطلاق يسترجع كل زوج المتاع الخاص به ولا تعتبر الممتلكات المقتناة بعد الزواج ممتلكات مشتركة بين الزوجين. عكس ما يحدث في فرنسا على سبيل المثال أين تكون الممتلكات مشتركة بين الزوجين على أساس مبدأ المناصفة يقوم القضاء بتقسيمها مناصفة بين الزوجين في حالة الطلاق، وهذا حتى وإن شارك في تمويلها طرف واحد، فكل ما امتلكه الزوجان بعد الزواج هو ملك للمؤسسة الزوجية. أما فيما يتعلق بالوصاية الأبوية فتعود للأب بصفته الولي الشرعي للأبناء إذا كان الزوجان مقيمان بالجزائر. ولا يمكن للزوجة الأجنبية المقيمة بالجزائر مغادرة التراب الجزائري مع أولادها دون تصريح أبوي كتابي يسمح بسفر البناء. عكس ما هو معمول به في فرنسا مثلا أين تكون الوصاية مشتركة بين الزوجين. أخيرا وليس آخرا، مسألة الحضانة التي تأخذ أحيانا أبعادا سياسية تخضع لعلاقات “قوة” بين الدولتين اللتين ينتمي إليهما الطفل، يضيف الأستاذ زينية، فتتدخل فيها سفارات الدول حماية لرعاياها، فتستبدل في بعض الأحيان الاجتهادات القضائية بحلول دبلوماسية. يفصل عادة القاضي المختص في الشؤون العائلية باختيار الشخص الأجدر لرعاية المحضون وتعطى الأولوية لمصلحة الطفل و تتدخل السلطات السياسية إن رأت أن هذه المصلحة في خطر.