بات مصطلح “تجار الموت” هو المعنى الذي أطلقه المصريون على سماسرة “الهجرة غير الشرعية” بعدما أصبحت تجارة غير رسمية تديرها “مافيا المهربين” عبر سماسرة ووسطاء من محافظات عدة بينها الاسكندرية، يتولون عملية تهريب الشباب الباحث عن العمل بحثاً عن الثراء السريع لدول أوروبا وبخاصة ايطاليا واليونان وفرنسا.

بات مصطلح “تجار الموت” هو المعنى الذي أطلقه المصريون على سماسرة “الهجرة غير الشرعية” بعدما أصبحت تجارة غير رسمية تديرها “مافيا المهربين” عبر سماسرة ووسطاء من محافظات عدة بينها الاسكندرية، يتولون عملية تهريب الشباب الباحث عن العمل بحثاً عن الثراء السريع لدول أوروبا وبخاصة ايطاليا واليونان وفرنسا.

جشع “تجار الموت” واستخدامهم لقوارب متهالكة محملة بأضعاف حمولتها، جعل غالبية الرحلات تنتهي بكوارث، والتي كان آخرها كارثة “مركب رشيد” أيلول 2016، التي راح ضحيته أكثر من 200 شخص من جنسيات مختلفة قرب سواحل مدينة رشيد الساحلية التابعة لمحافظة البحيرة- شمال مصر.

ما بعد الثورة

نشطت تجارة “الهجرة غير الشرعية” بصورة ملحوظة في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، جراء حالة الانفلات الأمني التي عانت منها البلاد، وزادت حدتها مع انهيار الوضع الاقتصادي في مصر، وغلاء المعيشة ما دفع الكثير من الشباب للتفكير جدياً في السفر للخارج بأية وسيلة.

“تجار الموت” اتخذوا من محافظة الاسكندرية منفذاً هاماً لهم، ورسموا من خلال طريق الموت لضحاياهم، بعدما أوهموهم بالطريق الوردي المفروش بالأحلام السعيد، وأن ما يلزمهم للعبور لشاطئ الأحلام هو ركوب القارب مع مئات آخرين يحدوهم الأمل أيضاً في بلوغ الضفة الأخرى من الشاطئ.

من هنا تبدأ الرحلة المشؤومة

داخل أزقة منطقة الجمرك، التي يعمل غالبية ساكنيها بمهنة صيد الأسماك، ذاعت شهرة “بيسو” باعتباره أحد أهم الصيادين المسؤولين عن تجميع “المهاجرين غير الشرعيين” وتسليمهم لسماسرة الهجرة غير الشرعية بالإسكندرية.

سلومة محمد، صياد قارب عمره على الستين، قال إنه يقيم بمنطقة الجمرك منذ نعومة أظفاره، و”الهجرة غير الشرعية” أمر معروف وتشتهر به المنطقة منذ أكثر من خمسين سنة، ويعمل بها صيادين قدامى ومحترفين أو “معتقين” – حسب وصفه.

السبب في ذلك كما يقول إنهم يحفظون “سكة البحر” عن ظهر قلب ويمتلكون المراكب الكبيرة التي تحمل المهاجرين غير الشرعيين إلى “بلاد برة”، فالبحر بالنسبة لهم عبارة عن شوراع يحفظها الصيادون ويعلمون دهاليزها، بل يطلقون عليها أسماء لتحديدها إذا ما مروا منها مرة أخرى.

“الجمرك” ليست وحدها

“سلومة” الذي لا يملك من معدات الصيد سوى سنارة بدائية، أكد وقوف مافيا كبيرة ورجال أعمال وراء تلك الأزمة يعاونهم فيها بعض الصيادين ومن أشهرهم “بيسو”، الذي قبض عليه أثناء تواجده على أحد المقاهي، بعد حادث غرق مركب رشيد، ولا يزال محبوساً حتى الآن.

“الجمرك” كما يقول ليست المنفذ الوحيد أو المكان الخاص بسماسرة ” الهجرة غير الشرعية” موضحاً أن الخط الطولى لشاطئ الإسكندرية مقصد جميع السماسرة، حيث تنشط عمليات التهريب خاصة من منافذ مياه أبي قير وخليج المكس والدخيلة بالاضافة الى منطقة الميناء، مؤكداً أنها من المنافذ الحدودية الهامة بالمحافظة للهروب من مصر إلى العواصم الأوربية من خلال البحر الأبيض المتوسط.

السماسرة نوعان – فكما يقول “سلومة” النوع الأول يتولى دور التجهيز والإعداد للرحلة واستقبال الراغبين في السفر وإعاشتهم، أما النوع الآخر فهم يملكون زوارق شراعية غير معدة أو مطابقة للمواصفات، حيث أنها صنعت خصيصاً للصيد على الشواطئ، وغير قادرة على الصيد في المياه العميقة،  لكن مالكيها استبدلوا الشراع بمواتير وماكينات تمكنها من التحرك بسرعة أكبر داخل المياه العميقة، وتختلف حمولتها من مركب لأخر حيث تترواح بين 50 مهاجراً و 250 وهي حمولة زائدة أضعاف المرات عن حمولتها الأساسية.

50 ألف جنيه للمصري و10  آلاف دولار للأجنبي

تتراوح أسعار رحلة الهجرة غير الشرعية بين 20 ألف جنيه  و50 ألف للمصريين، في حين تصل إلى 10 آلا دولار لغير المصريين من حاملى الجنسيات المختلفة الواحد نظير تسهيل عملية خروج المهاجر إلى أوروبا.

وعادة يرفض السمسار قبول أي وافد عليه يرغب في الهجرة للخارج، قبل التأكد من هويته، فيستغرق الأمر منه عدة أشهر للتحري، خشية أن يكون أحد أفراد الأمن، وبعد الاتفاق على المبلغ المحدد يتم تحديد موعد للرحلة، فينطلق مع المهاجرين فى شكل مجموعات لا تزيد على 10 أفراد في كل مجموعة، عقب تسلمه نصف القيمة المتفق عليها، وعلى ساحل البحر يتسلم باقي المبلغ، وهنا ينتهي دور الوسيط، ليفاجئ المهاجر بمركب تحمل أكثر من 150 شخصاً في العادة، عندها لا يملك سوى خوض التجربة وركوب البحر.

اتهامات لجمعية الصيادين بالتهريب

كشف بلاغ تقدم به حسين محمود جابر، ميكانيكى ديزل معدات بحرية بالإسكندرية، للنائب العام  فى مارس الماضى ضد  “جمعية رابطة صيادي ميامى” المشهرة برقم 1627، عن تورط الجمعية في تنظيم عمليات تهريب “غير شرعية” متخذة من جزيرتى “الكور” و”جريشة” بمنطقة شواطئ المعمورة، مكاناً لتنفيذ عمليات الهجرة.

فكما يقول “جابر” أنه اكتشف الأمر من خلال عمله على مركبته الصغيرة التي يملكها وتحمل رخصة رقم 8115  باسم  “المنقذ”، مؤكداً أن طبيعة عمله مكنته من متابعة نشاط الجمعية وانحرافها عن عملها الرئيسي وشروعها فى تنظيم رحلات هجرة غير شرعية وتهريب أفراد بمقابل مادى من خلال الجزر التي هجرها الصيادون بعدما دأب أصحاب المراكب على إلقاء الزيت ومخلفات قواربهم في مياهها ما تسبب في تلوثها وهجرة الأسماك لها، وتحولها لبؤرة لتعاطي المخدارت.

“جابر” أكد أن مراقبته لعمل الجمعية في التهريب عرضه للضرب والاعتداء من قبل بلطجية تابعون لسماسرة الهجرة غير الشرعية، ما دفعه لتحرير محضرين بقسم شرطة أول المنتزة حملا أرقام 7831 و 6178  لسنة 2016، مشيراً الى أنه أبلغ هيئة السلامة البحرية عن نشاط الجمعية لكنها لم تتحرك.

في قبضة الأمن

في أعقاب كارثة غرق مركب رشيد كثفت قوات الأمن بالإسكندرية من رقابتها على الشواطئ، وألقت القبض على أكبر عصابة لتسفير الشباب بطريقة غير شرعية والتي تضم “بكير وأبو علي وأبو قارص وصًفر”، وهي أسماء وهمية اتخذها سماسرة الهجرة غير الشرعية بديلة لأسمائهم خشية القبض عليهم، الأمر الذي دفع أصحاب تلك التجارة للابتعاد عن الاسكندرية في الوقت الحالي وايقاف نشاطهم خشية القبض عليهم.

تقارير أمنية صادرة عن مديرية أمن الاسكندرية كشفت عن ضبط 12 تشكيلاً عصابياً تخصصوا  فى الهجرة غير الشرعية منذ حادث غرق مركب رشيد، تخصصوا فى تجميع الشباب وتسفيرهم نظير مقابل مالية تراوح بين 25000 إلي 40000 جنيهاً أو 2000 دولار و5000 دولار للأجنبي، وتضم نحو 25 صياد و5 من رجال الأعمال وشركاء بشركات خاصة و8 عاطلين استخدموا عدة منافذ منها سواحل أبي قير وخليج المكس والدخيلة والميناء والجمرك والأنفوشى، بوسط المحافظة باعتبارها من المنافذ الحدودية الهامة بالمحافظة للهروب من مصر إلى أوروبا.

وخلال عام أحبطت قوات الحرس الحدود 9 محاولات لتنفيذ محاولة هجرة غير شرعية منها 3 محاولات في أغسطس الماضي ومحاولتين في شهر يوليو ومحاولة في يونيو ومحاولتين خلال شهر أبريل، حسب تقارير أمنية.

وتم احباط تهريب 146 شخص يحلمون جنسيات مختلفة  بينهم 16 مصرى، و92 سودانى، و23 أريترى، و6 صوماليين، و3 من جزر القمر، و6 إثيوبيين على متن مركب تحمل اسم “الأميرة ناهد” من أمام سواحل البحر بمنطقة رأس التين يوم 14 أغسطس 2016،  ومحاولة أخرى فى 26 يوليو من العام نفسه، على متنها 23 شخصاً من مصر وجزر القمر والسودان، بمنطقة شاطئ النخيل التابعة لقسم العامرية غرب الإسكندرية.

في يوليو 2016 تمكنت قوات الأمن من احباط هجرة غير شرعية لعدد 51 شخصاً بينهم  30 مصري و9 سوريين و4 صوماليين  و6 سودانيين وعراقيين اثنين،  بالميناء الشرقى وشاطئى أبو قير بالاسكندرية.

وفى 8 يونيو تم ضبط 12 مصرياً من محافظات “البحيرة، والقليوبية، والغربية ” قبل سفرهم للخارج، وفى 4 يونيو تم ضبط 19 مصرىاً بينهم 11 طفل و4 سيدات كانوا في طريقهم لايطاليا من سواحل الاسكندرية، وفى 22 ابريل تم احباط محاولة تهريب 44 شخص بينهم 10 يحملون الجنسية السودانية، 8 من اريتريا و 7 جزر من القمر و 19مصرى” بالميناء الشرقى، وفى 12 أبريل تم احباط هجرة غير شرعية لـ 19 شخص من محافظات ” الشرقية، الغربية، القليوبية” تجمعوا بمنزل القائمين على تسفيرهم وتم ضبطهم وآخرين بمنطقة أبيس التابعة لقسم شرطة محرم بك.

مصدر أمني أكد أن عمليات الهجرة غير الشرعية تنشط خلال شهر رمضان وفترة الأعياد وأثناء إجراء عملية الاقتراع في الانتخابات البرلمانية والتشريعية، ظنا من مافيا الهجرة أن أجهزة الأمن منشغلة في هذه الفترات ولا تستطيع رصدهم والقبض عليهم.

خطأ في تطبيق القانون

أشرف زريق، شيخ الصيادين بالإسكندرية، حمل قوات خفر السواحل، المسؤولية، مؤكداً أنهم تركوا عدد من المراكب تسير بدون ترخيص، مشيراً إلى أن 90% من عمليات “تهريب الأفراد” تخرج من منطقة بحيرة البرلس بمحافظة كفر الشيخ.

ودافع “زريق” عن الصيادين الشرفاء، مؤكداً أنهم لا يتورطون في مثل هذه الجرائم، موضحاً أن القاء القبض على بعض الصيادين يعود لوجود ثغرات بالقانون وعدم تطبيق مادتين القانون 123 و124 الأمر الذي دفع غير العاملين بالمهنة يستخرجون تصاريح للعمل بها في عمليات التهريب بعد تمكنهم من استخراج بطاقة هوية تحمل مهنة “صياد”.

“زريق” أكد أن استخراج تلك البطاقة لا يتطلب – بحسب القانون – سوى الاشتراك في جمعية الصيادين وسداد مبلغ  70 جنيهاً لختم أوراق البطاقة من الجمعية ووزارتى الرى والزراعة، بعدها يحصل الصياد على بطاقة وتصريح لمزاولة مهنة الصيد.

وشدد على أن عدم تطبيق القانون 123 و124 الخاص بتنظيم العمل بمهنة الصيد، سمح لدخلاء وسماسرة الهجرة غير الشرعية بدخول المهنة، مطالباً بضرورة العودة لتطبيق القانون، واحكام الرقابة على إنشاء النقابات المستقلة، التي قال إنها أثارت الفوضى باستخراج تصاريح لأي شخص للعمل بمهنة الصيد مقابل الحصول على مبلغ 70 جنيهاً.

وأرجع سبب زيادة ظاهرة الهجرة غير الشرعية لإقبال السوريين والسوادنيين على الهجرة لدول أوروبا للاستفادة من الاغراءات التي تمنحها تلك الدول لهم من خلال الحصول على لقب لاجئ، وهو ما كشفت عنه كارثة غرق مركب رشيد الذي كان يحمل أطفالاً صغار رغبوا في السفر للخارج للحصول على الجنسية الإيطالية.

“زريق” أكد أن ظاهرة التهريب يقف خلفها “مافيا” من رجال الأعمال وتشارك فيها دول،  موضحاً أن بيانات جميع الصيادين موجودة لدى وزارة الداخلية وحرس الحدود، ما يعني أن عمليات نزول البحر ليست عشوائية، ولكن ينقصها الرقابة.