عندما يترك الواحد بلده هاربا من نيران حرب أهلية، يبقى قلبه معلقا ببلاده التي غادرها رغما عنه، لكنه بالتأكيد يبقي نظره على البلد الجديد الذي اختاره – أو دفعته إليه الظروف- ليبدأ محاولة اقامة حياة جديدة، يبحث عن عمل، وبالتأكيد سكن مناسب، ويحاول أيضا تكوين أسرة في محل إقامته الجديد. فعندما يترك الإنسان بلده -المحترق بنيران حرب أهلية- وهو في منتصف ثلاثيناته مثلا عادة يصبح أمل الرجوع إلى تلك البلاد ضعيفا، بينما أمل إقامة حياة جديدة في المكان الجديد هو الهدف.

نتعرف هنا على قصتين للاجيء ولاجئة سوريين، دفعتهم ظروف المأساة السورية إلى الهرب، والمجيء إلى مصر، ويحاولان –كلا بطريقته- إقامة حياة أسرية جديدة، فالزواج هنا هو محاولة لتغيير صفة اللاجيء المؤقت، وامتلاك جذور جديدة في أرض جديدة.

الوصول

“وصلت إلى مصر منذ 4 أعوام هرباً من الحرب”.. هكذا بدأ حسين السوري الجنسية، والبالغ من العمر ثلاثون عاماً حديثه معنا، بنبرة حزن وأمل في أن واحد يقول حسين انه يشعر أن وجهه تغير  مثلما تغيرت لهجته السورية، وتابع: “وصلت بمفردي وظلت أسرتي عالقة بتركيا لم يستطعوا المجئ الى مصر  لأنهم لم يستطيعوا الحصول على تأشيرة دخول، جئت الى هنا لأبحث عن مسكن وعمل و حبيبة وزوجة  في أن واحد ،ولم أملك سوى جواز سفر وتأشيرة الدخول.

أقمت في الفترة الأولى بمدينة الرحاب، أستأجرت شقة وعملت في محل كوافير ، بدأت أبحث عن طرق الحصول على أقامة بمعاناة شديدة  ، كانت هناك أكثر من طريقة قانونية  للحصول على إقامة لمدة 6 شهور ويتم تجديدها كل 6 أشهر ، إما إن يكون هناك عقد إيجار شقة، أو عقد عمل، أو عبر الزواج من مصرية، ولكنى حصلت على الإقامة -لمدة 6 أشهر-  بعقد الشقة المؤجرة والموثق بالشهر العقاري، والمسجل بمكتب الاجانب بمجمع التحرير.

بعدها تركت شقة الرحاب، والعمل هناك، وذهبت للعمل بمحل كوافير شهير  بالتجمع الخامس، وقمت بتأجير شقة هناك، وفي عملي الجديد تعرفت على من ستصبح فيما بعد زوجتى المصرية والتى من خلالها شعرت بالأمل يعود الى حياتي، كانت تعمل في قسم السيدات بذات المحل، ونشأت بيننا قصة حب لمدة عام تقريبا…

وتزوجنا منذ ثمانية أشهر.

***

قالت نزيفة عمار:”جئت إلى مصر عبر السودان ولم يكن معي أي أوراق أو أموال” وتابعت: “هربت من الحرب وكان هدفي محاولة إقامة حياة أسرية هادئة بمصر”، نزيفة وصلت إلى مصر بصحبة عدد من السوريات، وكما روت لنا فقدأقاموا في مدينة العاشر من رمضان .. و”قمنا بتكوين رابطة سوريات، وهدفها كان زواج السوريات”، تحت شعار “استر أختك السورية”.

أرقام

يوسف المطعني المحامي المتخصص في الأحوال الشخصية للسوريين أخبرنا أن هناك”120 ألف حالة زواج رسمي بين سوري ومصرية وسورية ومصري في أخر عامين بالأضافة إلى و280 الف حالة زواج عرفي”، وأكد لنا أنه خلال الثلاثة أعوام الأخيرة تزايدت نسبة زواج السوريين/ات من مصريين/ات مع تراجع الأمل في العودة لسوريا.

طلب زواج

يتذكر حسين: “عندما ذهبت الى أسرتها لطلب الزواج والخوف كان يسيطر عليى هذا الموقف ، وتمنيت حينها أن أكون مصري وليس سوري حتى أصحب أسرتي معي، وحينها كان شعوري صحيح فكان الرفض ما واجهني في البداية، وهو ما ولد لدي شعورا بأنى مهما عملت وتزوجت سأظل غريبا بمصر.

رفض أسرة  زوجتى كان بسبب أنى “غريب” و”أجنبي”  وليس لدي أسرة ولا أقارب ولم يعرفون أحد يلجئون اليه في حال خلافي مع أبنتهم، ولكن أصرار  زوجتى أجبر أسرتها على الموافقة، كانت أولى طلباتهم شقة تمليك بالمعادي بالقرب من منزلهم، ولكنى خضت معهم جولة مفاوضات حول عدم امتلاكي للأموال كافية لشراء شقة تمليك يتجاوز سعرها 300 الف جنيهاً، حتى وافقوا على إقامتنا بشقة إيجار مقابل كتابة مؤخر كبير، في البداية لم أكن أعلم ما هو المؤخر والمقدم؟ ولكنى علمت أن المؤخر هو الأمان بالنسبة للزوجة المصرية وأهلها،  فقمت بكتابة مقدم جنيه واحد، ومؤخر قيمته 250 الف جنيها. يقول حسين ضاحكا: أحسست أن أهل زوجتى تمسكوا بالعادات المصرية والعادات السورية في وقت واحد، بمعنى أنى قمت في البداية بتأجير شقة بالمعادي بمبلغ 3000 جنيهاً شهرياً وقمت بتجهيز الشقة من أثاث وادوات مطبخ وملابس لزوجتى على طريقة العادات السورية.

ففي سوريا، يقول حسين، تأتي العروس بحقيبة ملابسها الجديدة التي تبتاعها عقب حصولها على مهرها، في حالتي كانت قيمة المهر/ المقدم جنيه مصري واحد، ولكني فعليا قمت بدفع 10 ألاف دولار لزوجتي حتى تقوم بشراء جهازها، كما يقول المصريين عن ملابس واحتياجات العروس.

***

نزيفة تزوجت بالفعل من رجل مصري،  وزواجها لم يكلف أكثر من 500 جنيهاً بسبب أنها تحتاج الأقامة فوافقت بأى شئ ولكن زوجها خاب توقعها كما قالت: “فقد تزوجت على “الطريقة السورية”، فزوجي جلب الشقة، وقام بتجهيز ها من أثاث وأدوات مطبخ وخلافه، والمبلغ الذي حصلت عليه كان لشراء الملابس وهذا نطلق عليه في سوريا “بدل ملبوس”.

تتابع نزيفة: “في سوريا ليس لدينا مؤخر الصداق، ولا نكتب عند الزواج قائمة بالمنقولات كما يحدث في الزيجات المصرية، عادة يحضر الزوج بيت الزوجية بكافة مشتملاته، والمهر الذي يدفع للزوجة هو ما نسميه “بدل ملبوس” وهو ما يخصص عادة لشراء الملابس الجديدة للزوجة، لذا ربما يفضل المصريين الاقتران بسورية لانخفاض تكاليف الزواج معها”.

نزيفة تزوجت بعقد زواج عرفي منذ عامين، وبعدها  قامت بتوثيقه عبر المحكمة.. ” لدينا الآن ولد وبنت، وقد حصلوا على الجنسية المصرية بالفعل وأنا مازلت انتظر حصولي عليها” ..

بيروقراطية

عندما بدأ حسين في اجراءات الزواج  -التي يسميها الأن “إجراءات العذاب”- ذهب في البداية إلى السفارة السورية للحصول على موافقة الزواج، ثم إلى مجمع التحرير للحصول على الموافقة الأمنية، ثم مكتب زواج الأجانب بوزارة العدل، وبعد ذلك قام بتوثيق العقود بوزارة الخارجية حتى يصبح عقد الزواج ساري بمصر  وسوريا .

طرق متعددة للوصول

يروي لنا المطعنى أن هناك أكثر من طريقة لاتمام الزواج بسوري/ة  الطريق الأول وهو الزواج عن طريق مكتب زواج الأجانب بوزارة العدل، وهذه هي الطريقة القانونية، وتتطلب أن يتوافر مع السوري/ة  قيد عائلي مستخرج من سوريا وبالإضافة إلى شهادة ميلاد، أو  قيد مدني فردي اذا كان/ت لم يسبق له الزواج من قبل، أو شهادة تفيد فقدان الزوج، أو شهادة تفيد الطلاق، ثم الحصول على شهادة زواج من قبل وزارة الصحة، ولكن هذه الطريقة شديدة الصعوبة في ظل عدم توافر كافة هذه الأوراق مع السوريين/ات المقيميين في مصر، وأيضا صعوبة استخراجها في الوقت الحالي من سوريا. لذا يلجأ الكثير إلى الزواج عن طريق عقد عرفي ثم توثيقه بعد ذلك عبر المحاكم المصرية.

وعقد الزواج العرفي يقوم بكتابته أحد المشايخ السوريين  بمصر، وحينها تقوم الزوجة السورية برفع قضية على زوجها لإثبات العلاقة الشرعية، استنادا إلى قانون الأحوال الشخصية المصرية الذي يتيح تحويل عقد الزواج العرفي إلى عقد زواج “طبيعي” في حال رفع أحد طرفي العلاقة قضية لإثبات العلاقة وفي حال عدم انكار الطرف الثاني يتم تحويل العقد العرفي إلى عقد شرعي بما يترتب عليه من كافة الالتزامات الرسمية، ونفس الإجراءات تطبق إذا تزوجت مصرية من سوري.

يتابع المطعني: هناك طريقة أخرى وهي أن يقوم سوري مقيم بالخارج بعمل توكيل لمصري، يقوم هو باتمام إجراءات الزواج هنا في مصر وبعدها يأتى السوري أو السورية إلى مصر، للحصول على الإقامة، وفي المقابل يحصل المصري أو المصرية على مقابل مادي ويتم الطلاق عقب ذلك.

حياة زوجية

تقول نزيفة:  زوجي أعاد لي الأمان من جديد، وأستطاع نزع الخوف من داخلى، فالاحترام والحب والأستقرار بات عنوان حياتنا “دائما ما يتحدث عني زوجي بشكل جيد أمام الجميع..فهو يقول أني بقيمة أربع سيدات.. ووقتي بالكامل مكرس لأسرتي ومنزلي، فلا أعمل في الخارج.. يقولون أن المرأة السورية تخاف الطلاق، لأنها لا تحصل على أي شيء ساعتها لذا فهي تقدس الحياة الزوجية..ولكن بعيدا عما يقولون أحب زوجي وأسرتي، ولا أتمنى الانفصال عنهم..فهم عائلتي الأن”

***

عقب زواج حسين تنازلت زوجته عن عملها بالمحل، فكما يقول: “عاداتنا وتقاليدنا السورية تفضل إلا تعمل المرأة”، وبات يمدح في حب عمره كما يصفها دائماً.. “فهي مصدر الحنان في حياتي ولابد وأن أعترف أنها أستطاعت أن تمحو بعض الذكريات الأليمة، وأحاول أقناع نفسي بأن مصر بلدي وبلد حبيبتي وأبنائي بالمستقبل”..

وقال: “أعترض العديد بل الكثير من أصدقائي على زواجي من فتاة مصرية، فالجميع كانوا يسخرون بي عندما علموا بأنى سوف أتزوج مصرية  ، فدائما كانوا يفضلون أن أقوم بالزواج من سورية، لكن الحب جعلني أتنازل عن العادات والتقاليد مقابل الأقامة مع زوجتي”.

***

بالنسبة للمواليد قال المطعني أن المولود لأب أو أم مصرية يحصل على الجنسية المصرية منذ ولادته -حتى اذا كان العقد عرفي في ظل اعتراف الأب بالبنوة-  بقانون حكم الدم، أما السورية تحصل على الجنسية المصرية عقب مرور سنتين من زوجها وكذا السوري ايضاً .

أما عن نسبة الطلاق بين السوريين/ات والمصريين/ات فهي لا تتجاوز نسبة ال 3% بحسب المطعني.

هل ستزول الغربة؟

والأن ينتظر  حسين استقبال طفل.. “اعتبره علامة الحب بينناـ وقد علمتني زوجتي العامية المصرية،بينما مازالت العامية السورية صعبة عليها، ولكني على الرغم من ذلك ما زالت أشعر بالغربة أحيانا في مصر “.

***

تقول نزيفة التي ترتدي قلادة مكتوب عليها “سوريا الحبيبة”: “يراعي زوجي مشاعري، هو هدية الله كما أحدث نفسي دوماً، فهو يخشى إن يدعو كامل عائلته إلى بيتنا حتى لا يذكرني ذلك بأهلي.. لكن أطفالي هم أهلي الأن..على الرغم من إحساسي أحيانا بالغربة من نظرة الناس لي كأجنبية، وما يزيد من هذا الإحساس هو فقداني أي أمل للعودة إلى سوريا “.

 

تصوير: سيد داود