تشير الدراسات الاﻗﺘﺼﺎدية إلى أن اقتصاد اﻟظل في ليبيا ﺑﺪأ ﻣﻊ اﻟﻨﺼﻒ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﺎت وﺗﺰاﻳﺪ ﺧﻼل اﻟﺘﺴﻌﻴﻨﺎت، وأغلب النشاطات الاقتصادية في ليبيا اليوم تعمل بشكل غير مشروع، ولا تخضع للقوانين ولا للتشريعات التي تنظم عملها وتراقبها، ويشكل هذا النوع من الأنشطة جزءاً كبيراُ من الاقتصاد الليبي، نما في ظل ضعف أجهزة الدولة وفشلها في تنفيذ وضبط قواعد النشاطات الاقتصادية، وهو ما مكن مزاولي هذه الأنشطة من العمل بشكل علني.

حول ظاهرة اقتصاد الظل أو “الاقتصاد الخفي” كما سماها مصرف ليبيا المركزي، التي باتت تتداول كثيراً في الفترة الأخيرة كأحد أهم أسباب الأزمة الاقتصادية في ليبيا، أجرى “مراسلون” هذا الحوار مع أستاذ الاقتصاد أحمد الشريف وهو أول محافظ للمصرف المركزي في ليبيا بعد ثورة 2011.

س- ما هو اقتصاد الظل ؟

ج- يعرف اﻗﺘﺼﺎد اﻟظل ﺑﺄﻧﻪ ﻋﺒﺎرة ﻋﻦ أﻧﺸﻄﺔ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﻣﺸﺮوﻋﺔ أو ﻣﺸـﺮوﻋﺔ وﻟﻜﻨـﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺠﻠﺔ رﺳﻤﻴﺎً يتولد عنها دخول لا تندرج ضمن الحسابات القومية للدولة، وتمارس بسرية بعيداً عن السجلات الرسمية بهدف التهرب من سداد الاستحقاقات المترتبة عليها ولا تمتثل للوائح والقوانين والتشريعات.

س- ما هي أشكال السوق الموازية في الاقتصاد الليبي؟

ج- يتمثل اقتصاد الظل في ظهور أسواق موازية للسوق الرسمي، كالمحلات التجارية المخالفة وغير المرخصة والتي لا تدفع ضرائب ولا فواتير كهرباء والتي تم بناؤها بشكل مخالف للتخطيط العمراني كذلك الباعة المتجولون في الأسواق الشعبية وعلى أرصفة الشوارع، وسيارات الأجرة، والمزارعين اﻟذﻳﻦ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﺑﺈﻧﺘﺎج اﻟﺴﻠﻊ في ﻣﺰارﻋﻬﻢ اﻟﺨﺎﺻﺔ وﻻ ﻳﺘﻢ حسابها ضمن اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻰ، والمتاجرة في الممنوعات كالمخدرات، وقيام ﺑﻌﺾ اﻷﻓﺮاد باﺳﺘﻴﺮاد ﺴﻠﻊ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ أﻣﺘﻌﺔ ﺷﺨﺼﻴﺔ دون دفع ﺮﺳﻮم ﺟﻤﺮكية.

بالإضافة للصفقات التي تتم بشكل سري وغير قانوني وبمبالغ كبرى، واستغلال حالة الفوضى والفساد والتلاعب بالتسهيلات والاعتمادات المستهدفة لتوفير السلع بسعر صرف الدولار من المصرف لتغذية سوق العملة الموازي مما يترتب عليه مساهمة اقتصاد اﻟظل ﺑﻨﺴﺒﺔ ﻻ ﻳﺴﺘﻬﺎن ﺑﻬﺎ ﻓﻲ الاﻗﺘﺼﺎد.

كما أن رؤوس الأموال التي تأتي من الخارج من غير الليبيين تمارس أنشطة اقتصادية في السوق دون أن تساهم مدخولاتها في الدخل القومي، حيث يفضل التجار الأجانب القدوم لليبيا لما تمكنه حالة التسيب والتهرب الضريبي وضعف الأجهزة السيادية من تحقيق أرباح دون دفع ضريبة أو مصاريف كهرباء أو أي التزامات رسمية مع الدولة.

إضافة إلى العمالة الأجنبية التي تمارس أنشطة اقتصادية في ليبيا بشكل غير منظم، إذ أن غالبية العاملين في نشاطات اقتصاد الظل هم من غير الليبيين ما يجعلهم معفيين من دفع التزاماتهم تجاه الدولة الليبية من ضرائب، في حين يتقاضى أغلب الليبيين رواتبهم من الخزينة العامة ولا يدفعون ضرائب، ما يثقل كاهل الخزينة العامة ويخفض إيراداتها ليصبح بذلك النفط الممول الوحيد لخزينة الدولة دون أن يكون للعمالة الوطنية تأثير إيجابي على تمويل الميزانية.

س- ما هي أسباب نمو اقتصاد الظل  في ليبيا؟

ج- يُعد تعقد الإجراءات الإدارية وعدم وضوحها أحد أهم أسباب نمو اقتصاد الظل، حيث أنها في مجملها في عهد نظام القذافي قرارات أمنية، ولم توضع وفق خطط وسياسات اقتصادية استراتيجية، كما أن بيروقراطية الإجراءات الإدارية تقف حاجزاً أمام ممارسي النشاط الاقتصادي، فضلاً عن كون اقتصاد ليبيا ليس بالاقتصاد الحر، وسيطرة القطاع العام على الاقتصاد مع انخفاض مستوى دخل الفرد الذي بدوره يدفع الأفراد لممارسة العمل غير الرسمي.

ضعف الهيكل الضريبي وعجز المؤسسات السيادية عن تحصيل الضرائب والجمارك والرسوم المفترض جمعها من النشاط الاقتصادي المحلي يعد سبباً مهماً كذلك، بالإضافة لما وفره الفساد الإداري والمالي من غطاء لنمو الاقتصاد غير الرسمي، في حين أن احتكار الدولة لاستيراد السلع الاستهلاكية الأساسية وسهولة الحصول عليها بطرق غير مشروعة وبيعها في السوق الموازية ساهم في زيادة حجم اقتصاد الظل، كما أدى تخلف وكلاسيكية القطاع المصرفي ومحدودية الخدمات التي توفرها إلى مفاقمة المشكلة وجعل ممارسة النشاطات الاقتصادية غير الرسمية سهلاً.

س- تم إﺻﺪار اﻟﻘﺎﻧﻮن رﻗﻢ (9) ﻟﻌﺎم 1985 بشأن اﻷﺣﻜﺎم اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﺸﺎركيات لفتح اﻟﻤﺠﺎل أﻣﺎم اﻟﻘﻄﺎع اﻷهلي ﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻨﺸﺎط الاقتصادي، كيف أثرت المشروعات الصغرى والمتوسطة على المشهد الاقتصادي؟

ج- من شأن المشروعات الصغرى والمتوسطة الرفع من اقتصاد البلاد لو تم وضع خطة ستراتيجية وسياسات مدروسة تنظم وتسهل العمل الخاص، غير أن البرنامج الوطني للمشروعات الصغرى والمتوسطة التي قامت الدولة بإنشائه لم يتمكن من تحقيق أهدافه بسبب استغلال المواطنين للقروض المالية التي تقدم لهم دون إنشاء مشاريع، وبذلك ﺳﺎهمت ﺑﻌﺾ اﻟﻘﺮارات اﻟﺘﻲ كانت ﺗﻨﺺ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻳﻢ اﻟﺘﻤﻮﻳﻞ اللازم ﻟﻸﻓﺮاد اﻟﺮاﻏﺒﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺘﺤﻮل ﻟﻺﻧﺘﺎج وﺣﻞ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻋﻦ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ ﻧﻤﻮ اﻗﺘﺼﺎد اﻟظل ﻓﻲ الاﻗﺘﺼﺎد اﻟﻠﻴﺒﻲ .

كما أن تعامل المشاريع الصغرى والمتوسطة بالنقود السائلة سهل قيام تلك المشاريع بالتهرب الضريبي مساهمةً بدورها في اقتصاد الظل بدلاً من دعمها الاقتصاد الوطني، وأدت لرفع معدلات البطالة بدلاً من تخفيضها.

واﻟﺴﻴﺎﺳﺎت والقوانين اﻟﺘﻲ وضعت للحد من دور اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻌﺎم وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻘﻄﺎع الخاص لم تكن واضحة واتسمت بالتعقيد الذي تمثل في إجراءات الحصول على تراخيص مزاولة العمل الخاص حيث أن هذه الإجراءات تمر عبر جهات مختلفة عديدة متسببة في إهدار الوقت والجهد، بالإضافة لتسبب الفساد الإداري والمالي في الأجهزة الحكومية للدولة في إرباك بيئة الأعمال والصناعات. ما ساهم في خلق اقتصاد غير رسمي ومشاريع ونشاطات غير مسجلة أدت لتنامي اﻗﺘﺼﺎد اﻟظل، ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺗﺠﻨﺐ هذه اﻟﻘﻴﻮد بممارسة أﻧﺸﻄﺔ غير قانونية.

س- كيف تُجمل الآثار السلبية الناجمة عن نمو اقتصاد الظل؟

ج- ﺗﺘﻤﺜﻞ اﻵﺛﺎر اﻟﺴﻠﺒﻴﺔ اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﻇﺎهرة اﻗﺘﺼﺎد اﻟظل في ﻓﻘﺪان ﺣﺼﻴﻠﺔ اﻟﻀﺮاﺋﺐ كما أن اﺗﺴﺎع رﻗﻌﺔ هذا الاﻗﺘﺼﺎد ﻗﺪ ﺗﺆدي إﻟﻰ ﻋﺮﻗﻠﺔ ﺗﻨﻔﻴﺬ اﻟﺴﻴﺎﺳﺎت الاﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻼد، بسبب وجود جزء من العائدات والعمالة والنشاطات الاقتصادية لا يتم احتسابها بسبب عملها بشكل غير رسمي ودون أن تدون في سجلات الدولة، ما ﻳﺆﺛﺮ بدوره ﻋﻠﻰ اﻷداء الاﻗﺘﺼﺎدي، ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻜﻔﺎءة الاﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ ﺗﻮزﻳﻊ وﺗﺨﺼﻴﺺ اﻟﻤﻮارد الاﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ.

س- ما هي الحلول برأيك؟

ج- وضع استراتيجيات وسياسات اقتصادية مدروسة تدعم الاقتصاد الحر وتسمح بممارسة العمل الخاص بمرونة، وتنفيذ التشريعات والقوانين المتعلقة بممارسة النشاطات الاقتصادية وتسهيل منح التراخيص وأذونات المزاولة ودعم الأجهزة الرقابية والضبطية، وتطوير القطاع المصرفي ليقدم خدمات تمكن أصحاب المشاريع والمستثمرين من ممارسة نشاطاتهم بيسر.