انتهت منذ أيام جولات مؤسسة “محطات” للفن المعاصر لعروض السيرك، ما بين العروض البهلوانية، مسرح الشارع، والموسيقي الحية، جمع “سيركس” 20 فنانا من فرنسا، ألمانيا، ومصر ليعملوا سويا خلال 10 أيام من الاقامة الفنية في مدينة بورسعيد لانتاج عرض جال بـ 10 مدن مختلفة من بينهم القاهرة. 

انتهت منذ أيام جولات مؤسسة “محطات” للفن المعاصر لعروض السيرك، ما بين العروض البهلوانية، مسرح الشارع، والموسيقي الحية، جمع “سيركس” 20 فنانا من فرنسا، ألمانيا، ومصر ليعملوا سويا خلال 10 أيام من الاقامة الفنية في مدينة بورسعيد لانتاج عرض جال بـ 10 مدن مختلفة من بينهم القاهرة. 

في الصيف الماضي كنا قد سافرنا من القاهرة الى بورسعيد، لحضور احدى فاعليات “محطات” والتي كانت عبارة عن جولة في المدينة نظمتها مجموعة “بورسعيد على قديمه” قبل حضور العرض الفني المقرر آداءه في فيللا “فيرناند” الأثرية والمهددة بالهدم بوسط المدينة في اطار مشروعهم “ظلال المدينة” لإحياء المساحات والأماكن التراثية بواسطة الفن في أكثر من مدينة في مصر. وكان العرض بمشاركة العازفة نانسي منير ومهندس الصوت عمر مصطفى، والعارضة البصرية نادية منير وفنانة الأوريجامي نيرفان طلحة، وبحضور جمهور قارب ال300 في يومي العرض وفقا للمنظمين أنفسهم. 

كانت نقطة التجمع أمام ما كان يوما مبنى السفارة الفرنسية، ثم أصبح متحف لاحقا، مع تزايد الوافدين مثلنا من القاهرة ومن بورسعيد، بدى الأمر مريبا للمارة والعاملين بالمتحف وبعض المحال، فووجهنا باسئلة متكررة من نوع “هو في ايه؟” “هي دي مظاهرة؟” ” هو انتوا بتتظاهروا ليه؟”. وحين بدأنا الجولة ونحن نسير في مجموعة وعندما رفع بعض المنظمين اعلام تخص مجموعتهم تأكدت الشبهة وتزايدت الاسئلة. ربما كانت هذه الريبة طبيعية في اطار غلق المجال العام، فمنذ أغسطس 2013 وبعد خلع الرئيس الاسبق محمد مرسي والفض المفرط في القوة لاعتصامي رابعة والنهضة والذي انتهى بقتل حوالي ألف معتصم، انغلق المجال العام سياسيا، وبعد أن كانت التظاهرات مشهدا معتادا في الشوارع منذ 2011، اصبح مشهدا نادرا ان وجد.

لكن الشارع لم ينفتح في 2011 فقط للسياسة، بل انفتح بقوة أيضا للفنون، ومع غلق المجال العام اصبح الأمر أكثر صعوبة أيضا في مجال الفن، أو هكذا كان التصور، خاصة مع تضييقات أمنية مثل غلق “التاون هاوس” في القاهرة، ومنع احتفاليات “الفن ميدان”، واعتقال فرقة أطفال شوارع بسبب أغانيهم السياسية لعدة اشهر قبل اطلاق سراحهم بتدابير احترازية. بعض منظمو الفعاليات الفنية بالشارع يخبروننا عن هذا الواقع بالتفصيل.

****

مؤخرا تحت عنوان “شارعك محتاجلك” نظم العاملون في مؤسسة المدينة للفنون بالاسكندرية بالمشاركة مع بعض المؤسسات الفنية والثقافية حملة موسعة على شبكات التواصل الاجتماعي لدعم فتح الشارعوالفضاء العام للفنون، ومؤسسة المدينة التي تأسست عام 2000 بالاسكندرية، هي مؤسسة مهتمة بتقديم الثقافة والفنون عبر التدريب وانتاج الفن والثقافة وتقديم الدعم للفنانين والمبادرات الشبابية، وبتحويل الفضاء العام والمساحات المهمشة الى ساحات للاشخاص للتعبير عن انفسهم وتنوعهم عبر تقديم وتلقي والمشاركة في انتاج الفنون. واحد من أهم المكونات في هذه الحملة هو كتيب مبني على استبيان مع حوالي 12 فرقة ومنظمة فنية تقدم فنون بالشارع، مع تحليل للجانب الاجتماعي والاقتصادي والتشريعي لفن الشارع، حصلت مراسلون على نسخة من الكتيب.

الكتيب يستهدف الفنانين والكيانات المنتجة للفن، والسلطات التشريعية والتفيذية والمحلية، وأخيرا النساء والشباب المقيمون في مجتمعات محلية أو مهمشة، وسبب هذه الحملة كما يوضح الكتيب هو ضعف انتاج الفن بالشارع، وغياب وجود بناء قانوني لتنظيم الأمر، يعرف أحمد صالح، وهو واحد من اثنين مؤسسين لمشروع المدينة، الفضاء العام بانه موضوع شائك وهو الشوارع والميادين والمناطق العامة، ويصف فن الشارع المعاصر بأنه مهم لأنه يجعل الفضاء العام آمن ويجعل الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، وذلك بشكل غير مباشر عبر اعطاء قدم لجميع الأصوات المسيطرة بالشارع كالسلطة سواء رسمية أو محلية، والأصوات الضعيفة كالسكان والعابرين وصغار التجار والعاملين، والاصوات المترنحة بين الاثنين السابقين، وأخيرا الأصوات المميزة للمجموعات المهمشة والأقليات.

في الاستبيان القائم على مجموعة اسئلة وجهت وجها لوجه مع الفرق والمنظمات المختلفة كانت هناك بعض النقاط الايجابية والسلبية حول مسرح الشارع، فالإيجابيات كانت حول التفاعل مع الاشخاص بالشارع وردود أفعالهم المرحبة، وتذكرهم لفعاليات سابقة وتقديرهم للفنون المقدمة وللفنانين. بينما كانت أبرز النقاط السلبية بالاضافة إلى المشكلات التقنية والتنظيمية أمور لها علاقة بالتحرش ومشكلات مع الجمهور. بينما فيما يخص العلاقة مع الدولة تراوحت الآراء بين الرغبة في تحييد الدولة، او التعاون معها، أوالرغبة في الحصول على دعمها ماديا ، بينما كانت الشكوى الغالبة تخص التضييق والعرقلة من جانب الدولة.

في الجزء الثالث من الكتيب اوضح الكاتب والباحث ماهر شريف كيف يخضع فن الشارع لقانون التظاهر، فالتجمعات الفنية لفنانين وجمهور بالشارع تخصع للمادة 107 لسنة 2013 والتي تنظم التجمعات والتظاهرات، فالتجمع الفني في عرف القانون هو موكب، حتى لو لم يكن سياسي، قد يعرض المشارك به للسجن أو غرامة تصل إلى 200 الف جنيه، وهذا يمثل انتهاك حاد للفن وحقوق الفنانين في التواصل مع الجمهور، ناهيك عن توقيع العقوبة على فنانين بالحبس لأنهم استخدموا حقهم في التعبير عن ابداعهم. في حين وجهت الانتقادات للقانون من الناحية السياسية لم ينتبه أحد لتأثير هذا القانون على فنون الشارع التي تشغل حيزا كبيرا في الفن والثقافة في مصر.  الأمر الذي يتطلب من الفنانين مواجهته بالمطالبة بتعطيل العمل بالقانون أو تعديله، والاتفاق على تشريع يحترم حرية الابداع، ويحمي ويؤمن الفعاليات الفنية، ويحمي حق الفنانين في التفاعل المباشر مع الجمهور باي شكل كان. فالقانون يخالف الدستور الذي يضمن حرية التجمعات والتعبير سواء سياسية أو باي شكل، كما ينص على ضرورة حماية الدولة للفن وتشجيعه.

مهاب ناصر، المدير التنفيذي لمشروع المدينة  يقول “بعد الثورة اتضح ان الناس منفتحة على فن الشارع اكثر من المتوقع، اقمنا 18 عشر ورش فنية في مناطق مختلفة تحت اشراف فنانين مصريين وأجانب، وقمنا بعرض نتاج الورش في تلك المناطق” عملت المؤسسة على الحكي، مسرح الربيورتاج، والرقص وغيرها من الفنون، على مدار اربع سنوات. وفي 2015 قاموا بتنظيم كرنفال الشارع والمستوحى من الثقافات المحلية المختلفة في الاسكندرية، لتسويق قيم ثقافات أخرى كالنوبية التي تحترم المرأة ولا يوجد بها تحرش، ونظمت العروض في 12 مدينة بمصر وفي دول عربية، كما نظموا عروضا مع اللاجئين السوريين لمساعدتهم في التعبير عن انفسهم والاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه، وكان ذلك في 8 أحياء بالاسكندرية.

هناك أيضا فائدة اقتصادية هامة تعود على أهالي المناطق التي تعرض بها فن الشارع ، يقول ناصر أن القهاوي تعمل مع وجود جمهور وهي فائدة اقتصادية  وبالتالي الناس تحمي الفنانين من اي مضايقات امنية محتملة. لكن لو شعر الأهالي أنهم غير مستفيدين هم سيكونوا مصدر المشاكل. يقول “نحن لا نقدم على تصاريح، فقط إخطار، فنحن نعمل مع الناس في مناطقهم وليس في الميادين أو الشوارع العامة، وبالتالي لا نضايق مرور أو داخلية.”  ويعترف ناصر بأن فن الشارع قد  أصبح اقل من السابق “الناس بطلت تقدم فن في الشارع لأنها خايفة، مش عارفين المفروض يعملوا أيه، يعني قانون التظاهر يخوف، ومش المفروض  يكون في تضييق على الفن”. “اللي بيخوف الناس قفل المجال العام في السياسة، طب لو مش سياسة؟ على صناع القرار فهم القيمة الاقتصادية والاجتماعية لفن الشارع”.

****

عملت مؤسسة المدينة في القاهرة وفي مدن القنال، يقول ناصر ” الطريقة هي اللي بتحكم وازاي الناس بتقدم نفسها، الفنانين ليهم حق يخافوا، احنا كمان عايزين نساعد الفنانين يعرفوا الطريقة، ولصناع القرار ازاي وليه يسمحوا بالفن في الشارع، وانه مهم يكون الفن لامركزي، وانه تقديم الفن في مناطق حدودية وفيها مشاكل زي سينا، او مناطق اقليات، او مدن حدودية هيساعد اكثر في التنمية والادماج.” هناك محاولة أخرى لاعطاء دليل للفنانين لكيفية تقديم عروضهم بالفراغ العام، تحاول مؤسسة محطات الانتهاء منها، بعد أن أجروا تجربتهم في مشروع ظلال المدينة في بورسعيد، تقول شيماء عاطف باحثة في مشروع ظلال المدينة أن واحدة من مهمام محطات اتاحة الفن في الفراغ العام. وفكرة مشروع ظلال المدينة هو عمل بحث لتوضيح كيفية استخدام الأماكن المهجورة أو المنسية كاماكن لعروض فنية، لأنه يوجد  أماكن كثيرة مهجورة، وفنانون كثيرون لا يجدون مكانا لعروضهم، خاصة مقدمو الفن البديل والحديث. وبالتالي فالبحث هو لاخراج دليل موجه لشباب الفنانين، والبحث تفاعلي عبر مناقشات مع فنانين ومعماريين ومتخصصون في التراث، وكل من لهم علاقة بالفن أو الاماكن المهجورة، لتوضيح الخطوات التي يجب علي الفنان الشاب اتخاذها ليقدم فنه في اماكن مهجورة، وهو غير محدد باطار جغرافي محدد.

يعرف الدليل، الذي لم يتم الانتهاء منه بعد، ما هي الأماكن المهجورة، وما هو المكان أو الفراغ، بالإضافة إلى سياسات الدول الأخرى الثقافية فيما يتعلق بالأماكن المهجورة، وكيفية العثور عليها في محيط المدينة، وكيفية التعامل والاندماج مع خصوصية المكان، وماهي الإجراءات الرسمية الواجب اتباعها على الورق وفي الواقع، وكيفية التعامل مع المجتمع، وقبول المجتمع لما تنوي تقديمه، وهذا أمر هام جدا، كيفية ادماج افراد المجتمع في العمل الفني، وكيفية اعطائهم المساحة لاستكمال التجربة لاحقا. الدليل سيقدم افضل الحلول، والمعوقات وكيف تغلبنا عليها. هو دليل عام موجه للفنانين في كل المدن، وحتى باختلاف صعوبة الأمر من القاهرة للمحافظات، ستكون هي هي نفس الاجراءات.

ترى عاطف بشكل شخصي أن هذا النوع  من الفنون بالشارع هو مقاومة او استفادة من المساحات المغلقة عبر احتلالها، خاصة أن الوضع الآن اصعب بكثير، فحتى عام 2012 لم يكن التصريح ضروريا، وهو أصعب أيضا على المبادرات المستقلة من المؤسسات، وأصعب في العاصمة عن المدن الأخرى، تقول  أنه حين يقدم الفنانون على تصريح لتقديم عرض فني في الشارع سيتعامل الامن انهم “ناس فاضية مش هيقلق منه زي الحاجات السياسية، لكن في النهاية القاهرة مكان مقلق لوجود تجمعات في الشارع عن اماكن أخرى، خاصة لو لم تكن مؤسسات وليس لهم سجل يفحصه الأمن، والاعداد المتوقعة لفعاليات خارج القاهرة اعداد صغيرة، وبالتالي غير مقلقة للامن بالمقارنه بالأعداد المتوقعة في القاهرة، ولو هناك اي تحفظات في تاريخ المؤسسة او الفنانين حتى خارج القاهرة لن يعطوا التصاريح، فهو بالطبع تضييق”.

ظهرت فكرة محطات في 2011، لخمس سيدات مؤسسات من جنسيات مختلفة مصرية، المانية، المانية سورية، لبنانية، وفرنسية. هم كانوا معارف ومقيمات في مصر، وتقابلن في فعاليات فنية وثقافية، وشعرن ان المشهد الفني منغلق ورواده مكررين، وفي نفس الوقت المسارح والسينمات لا تقدم فنون بجودة عالية، والناس لا تحاول الحضور او لا تملك الوقت والمال الكافيان. وفي 2011 ظهر فن الشارع بقوة، كالجرافيتي والعروض الموسيقية في الشارع، فقررت السيدات الخمس تأسيس مكان يعيد الفن للشارع واتاحة الفن للناس، وجعله جزء من الحياة اليومية، ودعم لامركزية الفن والخروج خارج المدن الكبرى، لذلك تعمل محطات في القاهرة وبورسعيد ودمياط والمنصورة.

تقول ريم خضر منسق برنامج اتاحة الفن في محطات، وهو البرنامج الذي يسعى لضمان حق كل الاشخاص في الحصول على الفن بصرف النظر عن قدرتهم على ذلك، وأن يكون مفتوح ومتاح لكل الناس، دون توجه سياسي،  فن من أجل اتاحة الفن، لقيمته وليس باعتباره اداة لتوصيل رسالة معينة، أنه من خلال مشاريع المؤسسة منذ عام 2012 اسكتشات في المترو، وعروض مهرجين وعروض “مايم” وعروض رقص في المترو في القاهرة، بالإضافة إلى عروض سينمائية لافلام مستقلة قصيرة في الشارع، كما قاموا بتنظيم ورش حكي لأطفال الحي في الشارع،  وورش اوريجامي، وصنع عرائس في الشارع أيضا، بالاضافة الى محطة تلوين. وفي 2013 بدأوا العمل في دمياط ومدن أخرى بعد دراسة احتياجات كل مدينة عبر فنانين او طلبة او طالبي مهارات معينة فنية، تقول خضر “قمنا بورش عمل للمسرح والتصوير الفوتوغرافي، وال VISUAL ART وعرضنا كل ناتج الورش في الشارع في دمياط وراس البر”.  كما  نظمت المؤسسة مشروع صندوق العجب، لاحياء صندوق الدنيا والبيانولا، وحين كانت هناك حاجة لتسيير ورش فنية في مدارس في الصعيد ذهبت محطات وتعاونت معهم، في الاقصر وطنطا والمنوفية.

نظمت أيضا محطات عروضا بالمشاركة مع  فرق للايقاع جوالة في الشارع مع عروض بالعرائس، ونفذوها في الاربع مدن الاساسية التي يعملون بها، كما قدمت محطات عروض اوبرا البلكونة في بلكون بالمنيل وفي سوق شعبي بدمياط، وفي الشارع ببورسعيد، وفي أحد القصور الأثرية في المنصورة بالتعاون مع الحي. تقول  خضر “الناس كانت منبهرة بالعرض الموسيقي والغنائي الذي ضم اوبرا وموسيقى كلاسيكية عربية وأجنبية واغاني قديمة، والناس تجمهرت تحت البلكونات، ودعولنا ربنا يكرمكم، فرحتونا ..حسستونا اننا بني ادمين”. كما  تعاونوا مع فرقة قوطة حمرا لتقديم عروض في الاربع مدن.  تقول خضر “اقمنا عروض مونولوجات، في عدة مناطق في القاهرة بالتنسق مع جمعيات او مبادرات محلية وفي محافظات اخرى، كما قدمنا عروض رقص معاصر في الشارع، ونظمنا ورشة كتابة ابداعية في دمياط وانتجنا 8 قصص قصيرة طبعناها في كتاب، وقمنا بتوزيعها، ومسرح شارع وحكي في بورسعيد”. 

****

وفق  خضر وحتى النصف الاول من 2014 كان الشارع نسبيا مفتوح، ولم تحتاج المؤسسة لموافقات أمنية، ولكن في النصف الثاني بدأوا في اخطار الحي والشرطة، وتضيف أن المكان الوحيد الذي لم يوافق على اخطاراتهم هو القاهرة ” الجهات المعنية بترمي المسئولية على بعض، نروح الحي، يقولولنا روحوا القسم، نروح القسم، فيقولولنا روحوا المديرية، فنروح المديرية فيقولولنا روحوا وزارة الداخلية” ولكنهم كانوا ينظمون العروض حتى دون موافقة، المدخل بالنسبة لهم كان ذهابهم قبل العروض لاهالي المنطقة، وعادة ما كانت الأهالي تتحمس للعروض المجانية. أما في المحافظات “الناس عارفة بعضها، وسهل التواصل مع الجهات، ومع المبادرات الاهلية، فلما بنقول اننا بنعمل حاجة فنية مالناش موقف سياسي بيسهل الدنيا”. الافادة خارج القاهرة اكبر. وفي النهاية هناك فرص في القاهرة للحضور او التعلم، لكن المحافظات هي فرص نادرة وبالتالي عملهم  “بيسمع اكتر بيتقدر أكتر لاننا رحنا لحد الناس عشان نقدم فن، وفي احتياج شديد للفنون.”

هناك بعض المبادرات الصغيرة المستقلة والتي تقدم عروضا سريعة بالشارع ويرحلون، حتى لو هناك مخاطرة، لكن الأمر في نظر خضر يتوجب استكشاف أولي للمكان، حتى لا يعطلون الطريق والتحدث مع الأهالي لاشراكهم والحصول على قبولهم ” عشان مايبقوش باراشوت داخل على المكان فالناس تقلق منهم” . اسباب انسحاب الفن من الشارع في راي خضر هو عدم معرفة الفنانين بالمدخل الصحيح للشارع من ناحية، وغياب وجود خطوات واضحة على الفنانين اتخاذها كي يحصلوا على الموافقة. فهي بالتالي مسئولية مشتركة مسئولية الفنانين والمبادرات، ومسئولية غياب تنظيم حق الناس في استخدام الفراغ العام. حين تعرضت محطات في عرضين مختلفين لطلب من الأمن بالرحيل، مرة في بورسعيد بسبب تأخرهم عن الموعد المسجل في الاخطار، ومرة في القاهرة لتواجدهم في منطقة سفارات، كان التواصل والتفاهم بهدوء مع الأمن هو الحل، بينما كان الجمهور المتحمس دائما هو أكبر حماية، لذلك كان التواصل مع الأهالي والجيران وتقديم نفسهم وطمأنتهم هو المدخل المناسب.

في رأيها  الشخصي تعتبر ريم خضر أن  فن الشارع  وسيلة تغيير، حتى لو كان صعب تحديد ماذا سيكون التغيير. لأن الفن يغير الذوق العام، ومزاج الاشخاص وانتاجيتهم، ربما يكون تنفيسا وطريقة للتعبير ولكنه ليس بالضرورة مقاومة. هو طريقة ربما لمواكبة الحياة اليومية الصعبة والتعيسة، ربما يكون مقاومة للروتين، وللحياة العادية، وللبيروقراطية، وللاستسلام للقليل، وهو يفتح  للناس ابعادا وبدائل جديدة ويشجع على الابداع، ولكن وصفه باعتباره مقاومة هو اختذال لدوره. بينما يرى حكيم عبد النعيم وهو مخرج مسرحي ومسئول عن التسويق والدعاية لمهرجان نسيم الرقص منذ عامين، وهو المهرجان الذي بدأ في الاسكندرية في 2011  لخلق مساحة لنوع من العروض وهي الرقص المعاصر خارج المسارح، في الشوارع أو الجراجات او المساحات غير التقليدية عموما، علي يد مؤسسة فرنسية تقيم بين الاسكندرية ومارسيليا وبمشاركة فنانين مصريين وفرنسيين. يرى عبد النعيم أن تقديم الفنون بالشارع هو شكل من اشكال المقاومة، او هكذا يحبه أن يكون، لفتح هذه المساحة للناس، ولكن يظل المكون الاساسي هو الجمهور.

يقول عبد النعيم ” اصبحنا نعاني كل سنة  لنقوم بهذه العروض، لكن  العلاقة الجيدة مع الناس هي التي ساعدت على استكمال مهرجان نسيم الرقص سنويا”،  خاصة أن الفنانين يتواجدون في أماكن العروض شهر ونصف قبل الموعد المحدد للمهرجان، ويتواصلون مع الناس ويشرحون لهم ماذا يفعلون. رضاء الاهالي عما سيقدم هو ما يجعل المنظمون لا يلجأون لموافقات أمنية. يتقدمون فقط وفق عبد النعيم  باسم المؤسسة الفرنسية ” “Momkin – espaces de possibles الراعية للمشروع لقسم السياحة في محافظة الاسكندرية، خاصة مع وجود بروتوكول تعاون مع القنصلية الفرنسية.  يضيف  “لو العلاقة مع الناس مش موجودة هنضطر ناخد موافقات أمنية”. حين نختار المنطقة للعروض نتحدث الى الناس اولا، في سبورتنج الناس لم توافق فلم نعرض في منطقتهم، بينما في منطقة كوم الدكة الناس رحبت، والأمن بياخد علم من المحافظة. وتقتصر السخافات على بعض المواطنين الشرفاء الذين يظهرون من حين لآخر، بدءا من الأسئلة بغرض الاستنكار، وحتى الخطب عن المؤامرات، لكن أهالي المنطقة سرعان ما تتدخل لصالحنا.”

ينظم المهرجان في مناطق عديدة في الاسكندرية وأحيانا في القاهرة، بحري والعطارين ، كوم الدكة واللبان، المنشية ومحطة الرمل، ومحال كبيرة مثل هانو وصيدناوي،  وفي ممرات وحدائق، وعروض جوالة. يقول عبد النعيم ” الناس بتسغرب في الاول لكنها بتتبسط انه في يومهم حصل حاجة لطيفة، انا كنت براقب ردود فعل الناس اثناء العروض، لأن الناس دي لا تتلقى اي نوع من الفنون. بنتسأل اسئلة من قبيل “ينفع عيالنا يشاركوا؟” وكثيرا ما أمر في مكان اقمنا به عرض فيسألني أحدهم عن موعد العرض القادم. في النهاية يظل الوضع في الاسكندرية اسهل من العاصمة في رأي عبد النعيم، مشيرا إلى أن مهرجان كبير مثل “ديكاف” والذي  ينسق مع الأمن والمحافظة وشركة الاسماعيلية المالكة لمساحات كبيرة في وسط القاهرة، الا أن الأمن قد رفص لهم أكثر من عرض في الشارع.

برغم أن اللامركزية مفيدة في نظر عبد النعيم، لكن يظل نزول الشارع في اي مكان بمصر هو تحدي، لوجود مشكلة في المجال العام. الجو غير مشجع على تقديم الفن حتى في جراجات او اسطح عمارات فما بالك بالشارع، يضيف أنه اصبح هناك هوس بــ “مين ياخد الشارع”.  يرى عبد النعيم أن الشارع قد تم استهلاكه في الاحتجاجات وبالتالي، أي تواجد في الشارع هو بالضرورة فعل احتجاجي في نظر الناس بعد أن ملأ الشارع ملايين من الناس. “لو في مجموعة ماشية في الشارع تبقى مظاهرة، والناس والأمن بيتعاملوا معاهم على هذا الاساس”. الأمر في المجال الفني والثقافي أيضا صعب، لأن الدولة تتعامل مع نفسها أنها تمتلك الشارع، حتى الوقوف الطبيعي بالشارع يثير الشك.