بعد التعويم زادت ساعات الشُغل، ما بين شُغل ثابت وأعمال حرة عبر الويب، أو دوامين عمل خلال اليوم، وصلت ساعات العمل لنحو 16 ساعة يوميًا لدى البعض، والبعض يعمل لأكثر من 70 ساعة أسبوعيًا، هذا ما تفعله أسماء شريف، اسم مستعار- في مطلع الثلاثينات، تعيش بالقاهرة أيضًا، موظفة بشركة قطاع خاص، تعمل بها لثمانِ ساعات لمدة خمسة أيام أسبوعيًا، كانت تنوي ترك عملها لتعتمد بشكل رئيس على كتابة المحتوى على الويب إلا أن قرار التعويم دفعها لزيادة ساعات العمل أسبوعيًا من المنزل في كتابة محتوى لمواقع الويب، بهدف زيادة دخلها الشهري. تعيش أسماء بمفردها ما يسمح لها بضغط نفقاتها أو التخلي عن السلع الكمالية، تقول أسماء ” ما بقتش بشتري هدوم غالية، وفي الشتا مثلاً رحت أشتري من الوكالة عشان الأسعار كانت خرافية جداً، وبطلت الخروجات المكلفة زي السهرات وخلافه إلى حد كبير” قلّلت من طلب الأكلات الجاهزة وعادت للطبخ بشكل دوري، وأوقفت رحلاتها الشهرية للسوبر ماركت الكبيرة، وبشكل عام تغير أسلوب حياتها، خفضت نفقاتها ليصلح راتبها بعد التعويم لاستكمال نفقات الشهر، الراتب الذي كان يسمح لها بالانفاق على الكماليات حسب تعبيرها، وكل خططها لشراء سلع معمرة انتهت.

***

مؤخرًا زاد الطلب على السلع الأرخص، يتخذ المستهلك الملابس المستعملة أو إنتاج مصانع الملابس الصغيرة في الأحياء بديلًا عن الملابس المستوردة أو صاحبة الماركات الشهيرة، هذا ما تفعله هدير محمد، موظفة بأحد الشركات الكبرى العاملة بمصر، هدير 25 عامًا، متزوجة منذ عام، تعمل لـ10 ساعات يوميًا، بينما يعمل زوجها لـ14 ساعة، يسكنان بشقة تمليك بالقرب من منزل أهلها، ما يوفر عليها عدة نفقات أساسية، لا إيجار شهري، كما توفر جزءًا كبيرًا من نفقات الطعام والشراب. دخل هدير وزوجها قبل التعويم كان يقارب التسعة آلاف جنيهًا، ما يسمح لهما بتوفير حياة طيبة بها قدر لا بأس به من الرفاهية؛ يمكنهم السهر مرة أسبوعيًا، أو شراء ملابس مستوردة، أو الالتزام بنظام أكل صحي مكلف، والمواظبة على صالة الألعاب الرياضية، بينما تبدّل الوضع قليلًا بعد قرار التعويم، بالشركة التي يعمل بها زوجها، تقرر تخفيض حجم العمالة، فتم تسريح عدد كبير من الموظفين وتكليف الباقين بأعمالهم، زادت ساعات عمل الزوج محمود من 9 ساعات إلى 14 ساعة، فيما زاد راتبه الأساسي من 2000 جنيهًا إلى 2500، والحوافز المرتبطة بالإنتاج هي ما تصنع الدخل، قد يحقق 6 آلاف جنيهًا في شهر وفي آخر يحقق 3500 جنيهًا. يملك كل من محمود وزوجته سيارته، ولها نفقاتها الشهرية، سيارة هدير تكلفها نحو 1500 جنيهًا شهريًا، بينما سيارة محمود تكلفه نحو 800 جنيهًا كل شهر، الزوجان مستقلان ماديًا تقريبًا، يمارس كل منهما إنفاقه الشخصي في الأساسيات والرفاهيات حسب دخل منهما وقد يتخلى الواحد منهم عن سيارته بعد الرفع الكلي لدعم الوقود خلال الشهور المقبلة.

***

بزيادة تكلفة الوقود، وبطبيعة الحال، ارتفعت تكلفة نقل السلع عامة والغذائية تحديدًا، لذا فإن أسعار هذه السلع في سيناء مثلًا أعلى منها في الدلتا أو القاهرة، إلا أن مايسة نبيل، صيدلانية مقيمة بمدينة دهب بمحافظة جنوب سيناء، وتعمل بمستشفاها المركزي، تخرجت في جامعة القاهرة وجاء تكليفها بمستشفى نائية ما وفّر لها راتبًا أكثر من رواتب زملائها في المدن الكبرى أو متوافرة الخدمات، دخلها الشهر يقارب ال4500 جنيهًا (250 دولار)، تنفق نحو على السكن، وتتبع نظامًا صارمًا لتنفق أقل من 20% من دخلها على الطعام والشراب، رغم أن أسعارها أغلى من نظيرتها في القاهرة، وتولي مايسة اهتمامها الأكبر للإنفاق على التعليم أو الصحة، تسعى لتحسين مستواها العلمي عبر كورسات الويب، كما تتحسب للطوارئ الصحية، وكحال كثيرين اتجهت للسلع الأرخص في الملابس أو الطعام، لذا توفر نحو 40% من دخلها الشهري لهذين الغرضين، ولم تستطع أيضًا شراء أجهزة أو ما يصلح لتأثيث سكنها في دهب لذا تعلمت كيف تعيد تدوير الأغراض أيضًا عبر فيديوهات يوتيوب.

 

تصوير: سيد داود واراب