في الأول من يناير 2016 كان يمكنك شراء الدولار الأمريكي في القاهرة بـ 7.808 جنيهًا مصريًا، وكل ما كنت تحتاجه بحسب بيانات البنك المركزي المصري هو تذكرة سفر للخارج لتتمكن من شراء ما لا يزيد عن ألف دولار أمريكي. وكانت بعض البنوك كانت توفر نصف هذا المبلغ فقط ويطلب منك موظف البنك صورة من تأشيرة السفر. أما إذا كُنت بحاجة لدولارات أكثر فتلجأ للسوق الموازية التي وصل سعر الدولار الأمريكي فيها إلى 8.65 جنيهًا بفارق لم يتعد الجنيه الواحد.

في الأول من يناير 2016 كان يمكنك شراء الدولار الأمريكي في القاهرة بـ 7.808 جنيهًا مصريًا، وكل ما كنت تحتاجه بحسب بيانات البنك المركزي المصري هو تذكرة سفر للخارج لتتمكن من شراء ما لا يزيد عن ألف دولار أمريكي. وكانت بعض البنوك كانت توفر نصف هذا المبلغ فقط ويطلب منك موظف البنك صورة من تأشيرة السفر. أما إذا كُنت بحاجة لدولارات أكثر فتلجأ للسوق الموازية التي وصل سعر الدولار الأمريكي فيها إلى 8.65 جنيهًا بفارق لم يتعد الجنيه الواحد.

لكن خلال العام الجاري تعرّض السوق النقدي المصري لعديد من الأزمات فاتسع الفارق بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق الموازية مع مزيد من حظر السحب بالداخل والخارج بالعملة الأجنبية وانخفاض لاحتياطي النقد الأجنبي.

في تلك الأثناء كانت البنوك المصرية بالتنسيق مع الحكومة ملتزمة بتوفير حصص من احتياجات الشركات العاملة بسوق الأدوية، وفقا للسعر الرسمي الذي يعلنه البنك المركزي، بحسب رئيس إحدى الشركات المحلية العاملة في مصر، حتى جاء تعويم الجنيه المصري في نوفمبر الماضي، وأصبح على الشركات توفير احتياجاتها وفقًا للوضع الجديد بأسعار محكومة بالعرض والطلب على الدولار الأمريكي، والذي تخطى سعره حاجز الـ18 جنيهًا، بزيادة قدرها 100%.

في مايو الماضي أقرت وزارة الصحة المصرية زيادة في أسعار الدواء بنسبة 20% بهدف تحريك أسعار الدواء، على الأدوية أقل من 30 جنيهًا، بحد أقصى 6 جنيهات للعبوة الواحدة بما تحتويه من شرائط طبقًا للفقرة التوضيحية التي أضافها مجلس الوزراء، ونشرت وزارة الصحة قائمة تضم قرابة 4430 صنفًا دوائيًا، وسعر كل وحدة قبل الزيادة وبعدها وسعر كل عبوة بعد الزيادة.

الزيادة كانت بغرض تحريك سوق الدواء المصري، وكان مردودها على الصناعات الدوائية 9% للأدوية ما دون 30 جنيهاً، بحسب مازن دروزة، الرئيس التنفيذي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى أدوية “الحكمة”، فيما بقيت الأدوية فوق الـ30 جنيهًا على حالها دون زيادة.

بدأ تنفيذ تلك الزيادة فورًا بعد إعلانها على لسان وزير الصحة الدكتور أحمد عماد، في مؤتمر صحفي بمجلس الوزراء في 16 مايو 2016، بالتزامن مع اختفاء أكثر من 120 عقارًا مهما لعلاج أمراض الأورام والقلب ومرضى السكري، بحسب المركز المصري للحق في الدواء، الذي رصد تلاعب عددًا من شركات التوزيع بأسعار الدواء بزيادات أكبر من المقررة؛ فبعض الأدوية ارتفعت من 75 قرش إلى 275 قرش، وأخر من 25 جنيه إلى 65 جنيه، وصنف من 18 جنيه إلى 30 جنيه، وعقار من 24 جنيه للعلبة لتصبح 44 جنيها، وفقًا للحق في الدواء.

أزمة الدواء من قلب أزمة الدولار

فيما تواجه الأسواق المصرية عدة أزمات نقدية جراء انخفاض الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية ما يؤثر على قدرة الشركات على الاستيراد، مع صعوبة الحصول على احتياجاتهم من الدولار عبر البنوك، كان البنك المركزي يزود السوق المصرية بالعملات الصعبة عبر عطاءات أسبوعية يخصص جزءًا منها للسلع الأساسية مثل الأدوية.

يبلغ نصيب الشركات متعددة الجنسيات مثل “نوفارتس” و”فايزر” و”جلاكسو” و”سانوفي” نحو 40% من سوق الأدوية المحلية في مصر، فيما يبلغ نصيب الشركات المحلية 60%، تستورد المواد الخام للأدوية بالدولار، والأجنبية منها تحتسب أرباحها التي توّردها للخارج بالدولار. ما بين بداية السنة ونهايتها تضاعفت قيمة الدولار أمام الجنيه من تسعة جنيهات للدولار حتى 18 جنيهًا بعد التعويم، وبالتالي انخفضت قيمة أرباح شركات الأدوية الأجنبية للنصف، عند تحويلها بالدولار للشركات الأم بالخارج، فيما ارتفعت تكلفة المواد الفعالة والأدوية المصنعة المستوردة إلى الضعف، وبخاصة إن “مصر تستورد أدوية مصنعة بنحو 600 مليون دولار، ومواد فعالة لإنتاج الأدوية بنحو 1.8 مليار دولار كل عام” بحسب أحمد العزبي رئيس شعبة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصرية في تصريح لرويترز.

الفجوة الضخمة التي صنعها تعويم الجنيه في 3 نوفمبر 2016 دفعت الشركات لإجراء مباحثات مع وزارة الصحة المصرية حول إمكانية إعادة بعض الأسعار إلى مستواها بالقيمة الدولارية قبل تعويم الجنيه لضمان استمرار إمدادات الأدوية بالغة الأهمية، ومن ناحية أخرى توقفت الشركات بشكل غير رسمي عن إمداد شركات التوزيع بالأدوية في انتظار رفع أسعارها، من جانبها امتنعت شركات التوزيع عن توريد طلبيات الصيدليات لعدد من الأدوية في انتظار التسعيرة الجديدة للأدوية، ما صنع حالة “نواقص الأدوية” في الصيدليات وسوق سوداء للأدوية في الصيدليات الكبرى.

تقول مديرة تسويق أدوية بإحدى الشركات الأجنبية، تحفظت على ذكر اسمها، إن تكلفة إنتاج الدواء المسؤولة عن تسويقه لا تتعدى العشرة جنيهات، وحددت الصحة 64 جنيهًا سعرًا لبيع علبة تحتوي شريطين، ارتفع سعره مع الزيادة المقررة في مايو حتى وصل لـ70 جنيهًا لنفس العلبة، وتضيف أنه بشكل نظري تحقق الشركة ربحًا من هذا الدواء حتى بعد انخفاض قيمة الجنيه للنصف أمام الدولار، إلا أنه بشكل عملي فإن أرباح الشركة المعتادة خسرت انخفضت بأكثر من خمسين بالمئة عن المعتاد.

بحسب المركز المصري للحق في الدواء فإن أكثر من 2000 صنفًا دوائيًا ناقصًا من الأسواق، لأمراض مزمنة مثل الضغط والسكر والكبد والمحاليل الطبية وأدوية الأورام والصرع والقلب وأنواع الأنسولين ومشتقات الدم، وبعض أنواع الخيوط الجراحية، والإبر الدقيقة وأدوية التخدير، وأدوية منع الحمل

السوق السوداء للنواقص

سالي منصور، صيدلانية بالقاهرة، تقول إن سوقًا سوداء للأدوية ظهرت خلال الشهور الأخيرة، جراء نواقص الأدوية وقدرة بعض الصيدليات الكبرى على الحصول على الأدوية الناقصة عبر شركات التوزيع أو عبر مخازن الأدوية التي تملكها، أو احتوائها على مخزون قديم من تلك الأدوية يمكّنها من بيعها بأي سعر، دون الالتزام بالتسعيرة التي تضعها الحكومة. تضيف سالي إن ضريبة القيمة المضافة أثرت على عدد من السلع الدوائية، دواء Ostcare وهو مكمل غذائي لمرضى العظام والأسنان، زاد سعره بعد فرض ضريبة القيمة المضافة في 30 أغسطس 2016 من 120 جنيهًا إلى 140 ثم إلى 160 جنيهًا خلال يومين.

يؤكد بعض الأطباء والصيادلة على أزمة نقص حاد في أدوية علاج الأورام السرطانية. يقول مصطفى زايد، طبيب جراحة أورام، تحفظ على ذكر جهة عمله، إن صيدليات المستشفى التي يعمل بها تعاني نقصًا في أدوية الأورام؛ اتوبوسيد، ڤينكريستين، هولوكسان، اوكسالوبلاتين، هيرسبتين، اندوكسان، جاليڤيك وأدوية تسكين الألم؛ الترامادول والتراموندين، وأدوية التخدير وحتى المحاليل الطبية بأنواعها، ويرجع زايد أزمة النواقص لأزمة الدولار حيث إنها إما أدوية مصنعة مستوردة أو موادها الفعالة مستوردة، ويضيف أنه لا يجد سببًا لأزمة المحاليل الطبية التي يمكن تصنيعها في مصر ولا تحتاج مواد خام من الخارج.

ضريبة القيمة المضافة أثرت على أسعار الألبان ومستحضرات التجميل أيضًا في سوق الصيدلة المصرية، إذ زادت أسعار عدد من منتجات لبن الأطفال إلى الضعف بحسب عمرو الشيخ، صيدلي بمدينة المنصورة، لتصبح سيميلاك نيوشور 97 جنيهًا، ايزوميل 80 جنيهًا، بروجرس جولد صغير 69.5 جنيهًا، بروجرس جولد كبير 141.5 جنيهًا، بدياشور 76 جنيهًا، اس 26 جولد 69.5 جنيهًا، انشور 76 جنيهًا.

في انتظار الأسعار الجديدة

هددت بعض الشركات بتقليص أعمالها في مصر مالم توضع تسعيرة جديدة للأدوية يؤخذ فيها تعويم الجنيه بالحسبان، فيما امتنع عدد من شركات الأدوية عن توريد طلبيات لأدوية معينة لشركات التوزيع في انتظار التسعيرة الجديدة. شركات التوزيع أيضًا تتلاعب أيضا توفير طلبات الصيدليات والمخازن من الأدوية في انتظار الزيادة المتوقعة، ما يخلق أزمة نواقص الأدوية في الصيدليات. حتى بعض الصيدليات الكبرى تمتنع عن بيع بعض الأدوية حاليًا في انتظار زيادة ستقرها الصحة قريبًا، بحسب محمد جمال، صيدلي بإحدى الصيدليات الكبرى متعددة الفروع في مصر، ويضيف يمكنك أن تجد 3 أسعار لنفس الدواء بأكثر من صيدلية حاليًا، تحديدًا فيما يخص النواقص، ولا بديل أمام المريض من شراءه بأي سعر.

منذ منتصف ديسمبر 2016 يجري صراع بين وزارة الصحة وشركات الأدوية حول التسعيرة الجديدة، تريد الصحة زيادة 15% على 10% من أدوية كل شركة، بينما تريد غرفة صناعة الدواء زيادة 50% على 15% من أدوية كل شركة، أغلب التوقعات ترجح التوصل لحل وسط يرضي شركات الأدوية بزيادة 40% على 15% من الأدوية مع إضافة 15% كل فترة، حتى ذلك الحين ستظل أزمة نقص الأدوية قائمة كورقة ضغط من الشركات على الحكومة، وانتظارًا لأرباح يحققها السعر الجديد.

إقرأ أيضا:

–         هل تحجب أزمة الدولار الدواء عن المرضى؟

         المنظومة الصحية فيها “سم قاتل”