تقع مدينة قربص المطلقة على البحر المتوسط في محافظة نابل شمال تونس وتمثل ملجأ لآلاف التونسيين والأجانب على مدار السنة للاستمتاع ببحرها الساحر وعيونها الساخنة التي تنتشر في جميع أرجائها.

وبفضل ما تتميز به من جمال طبيعي ومقومات للعلاج بمياه البحر والمياه الساخنة أصبحت هذه المدينة قبلة مفضلة للمرضى بالربو، والالتهابات العظمية، والروماتيزم، والأمراض الجلدية وغيرها.

من بين التونسيين الأوفياء لهذه الوجهة عمر الفرادي الذي تعود منذ سنوات على المجيء للعلاج بالمحطة الاستشفائية الأكثر شهرة في مدينة قربص أين كانت رائحة البخار والأعشاب الطبيعية تعم المكان.

وجهة مفضلة

يقدم موظف الاستقبال لزائره مختلف العروض التي توفرها المحطة الاستشفائية ليحدد حاجياته لكن عمر لا يتردد كثيرا في الاختيار فقد تعود على زيارة المكان من قبل منذ سنوات للاستجمام والاستشفاء.

اختار عمر “حمام الدش البخاخ” مع طلاء لكامل الجسد بالطحالب آملا في استعادة نشاطه الذي تقلص بسبب أمراض في الظهر يعاني منها.

ويقول “لقد أعيتني آلام الظهر والمفاصل فنصحني بعض الأطباء بالذهاب إلى حمامات قربص لعلني أجد هنالك ما عجزت العقاقير عن صنعه”.

وفي الواقع لم يكن عمر بحاجة إلى هذه النصيحة فمنذ صغره كان يتردد على مدينة قربص مع عائلته التي تعودت على استئجار بيت صغير تقضي فيه بضعة أسابيع للاستجمام والتمتع بهدوء المكان وجماله.

وبفضل الراحة التي بات يشعر بها أصبح عمر لا يتوانى في الذهاب إلى مدينة قربص للاسترخاء بحمام الماء الساخن وحصص التدليك والدش بالبخاخ (زخات رقيقة جدا من ماء البحر على جسم ممدد مع تدليك خفيف).

عيون قربص

وتعتبر المحطة الاستشفائية بقربص محطة فريدة من نوعها في العالم بحسب ما يؤكده رزيق الوسلاتي المدير العام للديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه لمراسلون إذ تجمع المحطة بين الاستشفاء بمياه البحر والاستشفاء بالمياه المعدنية الساخنة.

وتحتوي مدينة قربص على الكثير من العيون المائية الساخنة كما تتوفر بها محطات للاستشفاء بالمياه المعدنية بعضها تقليدي وتسمى “العراقة” وبعضها الآخر عصري مجهز بأحدث التجهيزات والخدمات.

ومن أشهر عيون قربص الساخنة توجد “عين أقطر” و”عين العتروس”. وتصب هذه العيون التي تتجاوز حرارتها 70 درجة في عرض البحر.

وتعرض بعض المحلات التجارية بالجهة قوارير مياه معبأة من هذه العيون إضافة إلى أنواع مختلفة من الأوحال الطبيعية المشتهرة بفوائدها العديدة للجسم.

لكن لا يخلو بلوغ مدينة قربص من المشقة فالوصول إلى قلب تلك المدينة المرصفة أزقتها بحجارة ملساء قد يتحول إلى معاناة بسبب الطبيعة الجبلية للمنطقة وكذلك بسبب البنية التحتية المتآكلة وعدم توفر أكثر من منفذ لبلوغ وسط المدينة.

ورغم هذه المشقة لا تكاد قربص وحماماتها تخلو من الزائرين الذين لا يفوتون الفرصة ليعرجوا على شاطئ المنطقة المتصاعد منه بخار المياه الساخنة ثم يشدون رحالهم نحو أحد الحمامات لقضاء ساعات من المتعة لا يشعرون فيها بمضي الوقت.

وجهة عالمية

ونجحت تونس بفضل العيون والمنابع التي تجري من شمالها إلى جنوبها في أن تصبح وجهة سياحية عالمية في مجال الاستشفاء بالمياه الساخنة.

وتعتبر اليوم تونس الوجهة الثانية عالميا من حيث عدد ومستوى الخدمات التي تقدمها المحطات العلاجية ومراكز الاستشفاء بمياه البحر كما يؤكد المدير العام للديوان الوطني للمياه المعدنية والاستشفاء بالمياه رزيق الوسلاتي.

وتتمتع تونس بمخزون مياه معدنية هام في شكل عيون وينابيع وحفريات يتجاوز عددها 100 نبع منها 30 مياهها باردة درجة حرارتها أقل من 25 درجة و65 نبعا للمياه الساخنة تصل درجة الحرارة فيها إلى أكثر من 45 درجة ويجري استغلال 50 منها كمحطات استشفاء وحمامات شعبية.

وبفضل تطور التجهيزات المستعملة في محطات الاستشفاء بالمياه الجوفية الساخنة يقصد الالاف من السياح مختلف المحطات المنتشرة في تونس.

التداوي بالمياه

ومن أبرز طرق التداوي التغليف الكلي أو الجزئي بالطحالب البحرية أو الزيوت المستخرجة من الأعشاب أو الأوحال المعدنية إضافة إلى العلاج بالاستنشاق وبالضغط الهوائي وحمامات الأنف والفم والأرجل. ويشرف على مختلف هذه الخدمات أطبّاء وفنيون مختصون في المجال.

وقد يقضي بعض الزوار بناء على نصيحة الطبيب عدة أسابيع بإحدى محطات العلاج خاصة في فترة الشتاء الفصل الذي تنتشر فيه أمراض الروماتيزم وضيق التنفس بكثرة مثل ما هو حال المواطن سالم بن عبد الله.

يعاني هذا الرجل من مشاكل في التنفس ومن حساسية مزمنة وقد جرب كل أنواع العقاقير وقصد أكثر من طبيب لكن حالته لم تتحسن فنصحه طبيبه بأن يكثر من زيارة المحطات الاستشفائية بالمياه الساخنة.

لم يكن في البداية مقتنعا بجدوى ذلك، لكنه ومنذ أول زيارة للمحطة الاستشفائية بحمام بورقيبة (شمال غرب تونس) شعر بتحسن كبير ومنذ ذلك الوقت بات حريفا وفيا لهذه المحطات، بحسب تعبيره.

ويقول لمراسلون إنه زار أغلب محطات العلاج من شمال البلاد إلى جنوبها لأن العلاج لم يعد وحده غايته فقد أصبح الأمر يتعلق بمتعة شخصية فالساعات القليلة التي يقضيها داخل غرف التدليك والحمامات تشعره بالسعادة وتزيل عنه التوتر والإرهاق، كما يقول.

إرث قديم

ويعود استعمال المياه المعدنية في تونس إلى أكثر من ألفي سنة أي منذ عهد الرومانيين الذين اختاروا أن يبنوا مدنهم حول منابع المياه المعدنية الباردة والساخنة.

وهناك أربع محطات استشفائية كبيرة في تونس تستغل 50 مركز للعلاج بالمياه الطبيعية و30 حماما تقليديا وأكثر من 50 مركزا للعلاج بمياه البحر و50 مركزا للنقاهة ولكل محطة استشفائية اختصاصاتها العلاجية المستمدة من تركيبة مياهها.

ومن أشهر المحطات الاستشفائية محطة حمام بورقيبة بالشمال الغربي ويوجد بها مسبح من الماء المعدني وغرف للتدليك ومحطتي الزريبة وقربص (الوطن القبلي بالشمال) وحمامات الحامة (جنوب تونس).