قطعاً لم يتخيّل، اللواء مهندس أحمد حمدي ( 1929 –  1973) أن النفق الذي سيطلق الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات اسمه عليه تكريما ً لمجهوداته الكبيرة والتي كللت باستشهاده متأثراً بالإصابة بعيد  تحقيق نصر أكتوبر 1973 ، سيصبح واحداً من أهم وأكبر بوابات دخول المخدرات للدولة المصرية .

وتتجسد بطولة اللواء أحمد حمدي بإنقاذ حياة الآلاف عبر إبطال مئات الألغام بمهارة وسرعة غير عادية، كما كان واحداً من أصحاب فكرة هدم الساتر الترابي الإسرائيلي بخراطيم المياه، وصمم بنفسه ساتراً مماثلاً ليتدرب عليه الجنود حتى وصلوا للتكنيك الذي تم اتباعه بالفعل في أرض المعركة، ولم يكرم البطل بإطلاق اسمه على النفق الذي يربط سيناء بباقي أجزاء الدولة المصرية فقط ، لكن الدولة أطلقت اسمه على واحدة من الدفعات المتخرجة من الكلية الحربية ومنحت اسمه وسام سيناء من الطبقة الأولى وهو أرفع الأوسمة العسكرية المصرية، كما تم اعتبار يوم استشهاده الرابع عشر من أكتوبر عيداً للمهندسين المصريين يتم الاحتفال به سنوياً .

بالرغم من ارتباط مرور كميات كبيرة من المواد المخدرة بالنفق، إلا أن ذلك لا يقلل من أهميته الإستراتيجية البالغة، فذلك الممر الذي لا يقل أهمية عن قناة السويس نفسها يستوعب نحو 20 ألف سيارة يومياً تمر به في كلا الاتجاهين بمعدل 14 سيارة في الدقيقة تقريبًا، فمهما بلغت الاحتياطات الأمنية فالخرق وارد في النفق البالغ نحو 6 كيلو مترات والذي تم انشاؤه بمساهمة أوروبية لتشجيع تعمير سيناء بعد عملية السلام.

ويعد النفق هو وكوبري السلام الممران البريان لدخول قارة آسيا من أفريقيا، وإذا كانت سيناء التي تقع في قارة آسيا معبرًا لتهريب السلع والبشر من الاتجاهين فالنفق هو أحد خطوط الوصل والذي بدونه ستظل سيناء نصف معزولة تنتظر آلاف السيارات والبشر يعبرون قناة السويس على المعديات البحرية.

يؤكد محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الأسبق في تصريح سابق أن سيناء تستقبل المخدرات التي يأتي أغلبها من لبنان وتركيا وأفغانستان ثم تمر منها عبر النفق لباقي الجمهورية ، مضيفًا: جهود مكافحة المخدرات بمصر هي من الأكفأ على مستوى العالم ، وبالرغم من ذلك فمن المعروف أن أفضل النسب المحققة عالمياً هي ضبط 20 % من الكمية المهربة، وأن الحل الأمني وحده لن يتمكن من إنهاء أزمة انتشار المخدرات بين الشباب المصري، وأن جهود مؤسسات الدولة كلها يجب أن تتضافر لحل المشكلة .

محاولات للتهريب

تبلغ فاتورة المخدرات سنويا ً في مصر ما يقرب من خمسة عشر مليار دولار ، بكل أنواعها المختلفة، ولمعرفة الطرق التي يلجأ إليها المهربون لتلافي الوقوع في قبضة القوات الأمنية تواصلنا مع مكتب مكافحة المخدرات بالسويس، لنعلم منهم أن الربع الأول من 2017 قد شهد ضبط أكثر من 30 طناً من مخدر نبات البانجو وحده على سبيل المثال لا الحصر، وقد لجأ المهربون لإخفاء الشحنات داخل أجولة القمح ، نقلات الرمل والزلط ومعدات البناء، إطارات السيارات ، مشدات البناء الحديدية ، طفايات الحريق، أو السيارات التي تحمل أرقاماً دبلوماسية ظناً منهم أنها لن يتم تفتيشها كما كان يتم سابقاً

لم تكن قضية ” قاضي الحشيش ” التي هزت الرأي العام في مصر هي الأولى ولا الأخيرة، حيث أصدر الكلب “هيرو” نباحاً متصلاً، ثم تمدد أرضاً رافضاً مرور العربة التي تحمل لوحات معدنية سوداء تمكنها من اجتياز كل الأكمنة والنقاط الأمنية دون تفتيش، وأصر أفراد الأمن بتفتيش السيارة والركاب، القاضي والسائق والصديقة الهولندية، وبعد العثور على أكثر من 68 كيلو من مخدر الحشيش داخل السيارة، ألقى كل منهم بالاتهام على الآخر، لينتهي الأمر بصدور الحكم القضائي بالمؤبد على القاضي و10 سنوات لكل من السائق والصديقة مطلع الشهر الجاري.

وبالرغم من توقيع أقصى العقوبة على من يتم ضبطه ، إلا أن أحلام التهريب عبر النفق لا تتوقف، ويبتكر المهربون طرقًا جديدة لمحاولة إخفاء المخدرات، وخلال الأسابيع القليلة الماضية تم ضبط كميات هائلة من المخدرات المختلفة أثناء محاولات تهريبها عبر نفق أحمد حمدي، حيث تمكنت قوات حرس الحدود من ضبط ” مجدي . ر – 51 عام ” أثناء محاولته تهريب 1034 كيلو من نبات البانجو، على هيئة 39 لفافة مخبأة في مخابيء سرية داخل سيارة نقل محملة بالأثاث المنزلي عثر عليها أثناء التفتيش، بينما تم ضبط 4 كيلو جرامات من الهيروين الخام موضوعة بداخل 8 قوالب أسطوانية الشكل مخبأة بداخل أبواب سيارة ” أحمد . ص – 37 عام ” ، والذي تبين أن حظه العاثر قد أوقعه أثناء عمليته الأولى، في حين تلقى العميد شريف الخولي مدير إدارة المخدرات بالسويس معلومات تفيد قرب قيام أحد المهربين من بدو سيناء تهريب شحنة ضخمة من مخدر البانجو تقدر ب 2 طن أسفل شحنة زلط محملة على سيارة نقل ، وبالفعل تم ضبط الشحنة ، كما تم ضبط أمين الشرطة ” ع . غ – 42 عام ” أثناء محاولته الهروب من النفق دون تفتيش بسيارته والتي تحمل لوحات أرقام 9305 ملاكي المنوفية وبحوزته 54 طربة حشيش، وقد تبين أثناء التحقيقات أن الأمين اعتاد تهريب الحشيش أثناء راحته الشهرية .

الهروب من النفق

وفي مقابلة مع الأمين عماد الشيخ من قوات تأمين النفق أخبرنا أن المهربين يلجأوا أحياناً لطرق بديلة عن النفق لتلافي الاحتياطات الأمنية الشديدة المفروضة عليه، وهذه الطرق ليست سوى  “المعديات” ، وهذه المعديات عبارة عن سفن صغيرة لنقل الأفراد وأكبر حجماً لنقل السيارات من وإلى سيناء ، تسير عبر المجرى الملاحي لقناة السويس في مواعيد محددة وعبر مسارات ثابتة ، وبالرغم من لجوء البعض للمعديات ظناً منهم أنها أسهل حالاً في التهريب من النفق إلا أن القوات البحرية وقوات حرس الحدود تعمل بشكل مستمر – على حد قول الشيخ – في كشف ما يمكن تهريبه من وإلى سيناء، سواء كان ذلك مخدرات أو أسلحة، مثلما حدث منذ عدة أشهر بمعدية ” القنطرة ” المواجهة لمحافظة الإسماعيلية، عندما تم تفتيش سيارة تمر بمعدية السيارات لتتمكن قوات تأمين المجرى الملاحى من العثور بداخل حقائب الملابس على مواد شديدة التفجير ( نترات الصوديوم و البارود الأسود ) ، وقد تم التحفظ على السيارة والأشخاص والمضبوطات.

 

تصوير: سيد داود واراب