تبين إحصائيات سكان الجزائر العام 2016 تزايدا في عدد الوفيات وحالات الطلاق، بينما تشير إلى انخفاض غير مألوف في عدد الزيجات مقارنة مع سنة 2014. وحسب الأرقام التي نشرها موقع الديوان الوطني للإحصائيات، تراجع عدد الزيجات بحوالي 12 ألف زيجة. وهذا لأول مرة منذ أكثر من عشرية. ومما هو غير مألوف أيضا، هناك جنسيات جديدة يتزوج منها الجزائريون. ولو أن هذه الإحصائيات غير مفصلة، يمثل الصينيون والأتراك، حسب مصدر مُلمّ بالموضوع، أهم الجنسيات الجديدة.

نورة امرأة في الأربعينيات من عمرها، تقطن حي “باب الواد” الشعبي بالجزائر العاصمة، التقينا بها بميناء “سيدي فرج” في فسحة مع زوجها التركي وطفليهما الصغيرين وصديق لزوجها هو أيضا تركي الجنسية. أعربت لنا عن سعادتها بهذا الزواج قائلة بأنها قد حققت بذلك رغبتها بالزواج وأنها سعيدة مع هذا الرجل. نورة ليست الجزائرية الوحيدة التي أقدمت على الزواج من تركي. و لم يُخف صديق زوجها الذي يملك مطعما تركيا بالجزائر العاصمة رغبته في إيجاد زوجة جزائرية.

قادنا البحث عن جنسيات أخرى جديدة غير الأوروبية التي اعتدنا عليها الى التعرف بأربعينية من مدغشقر متزوجة منذ عشر سنوات من جزائري ينحدر من منطقة القبائل الكبرى (سنغير اسميهما نزولا عند رغبتهما). تتكلم هذه الأخيرة وسنطلق عليها اسم “جيجي” اللغة القبائلية بطلاقة. تعرفت “جيجي” على زوجها رشيد من خلال أصدقاء مشتركين و عشقت بلدها الثاني الجزائر حتّى تعلمت لغة زوجها القبائلية بالرغم من عدم تدريسها في المدارس للكبار، عن طريق زوجها و أصدقائهما. و أحبّ رشيد، على حد قوله، القيم العائلية والتضامن الاجتماعي بين الأفراد في مدغشقر وأيضا التدبير و طريقتهم في إيجاد حلول رغم قلة إمكانياتهم. “الناس هناك أقل عصبية و منفتحون على العالم رغم الفقر“، يضيف رشيد. لم ينجب رشيد و “جيجي” أطفالا لكن، يقولان على لسان واحد، يعيشان بكل توافق و حب.

من ورشات البناء الى المسلسلات التلفزيونية

حفز هذا التنوع في الجنسيات التي تشكل الزواج المختلط قدوم آلاف العمال الأجانب في إطار مشاريع البناء الضخمة التي شرعت في انجازها الجزائر مع بداية سنوات 2000. فقد تعوّد الجزائريون بسرعة على تلك الملامح الآسيوية بعد أن كان لا يراها من قبل إلا في الأفلام. و إذا كان تقبُّلهم من طرف الجزائريين صعبا في البداية، بدأت هذه النظرة تدريجيا بالتّغير ولم نعد نسمع عن حوادث ناجمة عن هذا الرفض وصار امر زواجهم من الجزائريين عاديا. و ما الجدل الذي أثارته مزحة رئيس منتدى رجال الأعمال، علي حداد، في اجتماع جمع ممثلين عن ارباب العمل للبلدين العام 2015 بالصين، إلا تعبيرا عن هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة.

إذ أن الصين تشهد انخفاضا في عدد الإناث مقارنة بعدد الذكور بسبب سياسة الطفل الواحد مما سبب صعوبات للرجال في إيجاد زوجات من الصينيات، عمد الكثير من العمال الصينيين إلى البحث عن زوجات جزائريات و هذا منذ بدايات قدومهم. واعتنق الكثير منهم الإسلام من أجل تخطي عقبة قانون الأسرة الجزائري الذي يمنع زواج المسلمات من غير المسلمين. قال علي حداد من باب المزح والضيافة “تعالوا إلى الجزائر ففيها الكثير من النساء” ولم يسلم من تأويلات مناهضيه الّذين رأوا في ذلك تقليلا من شأن المرأة الجزائرية وقلة احترام لها وانحراف كبير في   الخطاب السياسي فلقبه البعض بـ”علي حداد وكالة زواج“. وبالرجوع إلى سياق هذا الخطاب، لا تعدو المزحة أن تكون سوى إلا تعبيرا عن الارتفاع الملحوظ في عدد الزيجات الصينية الجزائرية.

لكن ارتفاع عدد الزيجات الجزائرية الصينية لا يعني أنها الجزء الأكبر من الزيجات المختلطة. فزواج الجزائريات من الأتراك اكثر بكثير من الصينيين. ساعد على هذا عدة عوامل مثل الدين المشترك. و إذ تجدر الإشارة إلى أن اختلاط الجزائريين بالأتراك يعود الى الوجود العثماني في البلد على مدى ثلاثة قرون (1514-1830)، أصبحت الحياة التركية اليوم حلما بالنسبة للعديد من الجزائريات تفاقم في عقول المشاهدات بفعل رواج المسلسلات التلفزيونية و الأفلام السينمائية التركية التي تُسوّق للتركي كرجل شهم بمواصفات عارض للأزياء، انتاج سينمائي و تلفزيوني ضخم مدبلج إلى العربية من أجل المشاهدين في  المشرق و شمال إفريقيا. فالالتقاء بالتركي في الجزائر اليوم كالالتقاء ببطل من المسلسلات التركية لدى الكثير من البنات الجزائريات على حد تعبير إحداهن.

من أواصر المحبة الجزائرية الفرنسية….

في كل الأحوال، يبقى زواج الجزائريين من فرنسيات و زواج الفرنسيين من جزائريات يشكل أكبر نسبة من الزواج المختلط لاعتبارات تاريخية ترتبت عنها هجرات جماعية للجزائريين نحو فرنسا. إذ يشارك المغتربون في تفعيل الزواج المختلط والاختلاط الثقافي بين البلدين بقوة حسب الدراسة التي أنجزها المعهد الفرنسي القومي للإحصائيات والدراسات الاقتصادية (“انسي”) و بنسبة تفوق كل جنسيات شمال إفريقيا الأخرى وهذا منذ سنة 1977 الى سنة 2015. و حتى وإن كانت أعداد هذه الزيجات مرتفعة في بعض الفترات ومنخفضة في فترات أخرى تبقي بياناتها عالية بالمقارنة مع الجنسيات الأخرى. يحتل الزواج المختلط في فرنسا 15 بالمائة من مجموع الزيجات في فرنسا. 37 بالمائة من الزيجات المختلطة الفرنسية تجمع فرنسيين بسكان شمال إفريقيا، 22 بالمائة مع أوروبيين و 14 بالمائة مع سكان جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى. يحتل الجزائريون أكبر نسبة زواج الفرنسيين بالإفريقيين بصفة عامة يحتلها الجزائريون ولا يأتي قبلهم سوى الإسبان والإيطاليون. أكبر حتى من البرتغاليين الذين تقلّ نسبة اختلاطهم بالفرنسيين مقارنة مع الجزائريين و لو بشكل ضئيل. و إن كانت المغتربات الجزائريات في فرنسا أقل اختلاطا بالفرنسيين مقارنة بالرجال و هذا لأسباب دينية محضة. يجدر القول ان هذا العائق لا يثني الأحباء الثنائي المشهور المتكون من المجاهدة جميلة بوحيرد، إحدى أبرز المناضلات الجزائريات في تاريخ الثورة الجزائرية ومحاميها جاك فيرجيس الذي دافع عنها أمام القضاء الفرنسي في الجزائر آنذاك وكان من أسباب نجاتها من حكم الإعدام قبل أن  يصبح زوجها فيما بعد، أكبر دليل على ذلك. فقط يجب القول في هذا السياق أن القضاء الفرنسي يعتبر في بعض الأحيان زواج الفرنسيين بمزدوجي الجنسية مختلطا، وهذا بالرجوع الى نظام الذمة المالية المعتمد في عقد الزواج محل النزاع وهو ما يجعل الإحصائيات غير دقيقة. ففي النهاية هي علاقات إنسانية معقدة و متشابكة يصعب وضع آليات حساب لتحديدها بدقة.