«هي أنشطة اقتصادية لا تخضع لرقابة الحكومة ولا يتم تحصيل ضرائب عنها ، كما أنها لا تدخل ضمن الناتج القومي الإجمالي على عكس أنشطة القطاع القتصادي الرسمي التي تخضع لما ذكر» هكذا صنفت عدد من الدراسات والأبحاث ما سمي بالإقتصاد غير الرسمي والذي تحت طائلته العديد من المشروعات التجارية والصناعية وايضًا الزراعية.

من ضمن هذه المشروعات هي الإستثمار العقاري في عقارات تُنشأ بخلاف القانون سواء على أرض تم التعدي عليها، أو أراضي مخصصة للإستصلاح الزراعي أو غيرهما دون أية خطوات قانونية من تراخيص بناء لذلك تفتقر تلك العقارات لأبسط سبل الحياة من خدمات أساسية.

في الوقت الذي قدر فيه إتحاد الصناعات المصرية حجم الاقتصاد غير الرسمي في مصر بنحو تريليون جنيه مصري ، قدر الخبير الاقتصادى هرناندو دى سوتو مؤسس معهد الحرية والديمقراطية فى البيرو في دراسته حجم  الاقتصاد غير الرسمي في مصر بنحو 395 مليار دولار، أي ما يعادل 2.6 تريليون جنيه مصري ، مؤكدًأ على أنه يوجد فى مصر أكثر من 25 مليون عقار المسجل منها 8% فقط، وتبلغ القيمة السوقية لتلك العقارات 295 مليار دولار، أى ما يعادل 2.4 تريليون جنيه مصرى تقريبا، بالإضافة لمخالفات المبانى سواء التوسع الأفقى أو الرأسى على المبانى القائمة أو البناء على الأراضى الزراعية.

القاهرة عاصمة العقارات المخالفة

عدد من العقارات التي إنهارت في الفترة الأخيرة وأغلب الأسباب كانت تصب في دائرة أن المبني غير مطابق للمواصفات الإنشائية أو لوجود عدد من الطوابق المخالفة التي قام بها المقاول والتي تفوق قدرة المبنى على التحمل في ظل غياب لدور الأجهزة الرقابية.

وفي السنوات الأخيرة خاصة إقتحمت “الأبراج” المناطق الشعبية بكثافة في عدد من المحافظات وطبقاً لاحصائية صادرة عن جهاز التفتيش الفني على البناء قُدر عدد العقارات المخالفه في مصر بـ 318 الفا تضم 6.5 مليون وحدة سكنيه بقيمة تقديرية 650 مليار جنيه وذلك خلال الفترة من يناير 2011 وحتي أبريل 2016.

فيما قدر عدد من الخبراء حجم المباني المخالفة بــ 2 مليون و184 ألفا 2011، بالإضافة إلى تدمير 74 ألف فدان من الرقعة الزراعية تم البناء عليها طبقا لتقرير الإدارة المركزية بوزارة الزراعة، الأمر الذي أدى الي إنهيار عد من العقارات في الفترة الأخيرة.

 

وقد تربعت القاهرة على عرش العقارات المخالفة  بمفردها يوجد 304 منطقة غير آمنة، منها 31 منطقة خطيرة يجب هدمها، 186 منطقة خطرة بدرجة أقل، و54 منطقة خطيرة بدرجة ثالثة .

تأتي من بعدها الجيزة في مخالفات البناء، حيث وصل عدد العقارات المخالفة 60 ألف عقار، وبلغ عدد قرارات الإزالة بالمحافظة 588 و52 ألف قرار، تم تنفيذ حوالي 2859 قراراً بنسبة 5.4، ولم يتم تنفيذ 49.729 قرار، بينما وصلت حالات التعدي علي الأراضي الزراعية بالمحافظة 25.723.

 

التعديات حلول الفقراء

مع نهاية عام 2016 إرتفع سعر الدولار بعد قرار تعويم الجنيه، ونتيجة لذلك إرتفعت أسعار العقارات، بسبب ارتفاع سعر مواد البناء بنسبة من 20 إلى 30% الأمر الذي تسبب في حالة من الركود في سوق الإستثمار العقاري المرخص ، فيما لجأ البعض إلى المباني غير المرخصة على الرغم من إرتفاع أسعارها هي الأخرى، إلا أنها تظل أقل من نظيرتها المرخصة بسبب إفتقادها للخدمات الأساسية من ماء وكهرباء –إذ تعتمد على وجود ترخيصات حكومية- التي تميز العقارات المرخصة.

فعلى سبيل المثال في الوقت الذي تراوح فيه سعر متر العقارات بمدينة حلوان من 7 إلى 10 ألالاف جنيه وصل سعر المترإلى 4 الالاف جنيهًا  بضواحي حلوان -أبرز المناطق التي يتواجد بها عدد من العقارات الغير مرخصة بالمدينة- على حد ما ذكره محمد عماد أحد السماسره بتلك المنطقة مؤكدًا على أن التوافد على شراء العقارات بضوحي حلوان أعلى من نظيرها بمدينة حلوان على الرغم من افتقار تلك العقارات للخدمات الحكومية إلا أنها إلى حد ما  في متناول أيدي محدودي الدخل، أما مدينة حلوان فأغلب زبائنها من المستأجرين بسبب إرتفاع سعر المتر.

وإستكمل عماد كلامه إلى أن هناك عدد كبير من المقاولين يقومون بالبناء على أراضي الإستصلاح الزراعي بضواحي حلوان، ومن ثم يتم بيع العقار بسعر أقل من نظيرها المرخصة ، مؤكدا على أن تلك العقارات تشهد إقبالًا من المواطنين.

أما محمد الشرقاوي أحد السماسرة أكد أن عدم وجود المرافق الحكومية بالعقارات الغير مرخصة لا تمثل عائقًا أمام سكان هذه المناطق، حيث أنهم يقومون بالتشارك في تركيب خطوط المرافق على نفقتهم الخاصة ويتعايشوا، وذلك لإمكانية الاستقرار بنفقات أقل، وبعد ذلك ايضًا يقوم احدهم بفتح دكانا صغيرا ليبيع بعض السلع الرئيسية وعلى هذا المنوال تعمر مثل هذه المناطق .

التصالح حل البرلمان أمام حجم المخالفات

مع بداية إبريل /نيسان الجاري قدم المستشار مجدى العجاتى، وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، لوزارة الإسكان مشروع قانون للتصالح مع مخالفات البناء بالإضافة إلى انقضاء كافة الأحكام والدعاوى ضد المخالفين وفرض غرامة تعادل قيمة أعمال البناء عقب موافقة مجلس النواب، ومن المفترض أن يكون قانون التصالح مع المخالفات ضمن القوانين الأولى التى سيناقشها البرلمان، نظرا لأهميته وأنه سيساهم فى ادخال مئات المليارات لخزانة الدولة، وفقًا لتصريحات الوزير مجدي العجاتي.

هذا وقد قدر الخبير الإقتصادي ” سرحان سليمان” في تصريحه لــ” مراسلون” حجم اقتصاد الاستثمار العقاري الغير رسمي في مصر بما يقارب 30 مليار جنيه يتم تداولها والاستفادة منها بعيدا عن الناتج القومي، مؤكدًا أن مشروع قانون التصالح سيساهم في عودة هذه الأموال للمظلة القانونية وبالتالي يتحول الاستثمار العقاري الغير رسمي الى رسمي.

وأضاف سرحان أن الاستثمار العقاري هو الأكثر تربحًأ في مصر وفي ظل تراجع الموارد المالية للدولة ومنها السياحة، وعوائد قناة السويس، والاستثمارات الأجنبية، وغيرها، بسبب الأحوال السياسية التي تشهدها البلاد لذا سيساهم قانون التصالح – في حال الموافقة عليه- في رفع قيمة تلك الموارد، مؤكدا أن المقاولين ينشئون العقارات مخالفة دون خوف او تراجع بسبب أن حجم الغرامات التي تفرض عليهم أقل بكثير من الربح المحقق لبيع تلك العقارات وبالتالي دفعهم للغرامة والتصالح مع الدولة فيما بعد يوفر لهم المجهود والوقت بسبب بيروقراطية التعامل الحكومي مع المواطنين في إستخراج التراخيص.

ولكن يبقى السؤال ماذا عن سلامة أرواح المواطنين الذين يسكنون بتلك العقارات الغير مرخصة؟

 

تصوير: سيد داود واراب