يملك أشرف سعيد ثلاث شهادات للاستثمار، كل واحدة بقيمة 100 ألف جنيهًا، (11110 دولار) قبل التعويم، كان يمكنه سحب 10% أرباح كل عام عن كل شهادة، عشرة آلاف جنيهًا كان يمكنها فعل الكثير مع احتفاظ الشهادات بقيمتها الأصلية، حتى جاء تعويم الجنيه المصري ومن بعده التضخم، ليصبح قيمة الشهادة الواحدة (5555 دولار)، وانخفضت قيمة أرباحها بالمثل، خلال ساعات ما بين يومي 2 و3 نوفمبر 2016.

شهادات الاستثمار البنكية واحدة من وسائل استثمار الطبقة المتوسطة الآمنة في مصر؛ أرباح سنوية ثابتة، مع الحفاظ على القيمة الأصلية. إلى جانب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن قيمتها تؤكل أمام ارتقاع مستويات التضخم وقرارات الإدارة الاقتصادية المفاجئة. وعلى مستوى الأفراد والمستثمرين الصغار والمتوسطين وحتى الشركات، غيّر التعويم وعدد من القرارات الاقتصادية خريطة الربح والخسارة، والعمالة والبطالة، مُدح هذا القرار كثيرًا من عدد من الخبراء إلا أن نتائجه لاتزال طور الاكتشاف، خاصة أنه لا يزال ينتظر عددًا من الإجراءات الاقتصادية خلال العام الجاري.

 

بين يوم وليلة كيف تحوّلت الأرباح إلى ديون؟

مع مطلع عام 2016، استطاع مصطفى الساعي –اسم مستعار- التعافي من قرار رفع الجمارك على السلع المستوردة، استورد قطعًا لغيار السيارات بقيمة مليوني دولار، نحو 18 مليون جنيهًا حينها، حينها وحفاظًا على رأس ماله واستثماره رفع سعر بضاعته، بحلول سبتمبر 2016 كان الساعي قد سدد نصف قيمة الصفقة، على أن يسدد الباقي مليون دولار – 8 ملايين ونصف المليون جنيهًا بحسب البنك المركزي حينها، خلال عام. الحصول على الدولارات حينها كان صعبًا، ما بين السوق السوداء لتجارة العملة وما بين عدد من البنوك استطاع توفير المليون دولار بقيمة 11 مليون جنيهًا، كل ذلك كان ممكنا تحقيقه عبر زيادة أسعار سلعته تبعًا لزيادة أسعار الدولار، ولتأمين رأس ماله باع بضاعته كلها بحسب قيمة الدولار بـ12 جنيهًا بحلول أكتوبر 2016، قبل أن يسدد بقية قيمتها حتى جاء قرار التعويم وارتفع سعر الدولار ليصبح الساعي ملزمًا بدفع 18.5 مليون جنيهًا بدلًا من 12 فقط، القيمة الجديدة هي تقريبًا قيمة الصفقة كلها التي سدد نصفها من قبل. يقول أحمد الساعي، ابنه ومساعده إن والده “سدد 11 مليون جنيه في البداية، ونحو 3 ملايين أخرى للجمارك، وباعها بقرابة 28 مليونًا، على أن يسدد 12 مليونًا خلا العام، إلا أن الآن مطالبًا بتسديد نحو 18 مليون جنيه، بزيادة 4 ملايين جنيه عن أرباحه”، ويتابع أنهم مضطرين الآن للتفريط في عدد من أصولهم العقارية لتسديد بقية ديونهم.

يعد الساعي مستثمرًا ضمن شريحة متوسطة من المستثمرين في مصر، أكثر من طالتهم تداعيات القرارات الاقتصادية خلال العام الماضي، إما مستوردًا لزيادة الجمارك فضلًا عن انخفاض الجنيه أمام نظرائه من العملات الأجنبية، أو مستثمرًا بسوق العقارات أو الأغذية واللحوم داخل مصر.

سوق العقارات .. ارتفاع حاد ثم ركود

في جلسة 25 أبريل الماضي بالكونجرس لمناقشة المعونة الأمريكية لمصر، قالت ميشيل دن، مديرة برنامج الشرق الأوسط بمعهد كارنيجي للسلام الدولي، في شهادتها إن المشكلة الرئيسة في الاقتصاد المصري هي عدم توليد وظائف كافية للداخلين الجدد في سوق العمل. إذ لا تتركز سياسات السيسي الاقتصادية حول جذب الاستثمار أو خلق الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبدلًا من ذلك تركز السياسات الاقتصادية للسيسي على مساعدة الجيش اقتصاديًا. يتمثل ذلك في تنفيذ مشروعات بناء ضخمة، مثل قناة السويس الثانية والعاصمة الإدارية الجديدة في الصحراء، دون أي تفكير جاد فيما إذا كانت مثل هذه المشروعات سوف تولد وظائف وتؤدي إلى النمو أو حتى ينتج عنها عائدات للحكومة. أيضًا غير السيسي الكثير من القوانين والتشريعات والإجراءات التعاقدية للحكومة للسماح للجيش أو الشركات التابعة له، بالحصول على حصة أكبر من أي وقت مضى من الاقتصاد.

عادل صقر، مهندس معماري، في منتصف العشرينات، يعمل بمجال المقاولات والعقارات، يقول إن “سعر طن الحديد زاد خلال 14 شهرًا بنسبة أكثر 85%، فبعدما كان بـ5300 جنيهًا في مارس 2016، وصل إلى 9900 في مايو الجاري، تبعًا للقرارات الاقتصادية وأهمها رفع أسعار الوقود، وتعويم الجنيه المصري”، ويضيف أن الزيادة نفسها طالت كافة مواد البناء، وبزيادة تكلفة البناء زادت تكاليف التمليك والإيجار، وقل الطلب على العقارات والمعروض منها كثير أصلًا”، ويتابع أنه “بعد التعويم، اتجه كثيرون لاستثمار أموالهم ومدخراتهم في مجال العقارات”، إلا أن السوق عاد للركود مرة ثانية بعد ستة شهور من التعويم، ونفاذ المدخرات أو انخفاض قيمتها أمام ارتفاع قيمة العقارات، وبشكل رئيس يعتمد السوق حاليًا على أموال العائدين من الخارج أو تدفقات العاملين خارجًا الذين يعتبرون العقار استثمارًا بعيد الأجل“.

المطاعم والمقاهي .. الناجون من الركود

يبدو الوضع قاتمًا بالنسبة للاستثمارات التقليدية والكبرى، إلا أن ثمة استثمارات صغيرة ومشروعات لا تزال تحتفظ بقدرتها على تحقيق الربح، ما بين استثمارات متوسطة أو مشروعات صغيرة، تتراوح ما بين الخدمات المباشرة أو السلع البديلة، تُعرف عادة تحت مصطلح Recession Proof Businesses أو الأعمال المقاومة للركود.

يقول عاصم عبد المنعم، وهو شاب في النصف الثاني من العشرينات، إن المقهى الذي يمتلكه مع ثلاثة آخرين، لم يتأثر كثيرًا بحالة الركود التي تبدو جلية في مصر، وتحديدًا في مدينته كفر الشيخ، افتتح الكافيه في يونيو 2016، وبالطبع بعد التعويم ارتفعت أسعار مواده الأولية، البن وحبوب القهوة ارتفع سعرها إلى الضعف، ما كان له مردود على قائمة أسعاره بالمقهى، ورغم ذلك لا أحد يتخلى عن القهوة أو جلسة المقهى، بالنسبة لمدينة مثل كفر الشيخ، بجامعتها الجديدة نسبيًا تجد المطاعم والمقاهي على اختلاف أسعارها وشرائحها زبونها الدائم، بل إن “الإقبال على مقهاه والمقاهي المجاورة زاد مؤخرًا”، بحسب عبد المنعم. ويضيف إنه توسع مرتين منذ افتتاح المقهى، وأنه يعرف على الأقل 4 مطاعم جديدة ونحو 6 مقاهي في محيط المقهى الخاص به، وأن المدينة تحتمل أكثر من هذا، معتبرًا أن تلك النوعية من المشروعات هي الأنجح ولا تتأثر بأي حال بالركود.

مع ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة والمستوردة، يظهر اتجاه جديد نحو الملابس بالطلب، حيث فرضت المشاغل والمصانع الصغيرة وجودها أمام المستهلك، بتكلفتها القليلة وجودة مقبولة مقارنة بالملابس المستوردة أو ذات العلامات التجارية الشهيرة والأسعار المرتفعة، يقول عيد السعيد، ترزي في نهاية الخمسينات، إنه تأثر سلبًا بالحالة الاقتصادية في بدايتها مثل الجميع، وبخاصة بعد ارتفاع الأسعار، حتى عاد الإقبال على صناعته بعد أعوام من ركود سلعته وإقبال زبائنه على الملابس الجاهزة، التي ارتفعت أسعارها مؤخرًا فاتجه المستهلكون لملابسه المصنّعة حسب الطلب. يتابع السعيد “تكلفة البنطلون الواحد من قماش وتفصيل لا تتجاوز المئة جنيهًا بينما أقل سعر لبنطلون جاهز نحو 250 جنيهًا، فضلًا عن جودة الملابس المصنعة حسب الطلب الأفضل من الجاهزة. يرى السعيد أن التعويم ساعده على تحسين صناعته إلا أن تكاليف التشغيل وارتفاع أسعار السلع الأخرى والوقود زوّد تكلفة الحياة، فما يربحه بعد رواج صناعته بالكاد يكفي لسد تكاليف الحياة المكلفة في مدينة المحلة الكبرى.

كما نجا البعض من القرارات الاقتصادية، إما عبر الصناعات المحدودة أو المشروعات الصغيرة، وقع كثيرون ضحية لهذه القرارات، حيث اتجه عدد من المصانع والشركات الكبرى إلى تخفيض عمالتها أو تسريح موظفيها بعد ارتفاع تكاليف تشغيلها وانخفاض الطلب على منتجاتها. يقول محمود السامولي، موظف مبيعات بإحدى شركات الأجهزة الإلكترونية المصرية إنه كان أحد الناجين من قرار تخفيض العمالة بالشركة التي يعمل بها، حيث تم استبدال نحو خمسة موظفي مبيعات به، وعليه القيام بأعمالهم، وبعدما كان يعمل لتسعة ساعات يوميًا، أصبح عليه العمل لنحو 14 ساعة في 6 أيام أسبوعيًا، راتبه زاد قليلًا ولكن بمقدار أقل من حجم العمل المطلوب منه ولا فرصة للرفض أو الاعتراض، وضعه لا يسمح بالبقاء دون عمل أو البحث عن فرصة أخرى، بل يبدي امتنانه لعدم تسريحه ضمن من تركوا أعمالهم، ويتابع أن له أصدقاء كثيرون فقدوا وظائفهم بعدة شركات، المحظوظ منهم حصل على مكافأة قبل تسريحه والكثير تم التضييق عليهم ليتركوا أعمالهم دون تعويض.

 

تصوير: سيد داود واراب