يفضل عبدالله سعيد (45 عاماً) الذي يعيش في مدينة طبرق – أقصى الشرق الليبي – قضاء الإجازات والعطلات الأسبوعية هو وأسرته في مزرعته التي تقع على مسافة 30 كيلو متراً شرق المدينة.

ويبرر سعيد في حديثه لمراسلون خروجه هذا بأنه “هروب من فوضى المدينة وضجيجها الذي لم يعد يطاق”، كما يصف شوارع حيه بأنها لم تعد آمنة على الصغار بسبب تهور سائقي السيارات، وانتشار السلاح وبنادق الصيد في أيدي القصّر.

يفضل عبدالله سعيد (45 عاماً) الذي يعيش في مدينة طبرق – أقصى الشرق الليبي – قضاء الإجازات والعطلات الأسبوعية هو وأسرته في مزرعته التي تقع على مسافة 30 كيلو متراً شرق المدينة.

ويبرر سعيد في حديثه لمراسلون خروجه هذا بأنه “هروب من فوضى المدينة وضجيجها الذي لم يعد يطاق”، كما يصف شوارع حيه بأنها لم تعد آمنة على الصغار بسبب تهور سائقي السيارات، وانتشار السلاح وبنادق الصيد في أيدي القصّر.

لهذا يفضّل سعيد أن ينأى بصغاره عن كل هذه المخاطر ويقضي أوقاتاً أرحب في مزرعته، بالرغم من عدم توفر وسائل العيش بشكل طبيعي كمصادر المياه والكهرباء.

المياه والكهرباء

لم يشترِ سعيد مزرعته ولكنه ورثها أباً عن جد وكانت نصيبه من التركة، فهي تقع في منطقة مسقط رأس أجداده، شيد عليها كوخاً عصرياً وخزان مياه أرضي، وهو يحرص على تحديد المغروسات فيها من أشجار تلائم بيئة المنطقة وبأعداد قليلة كي يتمكن من توفير مياه الري لها.

يقول سعيد إن أبناءه الصغار يحبذون بشدة المجيء إلى المزرعة حتى في المساءات والعودة ليلاً أثناء أيام الدوام الرسمي، والمبيت في أيام العطلات الرسمية والإجازة الأسبوعية في كوخ المزرعة.

ويعرب عن معاناته مع توفير المياه التي يشتريها من شاحنات نقل المياه بمبالغ تتراوح ما بين 50 دينار و 90 دينار لكل شاحنة. لكنه لا زال يعتبرها أقل وطأة من ضيق العيش في ازدحام المدينة.

وعن الكهرباء يقول سعيد إن شركة الكهرباء لم تضع موقعهم هذا في جدول أعمالها، ولكنهم يعتمدون على جهودهم الذاتية، “لدينا مولد كهرباء صغير يعمل بالوقود (بنزين)، نشغله فقط لضخ المياه والإنارة ليلاً، وباقي الوقت لا نحتاج إلى كهرباء”.

تجريح وتهديد

ولأسباب مختلفة عن تلك التي أوردها سعيد، يقول ادريس (50) عاماً، الذي فضل ذكر اسمه مجرداً لعدم الافصاح عن هويته، إن لجوءه للعيش شبه الدائم هو وأسرته في مزرعته التي تقع غرب طبرق بـ 15 كيلو متر، يعود لمضايقات تعرض لها منذ العام 2011، كونه كان عضواً في اللجان الثورية (الحزب الوحيد الذي كان يحكم في البلاد)، مما عرضه للشتم والتجريح، والتهديد.

فيعتبر ادريس في حديثه لــ “مراسلون” لجوءه للإقامة في مزرعته ابتعاداً عن المشاكل، و تختلف ظروف مزرعة ادريس عن ظروف سعيد، من حيث مصادر المياه والكهرباء، فإدريس تحاذي مزرعته الطريق العام و يمر من أمامها الخط الرئيسي للمياه، لهذا تزدهر مزرعته بالأشجار و الخضراوات، و الإنارة.

سكن بديل

ما بين سعيد وادريس في ظروف تفضيلهما العيش وأسرتيهما في المزارع يختلف كلياً ناصف عياد (38) عاماً، الذي يضطر للسكن في مزرعة في ضاحية باب الزيتون عشرين كيلومتر شرق طبرق، لعدم توفر سكن في المدينة، و عياد قال لـ “مراسلون” أن سكنه في مزرعة وبعده عن المدينة يسبب له معاناة كبيرة تبدأ من توصيل الأبناء إلى المدارس، و لا تنتهي عند مشاكل المياه و ارتفاع اسعارها بسبب بعد المسافة.

ويستطرد عياد “وهل أتيحت لي فرصة السكن في المدينة والقرب من المصالح العامة ورفضت؟”، إلا أنه يرى هذه المزرعة تعد سكناً بديلاً وخياراً أفضل من تكبد أعباء إيجار منزل في المدينة، لا يقوى على دفعه بسبب محدودية دخله الشهري.

ترفيه

أما أحمد عبدالسلام الشيهني موظف يبلغ من العمر 30 عاماً، فهو يقتني مزرعة تبعد عن وسط المدينة بعشرين كيلو متراً شرقاً ليقضي فيها أوقات الفراغ ويمارس فيها هوايته المتمثلة في تربية الخيول والطيور، الأمر الذي يصعب ممارسته في ازدحام المدينة، ولا يجد أحمد الذي يعيش في وضع مادي أفضل من سابقيه، أي صعوبات في ممارسته الحياة في المزرعة اللهم إلا طول مد الطريق الترابي الممتد من الطريق العام إلى مزرعته الذي يقدره باثنين كيلو متر غير معبد.

وفي خضم هذه الأسباب التي دفعت أبناء المدينة إلى اللجوء للسكن المؤقت أو الدائم في المزارع على أطرافهاأطرافها، يبقى الرأي القانوني في تحويلها لمبانٍ سكنية سؤالاً يُطرح.

يقول مدير إدارة الشؤون الإدارية بمصلحة التسجيل العقاري عبد الرسول سعد لـ”مراسلون” إن أغلب المزارع الموجودة في أطراف المدينة تقع خارج المخطط العام المسجل في سجلات المصلحة، ولهذا لا يمكن حصرها من حيث العدد، والمواصفات.

التسجيل غير ممكن

وأضاف سعد أن تسجيل هذه المزارع في سجلات المخطط العام بالمصلحة يتطلب حصول مالكها على كتيب حيازة أرض زراعية يصدر عن قطاع الزراعة في المدينة، و يترتب عليه إجراءات تحقيق ملكية، يفترض أن تقوم به إدارة المصلحة في إشارة منه إلى (قانون تحقيق الملكية)، لكن تعطل أوضاع البلاد الحالية، التي تجعل عمل المصلحة شبه معطل في الوقت الحالي يجعل هذا الأمر غير ممكن.

وما يعوق تسجيل مزارع أطراف مدينة طبرق في مصلحة التسجيل العقاري، يحول دون التقدم بشكل رسمي لشركة الكهرباء لتوصيل الكهرباء إلى المزارع البعيدة

وفي هذا المضمار يرى مدير دائرة توزيع طبرق بالشركة العامة للكهرباء محمد المبري أن التوصيل إلى المزارع يحتاج أعمدة وأسلاك كهرباء ومولدات تحويل وتخفيض التيار الكهربائي من جهد مرتفع (1000,500)، إلى قوة كهرباء عادية (220) فولت، وهذه الاحتياجات تكلفتها مرتفعة، وغالباً لا تخدم إلا عدداً محدوداً من المواطنين.

وحسب المبري فالشركة تعاني من مشكلات كبيرة يصعب التغلب عليها، مما جعل مسألة توفير الكهرباء للأطراف ليس من أولوياتها.

تشهد مدينة طبرق زيادة غير طبيعية في عدد السكان منذ عام 2011، وذلك بسبب عودة أبنائها إليها في الفترة بين 2011 و 2013، ولاحقاً بسبب استقرار مجلس النواب والحكومة المؤقتة فيها ما جعلها عاصمة سياسية تستقطب الناس من كل أنحاء البلاد لشؤون مختلفة.

بحثاً عن فسحة أمل مع ضيق العيش في المدينة والضغوطات النفسية التي يتعرض لها الناس في حياتهم اليومية يلجؤون للابتعاد، بينما غياب المنتزهات العامة والحدائق وأماكن الترفيه وملاهي الأطفال، تشكل هاجساً لمن بقوا في الداخل ولا يملكون كغيرهم ترف الخيارات.