كعادته استيقظ وليد محمد، موظف بشركة خاصة، في السادسة صباحاً، لتناول طعام الإفطار مع زوجته، وأولاده الثلاثة، لكن المائدة كانت خالية هذه المرة من “براد الشاي”، نظر لزوجته نظرة استفهام، فأجابت “مفيش سكر.. من امبارح كل المحلات بطلت تبيع سكر، يا ريت تجيب 5 كيلو وانت راجع يكفونا لآخر الشهر”.

أسقط في يد “وليد” لما تقوله زوجته، غير مصدق، فللمرة الأولى منذ زواجه قبل 10 أعوام يخرج لعمله بدون تناول كوب الشاي.

اختفاء السكر

كعادته استيقظ وليد محمد، موظف بشركة خاصة، في السادسة صباحاً، لتناول طعام الإفطار مع زوجته، وأولاده الثلاثة، لكن المائدة كانت خالية هذه المرة من “براد الشاي”، نظر لزوجته نظرة استفهام، فأجابت “مفيش سكر.. من امبارح كل المحلات بطلت تبيع سكر، يا ريت تجيب 5 كيلو وانت راجع يكفونا لآخر الشهر”.

أسقط في يد “وليد” لما تقوله زوجته، غير مصدق، فللمرة الأولى منذ زواجه قبل 10 أعوام يخرج لعمله بدون تناول كوب الشاي.

اختفاء السكر

لم يتحمل “وليد” التخلي عن عادته في تناول كوب الشاي الصباحي، فدلف إلى المقهي الصغير المواجه لمقر عمله، اختلس 5 دقائق، لتناول مشروبه المفضل.

ما أن جلس على الكرسي حتى أتاه العامل وبادره بالسؤال المعتاد: تشرب إيه يا أستاذ؟ ليجيبه بسرعة: شاي، وما هي إلى لحظات حتى عاد العامل بالمطلوب، الذي تناوله “وليد” في عجلة من أمره ليلحق بعمله، وما أن انهى كوب الشاى حتى قال العامل: الحساب 5 جنيه, نظر له “وليد” غير مصدق لما سمعه، فتركه وذهب لصاحب المقهى  

حسين محمود، الذي أخبره أن “الحصول على السكر بات أزمة كبيرة، فبعدما كان سعر الكيلو 4 جنيهات ونصف وصل إلى 10 جنيهات وارتفعت الأسعار مجدداً مع تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار ليتخطى 16 جنيهاً، الأمر الذي دفعنا لرفع أسعار كوب الشاي من 3 إلى 5 جنيهات، وياريت السكر موجود، أصبحنا نعمل اليوم بيومه”.

دفع “وليد” الجنيهات الخمسة وذهب لعمله، وهناك اكتشف صدق كلام زوجته، بعدما وجد جميع زملائه يتحدثون عن اختفاء السكر.

“وليد” لم يكن الوحيد الذي يعاني من اختفاء السكر من المحلات، حيث فوجئ ملايين المصريين في شهر أكتوبر الماضي بعدم توافر السكر في غالبية المحلات وارتفاع الأسعار إلى 15 جنيهاً في محال أخرى بدلاً من 5.5 جنيهاً، الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية التي يدخل في تصنيعها وبخاصة الحلويات والبسكويت والتي زادت أسعارها بنحو 30%. ولا تزال الأزمة مستمرة.

رحلة البحث عن كيلو سكر

“وليد” الذى لا يمتلك بطاقة تموين – بحسب تعبيره- أسوة بنحو 30 مليون شخص لا يستفيدون من منظومة التموين في مصر – أشار الى أنه من أكثر المتضررين من الأزمة بعد ارتفاع أسعار السكر واختفائه، موضحاً أن المجمعات الإستهلاكية التي ضحت الدولة سكر بها، قصرت البيع على أصحاب البطاقات التموينية، ما دفعه للبحث عن السكر في المحلات.

“قضيت 6 ساعات أبحث عن السكر، وكل ما كنت أحصل عليه كان عبارة: مفيس سكر، وفي النهاية تمكنت من الحصول على 3 أكياس سكر دفعت فيها 50 جنيهاً، بعدما أقسمت لصاحب المحل أنني لن أفضح أمر بيعه للسكر”.

ارتفاع جنوني في أسعار المشروبات

أزمة نقص السكر تسببت في ارتفاع أسعار المشروبات، فكما تقول شيرين العدوي، مهندسة: فؤجئت بفاتورة الطلبات التي يقدمها عامل المقهي الذي دعوت فيه زميلاتي الثلاثة في العمل، وصممت على دفع الحساب، حيث كانت قيمة الفاتورة 60 جنيهاً، رغم أننا لم نطلب سوى 4 أكواب شاي وزجاجة مياه معدنية، دفعت الحساب واحتفظت بالفاتورة، لأكتشف أن. سعر كوب الشاي تخطي 12 جنيهاً، ولازلت أحتفظ بالفاتورة حتى الآن، دليلاً الحالة الاقتصادية السيئة التي تعاني منها البلاد، بعدما فشلت الحكومة في توفير أبسط الأشياء وهي السكر، الأمر الذي دفع أصحاب المقاهي لاستغلال الأزمة في رفع الأسعار.

“شيرين” نفت تراجع الأسعار مرة أخرى بعد رفعها، قائلة: “حتى لو وفرت الحكومة السكر، فلن تعود الأسعار لسابق عهدها، في مصر الحاجة اللى بتغلى عمرها ما ترخص تاني”.

الحكومة تتحمل المسؤولية

محمد الحلاج، رئيس نقابة بدالي التموين بالإسكندرية،  هاجم الحكومة، مؤكداً أنها المسؤولة عن الأزمة، بعدما تجاهلت مطالب مزارعي قصب السكر لرفع أسعار التوريد بنسبة تتراوح بين 100 و200 جنيه للطن، ما دفع المزارعين لتقليل مساحات زراعة القصب، فيما توجه آخرون لبيع القصب لمحال العصير للحصول على أموالهم فور التوريد، فى الوقت الذي تطالبهم فيه مصانع السكر بالانتظار لحين ورود الأموال من وزارتي التموين والمالية.

“الحلاج” أكد أن أزمة عدم توافر التقد الأجنبي كان لها أثر كبير في أزمة السكر، خاصة بعد توقف استيراد خام السكر ما جعل المحتكرين يقومون برفع الأسعار، مشيراً إلى أن الحل الوحيد لاعادة توازن حركة السوق سيكون بفتح الاستيراد.

أحمد محمود حسن، عضو مجلس ادارة شعبة الحلويات بغرفة الإسكندرية التجارية، آكد أن الأزمة موسمية، وشاركت فيها الشركة القابضة للصناعات الغذائية بإعلانها المستمر منذ عام 2015 عن توافر كميات كبير من السكر المحلى (الغامق) – هو الأكثر فائدة، فى الوقت الذى كان يقوم المستوردين باستيراد  السكر (الأبيض) بسعر أقل من المحلى، إلا أن إعلان توافر الكميات دفع المستوردين للتوقف عن الإستيراد خشية تكبد خسائر كبيرة بسبب ارتفاع أسعار الدولار.

“حسن” أكد أن سياسة توزيع السكر التموينى بدلا من نقاط التموين تصبب في كميات كبيرة ومهولة من السكر عوضاً عن السلع الناقصة، ما أحدث أزمة كبيرة داخل مصانع تصنيع الحلوى والبسكويت والمنتجات التى يدخل فى تصنيعها السكر.

رأفت رزيقة،  رئيس شعبة السكر باتحاد الصناعات، أكد أن ارتفاع أسعار السكر مرتبط بسعره عالمياً، لافتاً إلى أن سعر الطن بلغ نحو 9 آلاف جنيهاً، ما جعل المستوردين يتوقفون عن استيراد السكر بسبب عدم توافر النقد الأجنبي.

وأوضح ان السوق يعانى من شح السكر بسبب عدم قدرة التجار على الحصول على السكر الا بصعوبة كبيرة، ليفاجئوا بعد ذلك بحملات تموينية تقوم بمصادرة ما لديهم من مخزون، ما دفع الكثير من التجار وأصحاب المحال لعدم بيع السكر خشية مصادرته بتهمة البيع بأزيد من التسعيرة.

محاولة لاحتواء الأزمة

في محاولة منها لاحتواء الأزمة دفعت وزارة التموين بسيارات السكر لتجوب الميادين لتوزيع السكر بسعر 5.5 جنيهات، وفي محافظة الإسكندرية دفعت المحافظة بـ 22 سيارة لتوزيع 110 طن سكر فى 9 مناطق شعبية، من خلال سيارات التوزيع.

اللواء رضا فرحات، محافظ الإسكندرية، أشار إلى أن المحافظة بالتعاون مع الجهات الرقابية نجحت فى ضبط كميات من السكر خلال الأيام السابقة وأكد إتخاذ إجراءات للسيطرة على الأسواق وتشديد الرقابة ومحاربة الغلاء، مؤكدا أنه لا توجد أزمة في السكر وهناك رصيد ومخزون كافي، إلا أن مجموعة من الجهات والتجار تعمل على خلق أزمة مفتعلة والاستفادة من فروق الأسعار- على حد قوله –

وناشد محافظ الإسكندرية المواطنين بضرورة عدم تخزين السكر، مطالبا الجميع بالتعاون مع المحافظة وعدم الانسياق وراء ما وصفه بـ”الشائعات المغرضة” التي تهدف لافتعال أزمات لإحتكار السلع والاستفادة من فروق الأسعار.

مبارك عبد الرحمن، وكيل مديرية التموين بالإسكندرية، قلل من الأزمة، مؤكداً أنها لا تشكل قلقاً ولا يوجد أى تقصير، وأن الدولة والحكومة ووزارة التموين تمكنوا من توفير السكر بكميات كبيرة داخل المجمعات الإستهلاكية ولدى البقالين التموينيين.

وأرجع سبب ما حدث المرحلة الماضية الى جشع التجار ومحاولة عدد منهم لاحتكار السكر وتعطيش السوق المحلية وهو ما أحدث أزمة الكبيرة، موضحاً أن الحكومة استطاعت توفير المعروض من الكميات المطلوب وتوزيعها بطريقة عادلة بين المواطنين من خلال منافذها الرسمية، بينما يرى ان الأزمة الكبيرة بين المصانع التى يدخل فى نطاق عملها تصنيع الحلويات والمأكولات التى تعتمد على سلعة السكر، بينما لا توجد ازمة لدى المواطن لأننا نجحنا فى توفير السكر.

“عبد الرحمن” عاد ليقول إن حل هذه الأزمة وعدم تكرارها يتطلب ضرورة فتح الاستيراد ومضاعفة انتاج السكر، على أن يكون هناك قناعة كبيرة لدى المواطنين باستخدام ما يكفيهم من السلع خاصة وأنها متوفرة بصورة كبيرة.

كلام فاضي

“كلام فاضي”.. عبارة قالها “وليد محمد” وهو يستمع لتصريحات المسؤولين عن احتواء الأزمة، والدفع بسيارات لبيع أطنان من السكر للمواطنين، مؤكداً أن الأزمة مازالت موجودة، وأكبر دليل على ذلك هو رفع وزارة التموين سعر تسليم السكر للمستفيدين من 5.5 إلى 7 جنيهات، مضيفاً: حكومة مش عارفة توفر السكر هتدير البلد إزاى.