مصر تعاني من عجز مائي يصل إلى 21.5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا” هكذا تحدث الرئيس السيسي في قمة دول حوض النيل الشهر الماضي، وهذا العجز قبل أن تعلن إثيوبيا بدء تخزين مياه النيل لتشغيل سد النهضة بداية شهر يوليو 2017، فهل يمكن أن تعتمد مصر على تحلية مياه البحر لإضافة موارد مياه أخرى لتعويض نقص مياه النيل التي سوف تتناقص بسبب بناء السدود في الجنوب؟

***

تعتمد السعودية على تحلية مياه البحر لسد 70% من احتياجات المواطنين للمياه، بإنتاج بلغ أكثر من مليار متر مكعب من المياه سنويًا وهي الأولى عالميًا في إنتاج المياه المحلاة من البحر، فيما تعتمد قطر والكويت في سد احتياجاتها من المياه بنسبة 100% على مياه البحر.

وأكدت الجمعية الدولية لتحلية المياه (IDA) أن بعض البلدان تعتمد على تقنيات تحلية المياه لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في السعودية والإمارات والكويت.

وأشارت الجمعية في تقريرها السنوي عام 2013 إلى أن أكثر من 75 مليون شخص حول العالم يحصلون على المياه العذبة من تحلية مياه البحر أو تحلية مياه الآبار المالحة.

 

“جراكن” الشرب

ينتظر محمد حمدان السكرتير السابق لمدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر مياه النيل القادمة من محافظة قنا مرة كل أسبوع ليخزن منها احتياجات أسرته.

ورغم أن المحافظة التي تمتد على ساحل البحر الأحمر يعمل بها 13 محطة تحلية مياه إلا أن أغلب السكان البالغ عددهم 400 ألف نسمة تقريبا يرفضون الشرب من المياه المحلاة وينتظرون مياه النيل القادمة عبر خطين هما الكريمات بطاقة 80 ألف متر مكعب يوميًا وقنا بطاقة 14 ألف متر مكعب يوميًا.

يقول حمدان: “أخزن مياه النيل في “جراكن” للشرب، ولن أثق في المياه المحلاة إلا بعد أن أتأكد من درجة نقاءها” مضيفًا أن عدد كبير من أهالي القصير يرفضون الشرب من مياه التحلية لعدم ثقتهم في نقائها ونسبة الملوحة بها، ورغم أن معظم الأهالي يستخدمون الفلاتر لتنقية المياه إلا أنهم يستخدمون المياه في الطبخ والاستحمام وينتظرونها مرة كل أسبوع لتخزينها.

وحتى الآن لا توجد خطوط مياه مباشرة إلى المنازل أو المنشآت بمحافظة البحر الأحمر، ويتم الاعتماد كلية على تخزين المياه في خزانات أعلى أسطح العمارات ويتم تعبئتها مرتين أو 3 مرات أسبوعيًا حسب الجدول الموضوع لكل مدينة وحي بالمحافظة.

ولا تصل خطوط مياه النيل إلى كل مدن المحافظة، فما زالت مدن مرسى علم، وحلايب، وشلاتين، تصل حصتهم من المياه عبر سيارات نقل المياه.

***

تقول عبير حسين مدير العلاقات العامة بشركة مياه الشرب والصرف الصحي بالبحر الأحمر، إن المحافظة بها 13 محطة تحلية مياه تنتج 26 ألف م3 من المياه يوميًا، وننتظر بدء تشغيل محطة اليسر بالغردقة والتي تبلغ طاقتها القصوى 80 ألف م3 يوميًا.

 المهندس يحي صديق رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالبحر الأحمر، قال لـ”مراسلون” أن هناك توجهًا سياسيًا من الدولة قبل ظهور مشكلة سد النهضة بالاعتماد على تحلية مياه البحر بالمحافظات والمدن الساحلية، مشيرًا إلى أن المستقبل في محافظة البحر الأحمر لمياه التحلية وعدم الاعتماد على خطوط المياه الناقلة لمياه النيل

وأكد أنه خلال 5 سنوات سيتم الاعتماد تماما على مياه التحلية في المحافظة،  وتماشيا مع ذلك الاتجاه تم التوقف عن عمليات إحلال أو تجديد الخطوط الناقلة لمياه النيل، وتوقفت التوسعات تماما بخطي الكريمات وقنا، للاعتماد تدريجيا على محطات التحلية.

وحول رفض بعض الأهالي استخدام مياه التحلية في الشرب، أكد رئيس الشركة على ضرورة توعية المواطنين، مشيرًا إلى أن مياه التحلية صالحة للشرب تماما ويتم إنتاجها طبقا للمعايير والمقاييس العالمية وليست لها أى آثار جانبية ولها نفس مواصفات مياه النيل، موضحا أن مدن جنوب البحر الأحمر “القصير ومرسى علم وحلايب وشلاتين” أصبحت تعتمد تمامًا على مياه التحلية.

***

ياسر خليل أحد مواطني جنوب المحافظة، أكد أنه كان هناك رفض من الجميع للشرب من مياه التحلية في البداية بسبب تغير طعمها ونسبة الملوحة العالية، ولكن بعد التأكد من أن المشكلة في المواسير الناقلة وليست في مياه التحلية، بدأت الفكرة تتغير وأصبح الأهالي لا يمانعون من الشرب من مياه التحلية خاصة بعد أن بدأت شركة مياه الشرب في تغيير نوع المواسير التي تنقل المياه بأخرى لا تتفاعل مع مياه التحلية.

 

محطة اليسر

تعتبر محطة اليسر التي تكلفت 750 مليون جنيه هي أكبر محطة تحلية مياه في إفريقيا، وإنتاج المحطة من المياه بعد تشغيلها بالطاقة القصوى يسد عجز المدينة الساحلية والفائض سيتم توزيعه على باقي المدن.

يقول أحمد عبد الله محافظ البحر الأحمر، إن مراحل الإنشاء بمحطة اليسر قد قاربت على الانتهاء، موضحاً أن الآن المحطة في طور عمليات التجارب، وبدأ سحب مياه البحر الأول بمحطة اليسر لتحلية المياه بمدينة الغردقة في منتصف مايو الماضي ومازالت تجرى عملية تجارب لتحلية مياه البحر مؤكداً على أن من المقرر افتتاحها خلال الأسابيع المقبلة .

وأضاف المحافظ أن المحطة هي ثان محطة في مصر تعمل بنظام المعالجة النهائية “فلاتر الكالسيت”، ونظام حقن ثاني أكسيد الكربون لمعالجة المياه طبقا للمواصفات القياسية لوزارة الصحة للحفاظ على جودة المياه ومطابقتها لمنظمة الصحة العالمية، لسد احتياجات الأهالي من المياه وأيضًا المشروعات الاستثمارية وخاصة السياحية ومواكبة التطور العمراني المستمر.

 

تصوير: سيد داود واراب