وسط انشغال المسؤولين بقضاء الأجازات، استغل مقاولي البناء في محافظة الإسكندرية الساحلية فترة العطلات والأعياد لزيادة وتيرة هدم وبناء المنشآت المخالفة، وامتدت يد التدمير لتشمل مبان أثرية وتاريخية في المحافظة، رافعين شعار “اخطف واجرى”.

الأيام الماضية شهدت هجمة شرسة من مقاولي البناء بالإسكندرية خلال إجازة عيد الأضحى وبداية السنة  الهجرية، ما أعاد للأذهان عشوائية البناء المخالف الذي زاد عن الحد خلال فترة الانفلات الأمني إبان ثورتي 25 يناير 2010و 30 يونيو 2013.

وسط انشغال المسؤولين بقضاء الأجازات، استغل مقاولي البناء في محافظة الإسكندرية الساحلية فترة العطلات والأعياد لزيادة وتيرة هدم وبناء المنشآت المخالفة، وامتدت يد التدمير لتشمل مبان أثرية وتاريخية في المحافظة، رافعين شعار “اخطف واجرى”.

الأيام الماضية شهدت هجمة شرسة من مقاولي البناء بالإسكندرية خلال إجازة عيد الأضحى وبداية السنة  الهجرية، ما أعاد للأذهان عشوائية البناء المخالف الذي زاد عن الحد خلال فترة الانفلات الأمني إبان ثورتي 25 يناير 2010و 30 يونيو 2013.

في غفلة المسؤولين

2000 مخالفة تم ارتكابها خلال شهر واحد، حسب تقديرات مسؤولي المحافظة، أصبح 1600 منها أبراجاً سكنية عملاقة، عجزت المحافظة عن التصدي لها، ورغم وعود المحافظين المتعاقبين بالتصدي لتلك الظاهرة، إلا أن الفترة والتي شهدت أكثر من أجازة رسمية- متمثلة في أجازة عيد الأضحى واحتفالات نصر أكتوبر وبداية السنة الهجرية- شهدت ارتكاب أكثر من جريمة تشويه للتاريخ، كان أهمها هدم فيلا “شيكوريل” التراثية، بمنطقة رشدي، والتي يعود بنائها للعام  1930، على يد الثري اليهودي مورينيو شيكوريل، على الطراز المعمارى “Art Deco “، وهو تصميم يعتمد على فنون العمارة وجمال التصميم الداخلي، والفنون البصرية.

الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة حماية التراث بالإسكندرية، قال: “في أعقاب صدور قرار بتأميم ممتلكات اليهود في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تم تحويل فيلا شيكوريل إلى مقر تابع لرئاسة الجمهوري، قبل أن تنتقل تبعيتها إلى الشركة العربية للملاحة البحرية، قبل أن تشتريها إحدى الجمعيات الأهلية.

ويشير رئيس لجنة حماية التراث الى الفيلا تم ادراجها في قائمة حفظ التراث برقم 278 لسنة 2008 وأنها لم تخرج بعد من مجلد التراث.

لكن مقاول الهدم أكد صحة موقفه، مؤكداً أنه حصل على قرار من محكمة القضاء الإداري بخروج الفيلا من مجلد التراث المعماري لعدم مرور 100 عام على انشائها، وهو الأمر الذى نفاه الدكتور محمد عوض مؤكداً أن القضية لاتزال منظورة أمام القضاء، محملاً مقاول الهدم مسؤولية هدم الفيلا التي تعتبر أحد المباني والتحف المعمارية النادرة في المحافظة، وذلك حال صدور حكم بعدم خروجها من مجلد التراث.

أنقذوا الإسكندرية

نشطاء سكندريون دشنوا صفحات على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بعنوان “أنقذوا الإسكندرية”، و”لا لهدم فيلا شيكوريل” مع بدء محاولات هدمها منذ قيام ثورة يناير، ونجحوا في الأمر حتى بداية العام الهجري 1438، الذي بدأ الأحد 2 أكتوبر 2016، حيث استغل أحد المقاولين حصول المسؤولين على أجازة وغياب الدولة، لإتمام عمليات الهدم، ما دفع رواد مواقع التواصل لمحاسبة المتورط، في تدمير الفيلا وتشويه التراث المعماري الذي كان يميز المحافظة.

شيكوريل ليست وحدها

لم تكن “فيلا شيكوريل” وحدها هدفاً لمعاول الهدم وتشويه الجمال المعماري في “عروس البحر المتوسط”، حيث فوجئ أهالي المحافظة، خلال أجازة عيد الأضحى، بأعمال هدم فيلا “محمد عفيفي باشا” الأثرية الواقعة إلى جوار مبنى “السرايا” بمنطقة ستانلي على كورنيش المحافظة.

محمد عمارة، محاسب من سكان المنطقة قال: “أعمال هدم الفيلا، بدأت خلال أجازة عيد الأضحى، حيث فوجئنا بمقاول الهدم، يبدأ في هدم الفيلا باستخدام ونش ومعدات ثقيلة،  رغم أن المبنى يعود انشائه للعام 1944، وكان يملكه رجل إيطالي الجنسية.

منطقة بحري بحي الجمرك أيضاً شهدت هدم 3 مباني أثرية،  خلال أجازة عيد الأضحى والتي وصلت إلى 9 أيام لموظفي الحكومة، وسط مطالبات من الأهالي بالتصدي لتلك المحاولات، بعدما جرى بناء برج سكني مكانها يصل ارتفاعه إلى 20 طابقاً.

الأثري محمد عوض، أكد أنه تقدم بشكوى للمحافظة عقب هدم الفيلات الأثرية، واستبدالها بأبراج سكنية، رغم أن المنطقة محظور الهدم أو البناء أو الترميم بها بدون الحصول على تصريح، موضحاً أن كورنيش منطقة الجمرك (بحرى، الأنفوشى) مبنية على الطراز الايطالي واليوناني، حيث كنت تسكنها الجاليات الأجنبية، ومقيدة في مجلد حفظ التراث، حيث تحتفظ بنفس سماتها المعمارية المميزة.

60 ألف عقار مخالف

حسن سلام، رئيس غرفة عمليات الاسكندرية، قال إن الغرفة تلقت خلال شهر واحد أكثر من 2000 بلاغ بمخالفات عقارية سواء محاولات هدم أو بناء مخالف بالأحياء المختلفة، تركزت في مناطق “الجمرك، وأول وثاني المنتزه، وأول وثاني الرمل”، وتم إصدار  قرارات ازالة لتلك العقارات، مشيراً إلى وجود قرابة 60 ألف مخالفة عقارية بالمحافظة، وصادر لها قرارات هدم وازالة، إلا ان الأزمة الحقيقية تتمثل في عدم القدرة على تنفيذ قرارات الهدم، بسبب عدم وجود القوات الأمنية الكافية أو المعدات اللازمة لهدم تلك المخالفات.

يبقى الوضع على ما هو عليه

خلال البحث عن سبب أزمة بناء العقارات المخالفة خلال الأجازات، التقينا إبراهيم ملاك “مقاول” بمنطقة العصافرة، التابعة لقسم شرطة ثان المنتزه، حيث أكد استغلال المقاولين لفترة الأجازات للقيام بأعمال الهدم والبناء والترميم المخالف، مضيفاً: “تكمن كلمة السر في بقاء الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء”.

“ملاك” أكد أن أجازات المحافظة والدولة عبارة عن غياب كامل للدولة، فالجميع مشغول بقضاء عطلته، بينما يعتبرها مقاولي الهدم، فترة رواج لأعمالهم المخالفة بدون الحصول على تراخيص، لافتاً إلى أن الحصول على ترخيص هدم يمثل عملية مرهقة للمقاول، حيث يستغرق الحصول عليه 6 شهور، أما استخراج تراخيص البناء، فتتطلب معاينة الأرض وحضور لجنة من الآثار للمعاينة، وهو أمر يستغرق عام ونصف وهى فترة تلزم المقاول بدفع يوميات للعاملين وللمعدات والأدوات المطلوبة فى البناء تصل الى ملايين، ما يجعل البناء المخالف أفضل.

المخالف أفضل

“ملاك” أكد فترة الأجازات فرصة للمقاولين للعمل بعيداً عن أعين المسؤولين، موضحاً أن هدم عقار  مساحته 300 متر ومساواته بالأرض لا يتطلب سوى 8 ساعات، بعض الأماكن لا تحتاج لوضع أساسات او عمل خوازيق ويكون البناء عبارة ” لبشة” على وجه الأرض وهو ما يكفي لبناء عقار مكون من 10 طوابق، ويمكن بنائها في أسبوع واحد.

“ملاك” قال إن المقاولين وأصحاب العقارات يقومون بتسكين الأدوار المخالفة- عادة تكون بعد الدور العاشر- التي تم بنائها خلال الأجازات، قبل انهاء واجهة العقار أو استكمال التشطيبات النهائية، ويقوم الموظف المسؤول بتحرير محضر مخالفة واصدار قرار ازالة وعند التنفيذ، لا يتم الهدم لوجود سكان، فيتم احالة الأمر للقضاء الذي يصدر حكماً غيابياً على شخص وهمي يسمى “الكاحول” يكون هو المالك الوهمي للعقار.

ثغرات قانونية

أحمد عبد المنعم “محامى” أشار إلى وجود ثغرات قانونية يعتمد عليها مقاولي البناء، لافتاً إلى أن فترة الأجازات والعطلات الرسمية تمثل إنفراجة كبرى لهؤلاء، خاصة أنها تمنحهم وقتا لإتمام جريمتهم، في حين لا تزيد لعقوبة عن تحرير محضر مخالفة أو جنحة تنتهي بتوقيع غرامة في كثير من الأحيان.

مخالفات أكبر من المواجهة

اللواء عادل سلامة، رئيس حي المنتزه، أكد الحي يقوم بتشكيل غرفة عمليات خلال فترة الاجازات الرسمية والعطلات والمناسبات،  بالتعاون مع المحافظة لتلقى الشكاوى العديدة ومن بينها عمليات الهدم والبناء المخالف. لافتاً إلى أن غرفة العمليات بحي ثان المنتزه تلقت خلال أجازة عيد الأضحى ما يقرب من 40 محضراً بوجود محاولات هدم وبناء مخالف، وتم التصدي لها مباشرة.

“سلامة” أكد أن هناك الكثير من المخالفات العقارية لا تتمكن المحافظة من الوصول اليها بسبب عدم تلقي بلاغات عند بدء الهدم أو البناء، لتفاجئ المحافظة بعد ذلك بأنها أصبحت واقعاً لا يمكن التعامل معه.

وأعترف “رئيس الحي” بأن حجم المخالفات أكبر من قدرة المحافظة، بسبب عدم توافر الأدوات ومعدات الهدم، إضافة إلى أن الأمر يستدعى تواجدً أمنياً كبيرًا وحملات أمنية مكثفة ممثلة في أجهزة الدولة المختلفة وهو ما يصعب تنفيذه.

قنبلة موقوتة

المهندس حسين جمعه، رئيس جمعية الحفاظ على الثروة العقارية، وصف أزمة العقارات المخالفة بالإسكندرية بـ”قنبلة موقوتة”، مطالبا المحافظة بتشديد الرقابة ورفع درجة الطوارئ وتشكيل لجان متابعة ومراقبة لمواجهة ارتكاب مزيد من المخالفات العقارية.

وشدد على ضرورة تضافر كافة الجهود ممثلة في الأمن والأحياء والمحافظة لوقف أية مخالفات جديدة.

“جمعة” أكد أن الوضع معرض للانفجار في المحافظة، بعدما تجاهلت الدولة كارثة 60 ألف عقار، اعترفت المحافظة بأنها مخالفة، الأمر الذي شجع المقاولين للتمادي في مخالفاتهم، ما يهدد بكارثة أكبر تتمثل في عدم قدرة البنية التحتية خاصة الصرف الصحي على استقبال صرف تلك الارتفاعات الشاهقة التي وصلت إليها العقارات المخالفة، مطالبً بتشديد العقوبات على المقاولين وفرض الحراسات على العقارات المخالفة وبيعها لصالح المحافظة بعد إزاله الأدوار المخالفة.