كما أن سور مجري العيون يرتبط بتاريخ الدولة الأيوبية، فإن مهنة القصاصين ترتبط بهذا السور وبمنطقة عين الصيرة.  فالسور الذي بناه السلطان صلاح الدين الأيوبي -تولى حكم مصر في الفترة من 1169 م حتى 1193 م- بغرض توصيل مياه النيل إلى قلعة الجبل، صار مكاناً لقصاصي شعر الحيوانات.

 

أحد حلاقي الأحصنة والحمير، محمد مصطفى القصاص، يخبرنا أنه ورث هذه المهنة أباً عن جد .. “أجدادي كانوا قصاصين منذ أيام الملكية، إلا أنني اضطررت إلى العمل بمهنة سمكرة السيارات فترة من الزمن، لكن حبي لهذه المهنة دفعني إلى العودة مرة أخرى إليها”.

يعمل الرجل قصاصاً منذ 19 عاما، وقد عمل فترة  بالسعودية في مزرعة خيول تعود لأحد الأمراء “ذلك يعود لفضل الله ثم لسمعتي في المهنة، إلا أنني فضلت في النهاية الرجوع لمصر، كي أكون بين أهلي، وحبًا في ممارستي المهنة مستقلًا” يقول.

بينما كان محمد القصاص يتحدث، أتى إليه سيد (العربجي) بحصانه طالبًا منه قص شعره.

سيد صاحب الحصان كان طوال الوقت يثني على مهارة محمد وخبرته وقدرته على ترويض أي حصان أثناء القص “محمد قصاص بجد، علشان كده أنا بفضله على أي حد”.

***

يوضح محمد أن رواج مهنة القص يعتمد على حالة الطقس، ففي الصيف يكون هناك رواج في العمل حيث يرغب الزبائن في الحفاظ على نظافة الأحصنة والحمير، بينما يقل العمل في الشتاء لأن الشعر يعمل على تدفئة الحيوان. وأشار محمد بأنه أيضا يقوم بقص شعر الماعز خاصة التي تربى لإنتاج اللبن، ويقص شعر كل أنواع الكلاب بماكينة خاصة بذلك، خصوصا كلاب إبيبول، والدوبرمان، والجرمن شيبرد، وروت وايلر. ويتابع قائلا “معظم زبائني أصحاب الكلاب يأتون من المناطق الراقية مثل سكان مصر الجديدة والمهندسين والزمالك والمعادي”.

***

ويشير محمد إلى أن لهذه المهنة مخاطر ترتبط بها، ويرفع سبابة يده اليسرى التي فقد منها عقلة إصبع نتيجة قيام أحد الأحصنة بقضمها أثناء قص شعره ويقول “لدي عجز أيضاً بنسبة كبيرة في إصبع البنصر بسبب حصان آخر، وقد خضعت لجلسات علاج”

ثم أشار إلى آثار جرح بخد وجهه، وقال مبتسمًا: “هذا أثر رفس حصان بحافره في وجهي، لدرجة أن الحدوة غزرت في خدي، وقد عانيت من هذه الإصابة فترة من الزمن” واستدرك قائلًا: رغم هذه الآثار والجراح إلا أنني لا أحمل أي ضغينة للحيوانات، حيث تدافع عن نفسها بصورة غريزية، كما أن لكل مهنة مخاطرها، وفي النهاية ستر ربنا موجود”.

***

بالنسبة لمحمد فإن الإخلاص وسلامة الضمير في العمل وحبه هو الذي يدفع الزبائن للقدوم عندي، “فلدي زبائن من شبرا وقليوب والمطرية والشرابية والجيزة، سواء من أصحاب عربات الكارو أو الكريتات”.

كما أنه يقوم أيضًا بقص شعر خيول كثير من المشاهير، مثل الممثلين أحمد السقا ومصطفى شعبان، “وأقص كذلك شعر خيول السباق”.

يؤكد محمد القصاص بأنه سيورث أحد أولاده هذه مهنة، مشيرًا لأكبرهم الذي يدرس المرحلة الابتدائية ويقول “إنه غاوي المهنة مثلي، سأدعه يكمل دراسته وأعلمه في نفس الوقت أصول وأسرار قص شعر الحيوانات”.