يطلب الشاب وليد السعيدي من مخاطبيه أن يقتربوا منه أكثر فقد أصبح ضعيف السمع جراء العمل لسنوات بإحدى مراكز النداء التي تتطلب استعمال الهاتف طويلا.

حينما قرر العمل قبل عشر سنوات بإحدى هذه المراكز التي تشغل آلاف من حاملي الشهادات كانت غايته الحصول على وثائق تثبت أنه يعمل من أجل الهجرة إلى كندا.

لكن الرياح جرت بما لا يشتهي فتبخرت أحلامه بالهجرة وبقي عالقا في العمل بمركز النداء رغم أن لديه شهادة في الإعلامية “فالعمل في مجال تخصصي أصبح صعبا جدا” يقول.

يطلب الشاب وليد السعيدي من مخاطبيه أن يقتربوا منه أكثر فقد أصبح ضعيف السمع جراء العمل لسنوات بإحدى مراكز النداء التي تتطلب استعمال الهاتف طويلا.

حينما قرر العمل قبل عشر سنوات بإحدى هذه المراكز التي تشغل آلاف من حاملي الشهادات كانت غايته الحصول على وثائق تثبت أنه يعمل من أجل الهجرة إلى كندا.

لكن الرياح جرت بما لا يشتهي فتبخرت أحلامه بالهجرة وبقي عالقا في العمل بمركز النداء رغم أن لديه شهادة في الإعلامية “فالعمل في مجال تخصصي أصبح صعبا جدا” يقول.

عمل وليد مرشد حرفاء بواحدة من أكبر مراكز النداء الأجنبية في تونس. ويقتضي عمله التواصل مع حرفاء أجانب عبر الهاتف لمدة قد تناهز العشر ساعات يوميا.

نقص بالسمع

لكن هذا العمل سبب له نقصا حادا في السمع ازداد عبر الوقت. وقبل خمس سنوات اكتشف هذا الشاب بعد إجراء فحوصات أن لديه عجزا بالسمع بنسبة 45 بالمائة.  

يقول لمراسلون “لم أعد قادرا على العمل وأصبح كل ما يهمني هو تركيب آلة حتى أسمع كبقية البشر خاصة أن الطبيب حذرني من تواصل تراجع قدرتي على السمع إن لم أنقذ نفسي”.

يناهز ثمن تلك الآلة المضخمة للسمع نحو ألف دولار وبما أنه لا يملك ذلك المبلغ طلب من المؤسسة التي تشغله أن تتكفل بمصاريف العلاج “لكنها رفضت”.

تعكر صفو علاقة هذا الشاب الذي لم يقدر على مصاريف العلاج بمؤسسته ولكن أيضا بزوجته وأطفاله وأهله وأصدقائه بسبب إصابته بحالة من التوتر والاكتئاب جراء فقدانه جزءا هاما من السمع.  

اضطرابات نفسية

وهذا المثال ليس سوى واحد من حالات شبان آخرين يعانون من نفس الإشكال ولكن رغم ذلك يواصلون بعضهم العمل بمراكز النداء رغم أن أطباء حذروا من خطر ذلك.

يسرى البرهومي هي أحد الشابات اللاتي يعانين من اضطرابات نفسية بسبب العمل في مراكز النداء جعلتها تخضع لراحة مرضية دامت ستة أشهر بحسب توصية طبيبها.

ومعاناتها لا تتوقف عند هذا الحد فقد أصيبت بآلام حادة على مستوى العمود الفقري وأصبحت تعاني أوجاعا مزمنة على مستوى الظهر نتيجة الجلوس طويلا على الكرسي أمام الحاسوب بمعدل عشر ساعات في اليوم.

بسبب ذلك مكنتها الإدارة من العمل 6 ساعات يوميا لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع. لكن مسؤولا حاول إجبارها على العمل لفترة كاملة مثل زملائها رغم استظهارها بشهادة من الطبيب. فما كان منها إلا رفعت قضية في المحاكم انتهت بالحكم لصالحها.

ويسرى المتحصلة على شهادة في الإعلامية دخلت تجربة مراكز النداء منذ 14 عاما قضت نصف فترتها بين العمل والمرض وأروقة المحاكم التي أنصفتها لتعرضها لضررها مادي لطن قيمة المبلغ كان هزيلا. “لقد تم تعويضي بأقل من عشرة آلاف دينار (5 آلاف دولار)” تقول باستياء.

نظرا لصعوبة العمل في مجال اختصاصها عادت يسرى رغم إصابتها للعمل مرة أخرى في إحدى مراكز نداء حيث تقاضت بعد ثلاثة أشهر من العمل أجرا قيمته 150 دينارا (75 دولارا) حينها قررت مغادرة هذا المجال نهائيا، كما تقول.

وبينما تخلت هي عن هذا العمل تدفع الظروف الاجتماعية الصعبة الآلاف من الشباب للالتحاق بمركز النداء رغم أنها تمنح أجورا ضعيفة قد تصل إلى أقل من 500 دينار شهريا (250 دولار).

طرد تعسفي

وتشغل مراكز النداء بين 16 ألف و20 ألف شاب في وقت يبلغ فيه عدد المعطلين في تونس نحو 700 ألف معطل بينهم نحو 250 ألف من حاملي الشهادات العليا.

ويتجاوز عدد مراكز النداء في تونس إلى أكثر من مائة بعضها يعمل خارج إطار القانون.

ومع أنها تبقى الوجهة الفضلة لخريجيالب الجامعات فإن مراكز النداء تعتبر مجالا للعمل الهش نظرا لتشكي الكثير من العاملين بها إلى تعرضهم للطرد التعسفي.

تقول هاجر محامية تونسية لمراسلون إن أبرز القضايا المرفوعة ضد مراكز النداء تتعلق بقضايا الطرد التعسفي، مؤكدة أن القائمين على مراكز النداء عادة ما يتذرعون بحيل مختلفة لتسريح العمال مثل “انتهاء فترة تجربتهم”.

وسردت تفاصيل قضايا شابات طردن من مركز نداء وحين أرادت المحكمة استدعاء المتهم لم تجد له عنوانا فقد أغلق مركز النداء ولم يعثر له على أثر، وفق قولها.

مخاطر صحية

من جهة أخرى يقول عبد المجيد بن جماعة رئيس قسم طب الشغل بمستشفى الرابطة بالعاصمة إن “شركات مراكز النداء العالمية تختار الاستقرار في تونس لانخفاض قيمة يد العاملة وأيضا لوجود ثغرات في قانون الشغل”.

ويبين الدكتور بن جماعة أن الأمراض النفسية المتأتي من طبيعة عمل مرشد الحرفاء تتمثل في قضائه لساعات طويلة على تواصل بالهاتف مع حرفاء عادة ما تكون العلاقة بينهم متوترة سواء في صورة اتصل بهم ليعرض عليهم بضاعة أو خدمة أو تلقى منهم مكالمة. هذا إضافة إلى الرقابة المتواصلة على مرشد الحرفاء التي تجعل العامل تحت الضغط النفسي.

وفيما يخص نقص السمع يوضح أن “الضوضاء الموجودة داخل فضاء العمل تجبر مرشد الحرفاء على الرفع من صوت السماعة والرفع من صوته أيضا وهذا الضجيج يفوق عادة 70 ديسبال وهو ما قد يؤدي إلى نقص في السمع يصل حد الصمم المهني. هذا إضافة إلى الرنين المتواصل في الأذنين جراء استعمال السماعات”.