ليبيا مكانٌ مثاليٌ رغم الفوضى ليتجمع فيه المهاجرون غير النظاميون في انتظار عبورهم البحر المتوسط باتجاه شواطئ أوروبا، المقابلة للساحل الليبي الذي يمتد بطول 1800 كيلومتر، والذي لايبعد ساحله الغربي سوى 300 كلم عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تمثل المقصد المفضَّل للمهاجرين المخاطرين بحياتهم.

ثم إن لليبيا حدوداً بريّة بطول 6000 كيلومتر مع ستة دول هي مصر والسودان والنيجر وتشاد والجزائر وتونس، حيث يتدفق أغلب المهاجرين من أفريقيا السوداء عبر الحدود الصحراوية، وتحديداً عبر تشاد والنيجر والسودان.

ليبيا مكانٌ مثاليٌ رغم الفوضى ليتجمع فيه المهاجرون غير النظاميون في انتظار عبورهم البحر المتوسط باتجاه شواطئ أوروبا، المقابلة للساحل الليبي الذي يمتد بطول 1800 كيلومتر، والذي لايبعد ساحله الغربي سوى 300 كلم عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تمثل المقصد المفضَّل للمهاجرين المخاطرين بحياتهم.

ثم إن لليبيا حدوداً بريّة بطول 6000 كيلومتر مع ستة دول هي مصر والسودان والنيجر وتشاد والجزائر وتونس، حيث يتدفق أغلب المهاجرين من أفريقيا السوداء عبر الحدود الصحراوية، وتحديداً عبر تشاد والنيجر والسودان.

في عهد حكم القذافي كانت مسألة الهجرة غير النظامية تحت سيطرة النظام ذي القبضة الأمنية الصارمة متحكماً فيها إلى حد كبير. وكان الديكتاتور الليبي يستخدمها كورقة ضغط لابتزاز الحكومات الأوروبية كي تتعاون معه وتقبل بشرعية نظامه، لا سيما بعد تسوية قضية لوكربي ورفع الحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية عن ليبيا العام 2003.

قام نظام القذافي بدور فعّال كخفر لسواحل أوروبا الأمر الذي أدى إلى تناقص أعداد المهاجرين غير النظاميين بشكل كبير، حيث لم يتمكن سوى 234 مهاجراً من عبور البحر الليبي طيلة عام 2010. وقد استغل القذافي الأمر لرفع وتيرة ابتزازه الاقتصادي لأوروبا مهدداً بتحويلها من قارة بيضاء إلى سوداء – حسب تعبيره – ما لم يدفع الاتحاد الأوروبي خمسة مليارات يورو سنوياً لبلاده لتطوير قوة حرس السواحل وإنشاء هيئة خاصة بشؤون المهاجرين تُعنى بإقامة المخيمات وتوفير المستلزمات المعيشية لهم.

وفي العام 2011 أثناء أحداث انتفاضة 17 فبراير وتدخل الناتو لنصرة الثوار المسلحين أطلق القذافي العنان لقوارب الهجرة غير النظامية كسلاح للضغط على الدول الأوروبية كي تُوقف مشاركتها في عمليات الناتو. فتدفق على جزيرة لامبيدوزا الإيطالية أكثر من ثلاثين ألف مهاجر في الفترة ما بين فبراير وأبريل العام 2011 قضى منهم قرابة الألف غرقاً.

وإذا كان الديكتاتور الليبي قد أستخدم قضية المهاجرين غير النظاميين كسلاح للابتزاز السياسي بالدرجة الأولى فإن الوضع قد انقلب بعد سقوطه، حيث تحول المهاجرون إلى سلعة تجارية يتداولها مهربون قساة وصفهم وزير خارجية إيطاليا باولو جينتيلوني بـ” تجار الرقيق في القرن الحادي والعشرين”. ووصفه دقيق إلى حد كبير.

فبعد انهيار مؤسسات نظام القذافي الأمنية والعسكرية حلت بدلها مليشيات جهوية وقبلية وبعضها إرهابية تحالفت مع عصابات تهريب المهاجرين كمصدر لكسب المال والإثراء السريع والسهل، حيث تتراوح العائدات المالية السنوية لاقتصاد الهجرة السرّية ما بين 500 إلى 1000 مليون دولار أميركي. يُقال أن ثلثها تقريباً يذهب إلى تنظيمات جهادية متطرفة.

واقتصاد المتاجرة بالبشر هذا يُدار بدون وازع من ضمير في ظل انعدام الأمن وشيوع حالة الإفلات من العقاب نظراً لعدم التمكّن القانوني الفعلي من توقيف المتهمين وإخضاعهم للتحقيق ومحاكمتهم والحكم عليهم بالعقوبات المناسبة في حال إثبات التهم عليهم.

عكس ذلك يجري تواطؤ مفضوح بين المهربين وجهات أمنية تُعنى بمكافحة الهجرة غير النظامية والإشراف على مراكز الإيواء. فأغلب أفراد هذه الجهات الشرطية والعدلية تتبع بشكل أو آخر المليشيات التي يملك بعضها مراكز احتجاز خاصة بها للمهاجرين. مراكز هي في الواقع مستودعات لبيع البشر إلى مهربي القوارب.

وحيث باتت حالة الإفلات من العقاب قاعدة عامة مقبولة أصبحت الممارسات غير الإنسانية التي يتعرض لها المهاجرون من انتهاكات وتجاوزات خطيرة لحقوق الإنسان شائعة جداً في ظل تقاعس المنظمات الحقوقية المحلية وصمت الوسائل الإعلامية وبالتالي لامبالاة الرأي العام.

وحسب تقرير للأمم المتحدة فإن المهاجرين غير الشرعيين المُتاجر بهم في ليبيا يواجهون “التعذيب والعمل الجبري والاستغلال الجنسي على طول الطريق وأيضاً أثناء احتجاز العديد منهم بشكل تعسفي”. وحسب معلومات جرى جمعها، داخل ليبيا ومن خلال مقابلات مع المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا من ليبيا، يقوم جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية باحتجاز المهاجرين في مراكز إيواء “أشبه بمعسكرات اعتقال تعسفية”، يديرها دون تسجيل رسمي أو إتباع إجراءات قانونية وانعدام إمكانية وصول المتحجزين إلى محاميين أو سلطات قضائية.

وفي تلك المراكز يقاسي المحتجزون، حسب تقرير الأمم المتحدة، من الاكتظاظ الشديد ومن نقص الغذاء والمياه الصالحة للشرب ويجبرون على التبرز والتبول في زنزاناتهم ويعانون من أمراض سوء التغذية والإسهال المزمن ومشاكل الجهاز التنفسي والأمراض المعدية كالجرب والجدري.

ولا تبدأ ملحمة عذاب بؤساء الهجرة السرية في مراكز الإيواء، وإنما منذ دخولهم الأراضي الليبية في أقاصي الصحراء حيث يقوم المهرِّبون باحتجازهم في “أماكن إيواء مؤقتة” يُسخّرونهم أثناءها للعمل مقابل أجرة بخيسة. وتكون النساء عرضة في كثير من الحالات للاغتصاب في نقاط الاحتجاز المؤقت.

يُنقل المهاجرون في رحلتهم المرعبة من أجل الوصول إلى شواطئ أوروبا (إيطاليا تحديداً) من مناطق تجمعهم في أقصى الجنوب الليبي (الكفرة وسبها على الخصوص) متنقلين من مهرِّب إلى آخر حسب تخصص كل مهرِّب إلى أن يُحشروا في قوارب بأضعاف ما هو مقرر لحمولتها.

وكونهم سلعة في نظر المهرِّبين فإن حياتهم لا معنى لها. فقد يتم التخلي عنهم في الصحراء بعد الاستيلاء على أموالهم وتركهم ضالين في الصحراء الشاسعة عرضة للموت عطشاً أو يمنحون قوراب مطاطية وسفن خشبية متهالكة تُستخدَم لمرة واحدة كانت وراء موت قرابة عشرة آلاف ضحية غرقاً في الفترة ما بين 2010 و2016، فإلى متى تستمر أوديسا العذاب والموت هذه؟!.

أوروبا الرسمية غير معنية عملياً بحلول جذرية فهي مستمرة في سياسة رمي القضية على الشاطئ الآخر. وهي متشبثة بحكومة المجلس الرئاسي الليبي كي يسعفها في “توطين” المهاجرين غير النظاميين على الساحل الليبي ضمن اتفاق أمني يقوم على دعم خفر السواحل الليبية ويدعي الرغبة في تحسين أوضاع المهاجرين المحتجزين في مراكز الإيواء. ولا تريد أوروبا الرسمية أن تقر بحقيقة أن المجلس الرئاسي الذي تعول عليه عاجز عن “توطين” نفسه كنظام سياسي في العاصمة الليبية.