يمنح موظف الجراج صاحب السيارة تذكرة عندما يتركها داخله، يتجاوز عدد ساحات انتظار السيارات في القاهرة الأربعمائة ساحة مكشوفة أو أماكن انتظار متعددة الطوابق.

خارج هذه الأماكن يعمل سُيَّاس. يحمل بعضهم بطاقات تعريف رسمية ويقدم لصاحب السيارة تذكرة، بينما لا يقدم بعض السُيَّاس تذكرة، بل قد يوفر خدمات مثل تسهيل إجراءات الحصول على وثيقة من جهة حكومية أو توفير مخدر أو فعل عَوْق.

هذا السَائِس حرّ، لاعب خارج السوق الرسمي، يعمل ما يحلو له. يمارس أنشطة عديدة كلها تعتمد على خفته ومهارته في الإفلات من الشرطة والقانون. كما يصفه الناس عادة بـ”البلطجي”.

رخصة رَكَّن

السُيَّاس نوعان، أحدهما يحمل رخصة من المحليات والنوع الآخر يعمل بشكل غير قانوني.

يدفع مالك السيارة لسائس القانوني، مقابل الرَكَّن في الشارع خمسة جنيهات ونصف جنيهًا مقابل كل ساعة، بينما تكون تكلفة وضع سيارة داخل ساحة انتظار أقل: ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه للساعة الأولى، لتتراجع قيمة الساعات التالية إلى جنيهين لا أكثر، وتكون القيمة المدفوعة جمعًا لقيمة الساعة الأولى و قيمة ما مرّ من ساعات تالية لها.

لا يحسب السائس غير القانوني عدد الساعات، مجرد قيمة ثابتة لأي مدة تُرِكَتْ خلالها السيارة. لكن المبلغ ليس ثابتًا، بل يحدده صاحب كل سيارة وفق رغبته. في الأغلب يكون دور السائس أنه يقدم نصائح للسائق للأسلوب الوحيد لركن سيارته. قد لا تكون هذه الملاحظات مفيدة لمَن يجيد القيادة. قد يلمح السائق مكانًا يصلح للركن، وقد يكون شَرَعَ في ركن سيارته فيه بالفعل، لكن السائس – حتمًا – سيظهر خلال عملية الركن أو عند المغادرة مطالبًا بمال. قد يلجأ إلى أسلوب استعراض أهمية دوره، أنه كان ينقذ السيارة من المارة أو من سيارة كادت تصدمها وبالتأكيد من ونش المرور أو من تحرير مخالفة إذا كان مالك السيارة قد ركنها في الممنوع، تبدأ قيمة هذه المخالفة من مائة جنيهًا ولا تتجاوز الثلاثمائة.

السائس حر في دخله، لا يكون ملزمًا بتقديم أموال رخصة عمل أو ضرائب. ما يتحصل عليه ليس إلا بقشيشًا، ويخضع لتقدير كل زبون. يتحرك بسرعة وخفة في زحام المرور. يدير هذا العالم جيدًا، بشكل واثق.

لا تستوعب ساحات الانتظار السيارات المارة في شوارع العاصمة، خاصة مع الاغلاق المتكرر لعدة ساحات كلما كانت هناك خططًا أمنية تتواكب مع كل زيارة لضيوف أجانب أو مناسبات دينية أو مؤتمرات دولية أو أجندة الرئيس داخل العاصمة. بدلًا من تفتيش السيارات تغلق ساحات انتظارها، فتكون تحت عهدة السُيَّاس، الذين يجب أن يكسبوا ثقة السائقين.

قد ينقذ سَائِس سائقًا من الجحيم عبر توفير مساحة لركن سيارته. سيتمكن الأخير من قضاء مهمة تكاد تكون مستحيلة إذا منح ثقته لهذا السائس ممثلة في مفتاح السيارة. تكون ملكًا له، قد يفعل أي شيء يريده بها، قد يصدم أحدًا عن طريق الخطأ ويدفع صاحب السيارة الثمن. ربما يختفي بالسيارة ولا يعود بها. تسكن المخاوف رأس السائق حينما يتعامل مع سائس غير قانوني. وقد خصصت إدارة المرور بوزارة الداخلية، مؤخرًا، رقمًا لتلقي مكالمات للإبلاغ عن كل مَن يزاول مهنة السائس دون ترخيص للقبض عليه.

مع الأمن وضده!

دخل السائس متذبذب، يتحايل من أجل أن يناله. لكنه لن يكون خالصًا له، بل سيكون عرضة لمَن يقتطع نسبًا من ماله.

يقول السائس وائل (اسم مستعار) لـ “مراسلون” إنه لا يملك رخصة رسمية، ويؤكد أنه :” يوم بعد يوم يتوقع زياة المخبر مرة أقدم له علبة دخان (سجائر) أو في مرات يطلب أموالًا. بين خمسين جنيهًا أو أكثر في حين أنني لا أكسب في اليوم (الواحد) أكثر من مائة (جنيهًا ..أي أقل من ستة دولارات)”.

حينما يقضي أحد فترة عقوبة داخل سجن، يكون السجين السابق خاضعًا لفترة مراقبة – في حالة إذا كان القاضي قد حدد فترة مراقبة بعد قضاء العقوبة. يكون هذا السجين ملزمًا بالتواجد في القسم تحت المراقبة كل يوم، خلال هذه الفترة ينصح عادة أن يكون سائسًا أو أن يفتح كشكًا. ليصبح السجين السابق سائسًا عليه أن يقدم طلبًا لإدارة المرور، ويكون ملزمًا بدفع قيمة إيجارية كل شهر للمحليات قدرها ألف جنيهًا، أي حوالي خمسة وخمسين دولارًا.

كل يوم جمعة يجتمع رئيس مباحث مع العاملين بكل حي، ويكون من ضمنهم السُيَّاس، سواء كانوا مرخصين أو غير مرخصين. يقدم الضابط، خلال هذه الجلسة، قائمة تحذيرات جديدة، تتضمن ألا يسمحوا للسيارات بالركن في الممنوع، وعدم تعطيل المرور. كما أن عليهم أن ينتبهوا إذا كانت هناك سيارات مركونة لفترة طويلة أو أن تكون أعينهم على الشارع حتى لا يترك أحد حقيبة أو جسمًا غريبًا  خلف سيارة.

يقول وائل (اسم مستعار) لـ”مراسلون” إن بعض السُيَّاس قد يعمل عَوْقًا أو قد يمارس أفعالًا لإيذاء الآخرين. إذا كان خلافًا حول الأموال أو في أماكن الانتظار. كما يحكي لنا حكاية قديمة فقد  سبق أن لَمَحَ حقيبة كانت مخبأة في سيارة ركنت في منطقته.

تعوّد صاحب هذه السيارة أن يتردد على أحد كباريهات وسط العاصمة المصرية. رغم أن المفتاح لم يكن مع السائس إلا أنه تسلل إلى الكازينو. حيّاه، وقدم له سيجارة كانت مخلوطة بحبوب مطحونة ليخدره، ثم سرق ميدالية المفاتيح. حينما أخذ الحقيبة وجد داخلها أموالًا. سجن السائس، وبعد خروجه تابع عمله بلا ترخيص، ولا ينكر أنه يقدم على مغامرة تخالف القانون لتوَفّر له مالًا بين حين وآخر.

ماذا يفعل في السهرة؟

“كنت أبيع كل ما يخطر على بالك.. كل شيء وأي شيء”، يحكي أحمد السائس (اسم مستعار) لـ”مراسلون”. كما يوضح أنه كان يبيع مخدرات. تنوعت تجارته بين الحشيش، الكوكايين، والأدوية المُخدِّرة، لكنه توقف عن هذا النشاط.

في الصباح يوفر أماكن انتظار للسيارات ليحصل على فَكّة، أما في ليل القاهرة فتخلتف المهام. يأخذ المفاتيح من مُلاَّك السيارات المترددين على الكازينوهات وبمهارة يحضر السيارة لصاحبها أو صاحبتها فور خروجه/ا. تؤمن له هذه الخدمة الليلية مبلغًا أفضل من أموال النهار، لأن زبون الليل سيكون رائقًا. لن يمنح جنيهات لا تزد عن الخمسة، بل سيتضاعف المال.

يقول أحمد السائس لـ”مراسلون” إنه يتمّكن، في بعض الأحيان، من النفاذ إلى داخل الكازينو. بدلًا من ركن سيارات الزبائن يصبح نديمهم في السهر.

ينشّط السهرة، ويحَفَزَ الزبائن ليدفعوا أكثر، حسبما يحكي لنا. تكون مهمته أن يُحمَس الآخرين لتحية الراقصة بالكثير من الأموال وذلك عن طريق تحية، السائس، لها بالكثير من النقود. كلما زاد حماسهم وكثرت النقوط تزيد نسبته. لكن الخدعة تكمن في أن أحمد ينقط بنقود مزيفة. حتى يدخل هذه اللعبة عليه أن يدفع ألف جنيهًا ليحصل مقابلها على خمسة آلاف مزورة، وإذا ساهم في زيادة النقوط رُدَتَ له ألفه الأولى مصحوبة بنسبة مشاركته كعامل محفز!

 

تصوير: صبري خالد