في بداية جوان الماضي عقد سكان حي لارومونط الواقع بشمال مدينة تبسة (600 كلم شرق العاصمة الجزائر على الحدود التونسية)  اعتصاما احتجوا فيه على تذبذب توزيع المياه اّلتي غابت عن حنفياتهم لمدة عشرة أيّام كاملة. يروي لنا مراسلنا عبر هذا الربورتاج ما يعانيه سكان هذه المدينة كما يسترسل في شرح الاسباب…

نريد حقنا في الماء الذي هو ملكية مشتركة لسكان الارض، نريد حقّنا في الحياة “. بهذه العبارات استغاث المحتجون في حي لارومونط الشعبي الواقع شمال ولاية تبسة اين يقطن ازيد من ثلاثة الاف مواطن يفتقرون الى ادنى مقومات الحياة: الماء. هذا العنصر الحيوي والذي بالرغم من توفره على مستوى السدود و الابار بما يكفي كل سكان المدينة و اطرافها، لا يصل الى العطشى في عديد المناطق منها. فخلال الجولة التي قادتنا إلى بعض الأحياء التي تعاني العطش مع بداية الصائفة سيما ببلديات الكويف و الشريعة وعاصمة الولاية تبسة لم يخف التبسيون استيائهم من نقص المياه. “ نحن لا نرى الماء يسيل في الحنفيات إلّا مرّة كلّ خمسة أيام“، يتأسف كهل من حي الزّاوية العتيق ، والّذي يقول متذمرا انه يضطر الى قطع مسافات طويلة مشيا على الاقدام من اجل جلب الماء،  مناشدا القائمين على القطاع أخذ هذه المعاناة على محمل الجدّ.

بالفعل، يزداد وضع سكان عديد الأحياء في هذه المدينة تأزما مع قدوم فصل الصّيف أين تفوق درجة الحرارة الاربعين مئوية في بعض الأحيان. فسكان الزاوية و الزيتون وكذا الجرف و لارومونط في قلب المدينة يعانون نقص المياه. هي أحياء تتأخر فيها أشغال تجديد وتوسيع شبكات توزيع الماء الشّروب من دون أن تهزّ السلطات الإدارية التي تشرف على إنجازها ساكنا. وما الوقفة الاحتجاجية التي عقدها سكان لارومونط  بدافع غياب الماء لمدة فاقت العشرة أيام إلا محاولة يائسة لبعث هذه المشاريع المعطّلة والّتي تهدف أصلا لتخفيف معاناتهم و ليس لتحقيق رفاهيتهم. فإذا كان سكان المدن الكبرى كالجزائر العاصمة و قسنطينة ووهران ينعمون بالماء على مدار الساعة، يسيل الماء في حنفيات التبسيين وفي احسن الاحوال يوما بيوم وهذا لمدة أربع ساعات فقط. فإمداد أغلب الاحياء بالماء يكون مرة كل ثلاثة ايام و في بعض الأحيان مرة كل أربعة أيام. وهذا ما زاد من سخط سكان حي لارومونط في الأيام الماضية و أخرجهم إلى الشّارع انتفاضا على تذبذب التوزيع.

و إذ تُوزِّع مصالح الإدارة المحليّة الماء بالصّهاريج من وقت لآخرحتّى تخفِّف من اضطراب التّوزيع عن طريق الشّبكة، تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ أغلب سكّان الزاوية و الزيتون وكذا الجرف و لارومونط يلجأون إلى شراء الماء من الخواص بأثمان باهظة مقارنة بالأسعار التي يدفعها باقي الجزائريّون الّذين يسري الماء يوميا في حنفياتهم. وتتراوح هذه الأسعار الّتي تثقل كاهل ذوي الدّخل الضّعيف منهم بين 1000 و 1200 دينار جزائري للصّهريج الواحد ذو 3000 لتر. “يكلف الصهريج 1000 دينار (8 أورو أي 2.6 أورو للمتر المكعّب) وهذا بالنسبة لمن يسكنون الطوابق الأرضية. أمّا من يسكنون الطّوابق العليا فيتحتّم عليهم استعمال مضخة لإيصال الماء حتى بيوتهم فيدفعون 1200 دينار جزائري (9.6 اورو أي  3.2أورو للمتر المكعّب) للناقل مقابل الصهريج“، يشرح أحد التبسيين. وتعدّ هذه التّجارة سوقا كبيرة نظرا لعدد سكّان ولاية تبسة الّذي يقارب 700000 نسمة. ويجلب النّاقلون الماء من آبار يملكونها تقع في عدّة مناطق على طريق الكويف و طريق بكّارّية و الطريق الإجتنابي لبولحاف، غير بعيد عن قلب مدينة تبسة، أو من منابع واقعة في شمال الولاية  كعين زروق و قسطل. إذ تزخر تبسة الّتي احتضنت إحدى أجمل مدن الامبراطورية الرّومانية العريقة في شمال إفريقيا ألا و هي “ثيفست” بموارد مائية كبيرة. و لا يشرب سكان تبسة من هذه الصّهاريج فهم يستعملون مياهها فقط للغسيل. وتعدّ منابع يوكوس الواقعة على بعد 10 كلم من مدينة تبسة من المصادر الّتي يلجأ إليها بعضهم للاستسقاء. فبالإضافة إلى وحدة تعبئة المياه الّتي يديرها أحد الخواص والتي تُسوّق مياهها بسعر 30 دينار للتر(25 سنتيم اورو)، هناك نبع محاذي لذلك الّذي تستغلّه هذه الشّركة الخاصّة تجري مياهه في الطّبيعة يقصده سكان تبسة للتّرويح عن أنفسهم  لجمال الموقع المتواجد فيه و كذلك لجلب الماء.

في الواقع،  تعود أسباب هذه المعاناة إلى عدم اكتمال عملية تجديد و توسيع شبكات توزيع المياه التي تتخبط في مشاكل جمّة.  واذ شرعت المقاولات الّتي عُبئت في إطار عملية تجديد هذه الشّبكات في الأشغال منذ ثلاث سنوات إلا أنّ عدم كفاءتها في إنجاز مثل هذه المشاريع أخّر إتمامها و أطال عمر معاناة السّكّان الّذين كانوا يعانون أصلا قبل انطلاقها بالأشغال. فقد تسبّب استغلال الأجزاء الّتي انتهت الاشغال بها والّتي سارعت الإدارة المحليّة في تسليمها إلى الهيئة المستغلّة والمتمثّلة في شركة “الجزائرية للمياه” في تعقيد اتمام الأجزاء الأخرى. وحسب مصدر في الجزائريّة للمياه لم يشأ أن يرد اسمه في هذا الربورتاج، فإنّ أهمّ أسباب هذا التّأخير هو “ضعف الإدارة المحليّة في تسيير إنجاز المشاريع الّتنموية“، مضيفا أنّ” شركته تعرف الكثير من الصعوبات في توزيع المياه “. وذكر منها “تراجع منسوب السدود والآبار خلال العشرين سنة الماضية والّتي تميّزت بجفاف كبير وكذلك التوصيلات غير الشّرعية و الأعطاب اّلتي تتسبّب فيها المقاولات المكلّفة بتجديد شبكات التّوزيع على مستوى القنوات الرّئيسية للضخّ“.  فبينما يعاني التبسيّون، يضيع جزء كبير من هذه الموارد بسبب اهتراء شبكات التوزيع من جهة و سوء تسييرها من جهة اخرى. و يهدر هذا العنصر الحيويّ بفعل التّسرّبات الّتي يعجز أعوان “الجزائريّة للمياه”  عن التّحكم فيها. وإذ وضع برنامج صيفيّ يعزّز قدرات القطاع  ببئرين عميقتين جديدتين لا تتعدّيان التّخفيف من حدّة هذه الأزمة، يبقى أمل التّبسيّين في توزيع عادل ومنتظم للمياه معلّقا على وتيرة إنجاز أشغال تجديد و توسيع الشبكات واستكمال الاجزاء المتبقية منها.