المؤكد أن المشهد الإعلامي المصري على وشك تغير جذري ولا يمكن بحال تخيل ما الذي ستكون عليه الأمور في الفترة المقبلة، بالطبع باستثناء أن الدولة بأجهزتها المختلفة أصبحت بحكم القانون المؤسسي، الذي تم تمريره مؤخرا من مجلس النواب بأغلبية الثلثين، لاعبا أساسيا، هي الآن، وعبر الهيئات الثلاث التي نص القانون على إنشائها، من يضع القواعد ومن يطبقها، فيما تم تهميش إلى حد شبه كامل دور نقابة الصحفيين، والمجتمع.

القانون قبل مروره دارت حوله معركة بين طرفين أساسين، وسببها الأساسي أنه منذ البداية تم الاتفاق على قانون موحد يشمل الهيئات وتأسيسها، وقانون الصحافة نفسه، غير أن الحكومة خالفت الاتفاق وتقدمت بقانون الهيئات فقط، استنادا كما تقول على فتوى من مجلس الدولة تقضي بضرورة الفصل، وتشكيل الهيئات الثلاث أولا ثم “يتم وضع القوانين المنظمة لشئون الصحافة ووسائل الإعلام، حتى يمكن عرض هذه القوانين على تلك الأجهزة لتبدى رأيها فيها وفقاً للدستور، لا سيما أنه لا يوجد فراغ تشريعى فى شئون الصحافة والإعلام المنظمة بقانونين قائمين”. وهذا جوهر وجهة النظر التي تبناها مجلس النواب وصحفيون عرف عنهم الانحياز لوجهات النظر الرسمية.

استند الطرف الآخر، المكون من المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين، على أن هذا التقسيم يعني نية الحكومة تجميد قانون الصحافة، ولدى هذا الفريق من الحجج ما ينسف الادعاء الحكومي بأن مجلس الدولة هو من ألزمها بهذا التصرف، صلاح عيسى يذكر مثلا بوقائع مؤتمر صحفى عقده المستشار أحمد أبوالعزم، رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة، حول مشروعات القوانين التى انتهى القسم من مراجعتها، والذي: “نفى خلاله وبشكل قاطع أن يكون مجلس الدولة قد أوصى بتقسيم «قانون الإعلام الموحد» أو أوصى بإصداره مجزأً إلى ثلاثة أو أربعة قوانين”.

لكن على أي حال، بعيدا عن تلك التفصيلة التي بدا فيما بعد أنها ليست الأساسية على الإطلاق بمقدار السيطرة الرسمية التي منحها القانون للدولة على تشكيل المؤسسات الثلاث.. يأتي القانون المؤسسي لتلبية ما نص عليه الدستور في المواد 211 و212 و213 التى ألزمت بتأسيس:

 “المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”.

 “الهيئة الوطنية للصحافة”.

 “الهيئة الوطنية للإعلام”.

ولكل جهة من تلك اختصاص محدد، المجلس الأعلى وكما يبدو من اسمه ومن نصوص القانون المؤسسة له ستكون له الهيمنة على المجال الإعلامي بداية من إبداء رأيه في قوانين الإعلام ومنح التراخيص و”وضع وتطبيق الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بأصول المهنة وأخلاقياتها”، هذا المجلس المهيمن له أيضا صلاحيات تحريك الدعاوى القضائية بشأن أيّة مخالفة لأحكام قانونه، أو إذا رصدت لجنة تقويم المحتوى انتهاكًا من أية مؤسسة صحفية أو إعلامية للقواعد والمعايير المهنية والأعراف المكتوبة “الأكواد”. وغير ذلك من مهام وصلاحيات واسعة.

مؤسسات الصحافة القومية أصبح لها هيئة خاصة بها وهي “الهيئة الوطنية للصحافة”، والتي ينتظرها ملف متخم بالخسائر والترهلات الإدارية، ووضع لا يقل وعورة عن الصحف القومية ستواجهه “الهيئة الوطنية للإعلام التي آل إليها ملف “ماسبيرو”.

نقابة الصحفيين تخسر

الرافضون (النقابة والمجلس الأعلى للصحافة) الذين لم يقتنعوا بفصل القانون الذي وضعته اللجنة الوطنية لوضع التشريعات الصحفية والإعلامية وكان هناك توافق حوله، إلى قانونين، يؤكدون نية الحكومة تجميد قانون الصحافة، وبرهانهم السيناريو الذي جرى مع مشروع قانون إلغاء حبس الصحفيين في قضايا النشر الذي تقدمت به لجنة الخمسين مع مشروع قانون اﻹعلام الموحد، وجرى نسيانه، وبتعبير صلاح عيسى “دخل ثلاجة المستشار العجاتي” ( مجدي العجاتي وزير الدولة للشؤون القانونية ومجلس النواب)

إلى جانب هذا فبالنسبة للرافضين لا يعني إهمال قانون الصحافة، إلا بقاء الأوضاع الصحفية المتدهورة على ما عليه، فهكذا كل ما حدث أننا استبدلنا الهيئات بأخرى وتبقى الصورة على حالها.

وعلى هذا انسحبت الكتلة الرافضة ولم تحضر اجتماع مناقشة القانون في الجلسة المخصصة لذلك في البرلمان.

الرد البرلماني تمثل في مؤتمر صحفي عقده أسامة هيكل (رئيس لجنة الثقافة والإعلام بالبرلمان) نفى فيه المخاوف السابقة مؤكدا على استحداث مادة فى مشروع القانون توجب على المجلس والهيئتين الجدد إبداء الرأي فى التشريعات الإعلامية خلال شهر من تشكيلها، ما يعني إلزامها بمناقشة قانون الصحافة، كما أكد أن القانون لن يتضمن أي عقوبات سالبة للحرية.

ليس هناك على وجه اليقين تصور ما يمكن بناء عليه تفهم موقف نقابة الصحفيين من التفاوض حول قانون المؤسسات ذلك، موقف رآه الكثيرون منتميا لثقافة وتقاليد قديمة ولم يسفر إلا أنه حرم جموع الصحفيين والعاملين بالمهنة من أن يكون هناك ممثل رسمي عن وجهة نظرهم، أما المذهل حقا فإنه بعد هذا الانسحاب العنتري، وبعد الموافقة على القانون في البرلمان، وتم رفعه إلى مجلس الدولة، وهو إجراء شكلي تقريبا قبل التصديق عليه نهائيا من رئيس الجمهورية، صحت لجنة التشريعات بنقابة الصحفيين فجأة وأصدرت بيانا أكدت فيه على نقاط أخطر بكثير من مسألة تقسيم القانون الأصلي إلى قانونين، حيث رصدت في التعديلات التي تمت على القانون الأصلي عوارا يصل إلى “النيل من فلسفة المشروع الرئيسية القائمة على الحرية والمسئولية والاستقلال، وتحرير الصحافة والإعلام من هيمنة السلطة التنفيذية، تنفيذًا لروح الدستور الحالى، وذلك من خلال سيطرة السلطة التنفيذية على الإعلام عبر ما نصت عليه من مواد تمنح رئيس الجمهورية الحق فى تعيين ما يقرب من ربع أعضاء المجلس والهيئتين، بخلاف بقية ممثلى الحكومة والسلطة التنفيذية”.

وبقية البنود التي ذكرها بيان لجنة التشريعات بالنقابة مهمة بالفعل وكان لا بد من عرضها مسبقا وفتح باب النقاش حولها، غير أن الوقت قد فات على ذلك ولا أظن أن البرلمان سيلتفت إلى “الأمل” الذي أبدته لجنة التشريعات في بيانها “بإعادة فتح باب المناقشة حول المشروع، والاستماع إلى وجهات نظر والملاحظات الجوهرية لممثلى الجماعة الصحفية والإعلامية، بعد عودة المشروع من مجلس الدولة إلى البرلمان مرة أخرى، وقبل إقراره بصورة نهائية، حرصا على صدور القانون متماشيا مع الدستور، وبما يليق بمستقبل الإعلام المصرى الوطنى والمسئول الذى ننشده جميعًا”!

مستقبل الصحفي

بقليل من الاكتراث استقبل الصحفيون الجدل حول القانون المؤسسي والخلاف حوله، ربما لانه لم يتسع الوقت لأحد للاطلاع عليه والقراءة حوله، لم تستطلع جهة ما رأيهم، لهذا بقى الخلاف على القمة فقط بين المؤسسات والمتبنون لوجهات نظرها، بالنسبة للصحفي لا شئ سوى تغير مسميات الجهات، ذهب إلى غير رجعة “المجلس الأعلى للصحافة”، ومعه “اتحاد الإذاعة والتليفزيون”، لكنه في الحقيقة تغير ليس بالهين، الجهتان تحكمتا عبر عقود في تسيير شؤون الصحافة والإعلام في مصر إلى أن وصلا بها لمرحلة الجمود التام، وبجانبهما يبدو في الأفق أن مساحة السطوة والتأثير الذين كانت تتمتع بهما نقابة الصحفيين في طريقها للتقلص.. هذا القانون سيضمن لها التراجع إلى الظل.

ويبدو، إن جاز هذا التقسيم، أن الصحفيين الإلكترونيين أكثر اهتماما بالقانون من رفاقهم في الصحف الورقية، بالطبع لأنه من مهام هذا القانون الأساسية تقنين مجال عمل الصحافة الإلكترونية، لن يكون الأمر سهلا كالسابق، لا يكفي أن تحجز موقعا على الشبكة لتطلق مشروعك، الآن لا بد من سؤال المجلس عن تصريح، وهذا بدوره يتطلب تأسيس شركة برأسمال لا يقل عن نصف مليون جنيه، وربما بعد هذا لا تنال الموافقة، لا شئ مضمون. هل نعتبر هذا تقييدا أم تنظيما؟ هذا أيضا محل جدل، لكن هذه المرة كان البرلمان والنقابة والمجلس في جهة واحدة، ترى معظم الآراء من داخلها أن ذلك ضروري لضمان الجدية والحفاظ على حقوق العاملين، بينما لا يرى معظم المهتمين بهذا المجال في تلك الاشتراطات إلا وسيلة للتضييق وإغلاق المجال العام، خاصة مع المبلغ المالي الكبير نسبيا المطلوب.

كل تلك أجزاء من المشهد المعقد المقبل، لكن يبقى الأهم منها أن دخول رجال الدولة بقوة إلى المشهد الإعلامي يطرح مجموعة من الأسئلة إجاباتها مؤجلة إلى نهايات 2017 (ينص القانون على قيام المؤسسات الثلاث خلال عام من صدوره):

من الشخصيات التي ستقود تلك المؤسسات في مرحلتها الأولى، اؤلئك الذين سيقع على عاتقهم مهمة تفسير القانون من خلال اللوائح المنظمة، والتي ستسير عمل تلك المؤسسات خلال الأعوام المقبلة، وترسم بشكل أساسي ملامح للمشهد الإعلامي والصحفي المطلوب؟

هل يتمكن الإعلام المصري من التعامل مع هذه التغيرات الجوهرية، هل ستكون له القدرة على المنافسة خاصة مع التحديات الاقتصادية الضخمة التي تواجه مؤسساته؟

هل لدى الدولة نية لإصلاح الأوضاع الصحفية بالفعل وعلى رأسها ملف أجور الصحفيين المعلق منذ عصر مبارك؟

كيف يمكن للمجلس الوطني للإعلام التوفيق بين مقولات مطاطة ورد ذكرها في القانون المؤسس له على شاكلة “الهوية المصرية”، “الأمن الوطني”، وبين رسالة الصحافة والإعلام والتي شرطها ضمان حق الصحفي في الحصول على المعلومات ومن ثم عرضها بحرية على الجمهور؟