لا تتقن أسماء شاطر اللغة النوبية رغم انها تنحدر من اصول نوبية عريقة، لكنها تحب سماع كلماتها من جدتها لأمها التي تعيش في أقصى جنوب مصر وتحديدا في قرية دهميت بمركز نصر النوبة محافظة أسوان.

الفتاة العشرينية لم تفارقها كل عادات وتقاليد النوبة، فعلى الرغم من أنها اعتادت الحياة بالقاهرة والإسكندرية شمالي مصر إلا أنها في تواصل دائم مع أقاربها في أقصى الجنوب.

لا تتقن أسماء شاطر اللغة النوبية رغم انها تنحدر من اصول نوبية عريقة، لكنها تحب سماع كلماتها من جدتها لأمها التي تعيش في أقصى جنوب مصر وتحديدا في قرية دهميت بمركز نصر النوبة محافظة أسوان.

الفتاة العشرينية لم تفارقها كل عادات وتقاليد النوبة، فعلى الرغم من أنها اعتادت الحياة بالقاهرة والإسكندرية شمالي مصر إلا أنها في تواصل دائم مع أقاربها في أقصى الجنوب.

فرحت أسماء عندما علمت بتجربة جديدة تسمى نوبة تيوب وهي قناة ناطقة باللغة النوبية على موقع اليوتيوب وتقول “القناة مفيدة لأنها تهدف لنشر اللغة النوبية والحفاظ على الموروث الثقافي والاجتماعي للنوبة”.

تراجع عدد المتحدثين بالنوبية

دراسات محمد عزمي رئيس الاتحاد النوبي العام على القرى النوبية في محافظة أسوان أظهرت أن 30 % فقط من قرى النوبة يجيد أهلها التحدث بالنوبية بينما يظل قرابة الـ70 % من السكان لا يتحدثونها ولكنهم يحفظون بعض الكلمات.

وبحسب تقرير صادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء لعام 2015 فإن عدد سكان محافظة أسوان بلغ حوالي مليون و486 الف نسمه، ولكنهم ليسوا جميعا من اصول نوبية ولا يوجد تحديد لنسبتهم. وينتشر النوبيون في محافظات الإسماعيلية والإسكندرية والقاهرة والسويس. وبالرغم من انه لا يوجد إحصاء رسمي بعدد النوبيين في مصر فإن مصادر نوبية تقدر هذا العدد بقرابة ال2 مليون نوبي.

تشارك اسماء صديقاتها مرتين أسبوعيا في مشاهدة نوبة تيوب لكي تردد وراء مقدم البرنامج الكلمات النوبية ثم تتطرق هي وصديقاتها إلى نقاش باللغة النوبية يعجزون عن مواصلته لعدم امتلاكهم الرصيد اللغوي الكامل ليكملوا بعدها الحديث باللغة العربية.

تتمنى ليلى حمود ربة منزل أن يتعلم أولادها اللغة النوبية وتشترك لهم في النادي النوبي العام بالقاهرة في دورات تدريبية لاتقان اللغة وتقول “انا من مواليد القاهرة عام 80 ولكني أفهم جيدا اللغة النوبية لان ابي وامي كانوا يتحدثونها طوال الوقت، وقررت أن أعلمها لأولادي وأسعد كثيرا بالحملات التي يطلقها البعض لتعلم اللغة”.

محاولات لاحياء النوبية

يشير محمد عزمي رئيس الاتحاد النوبي العام ومدير قناة نوبة تيوب إلى أن الدراسات تؤكد احتمالات انقراض اللغة النوبية خلال الخمسة والسبعون عاما القادمة وهو ما يدعو للعمل بشكل جدي من أجل إحياء اللغة” لافتا إلى أن التجربة تسعى للحفاظ على الهوية النوبية بعدما اتجه بعض الأهالي وخاصة الشباب إلى هجر اللغة النوبية.

يضيف عزمي بأن القناة تضم مجموعة من الشباب من أبناء النوبة وغيرهم من طلاب كلية الإعلام وتعتمد على أدوات بسيطة لنقل وتسجيل المواد المذاعة والتي تشمل مواد تعليمية وتراثية وإخبارية بمختلف اللغات وترجمتها إلى النوبية بهدف نشر اللغة باستغلال الانترنت والتطور التكنولوجي.

بحسب عزمي فإن نوبة تيوب هي أحد المحاولات التي سبقتها محاولات أخرى للحفاظ على اللغة والثقافة النوبية، من بينها حملة “كلمني نوبي” التي أطلقها الناشط النوبي محمد عبد الباسط على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث يقوم بترجمة عددا من الكلمات والأغاني والأمثال الشعبية النوبية من وإلى العربية، وقد لاقت إقبالا كبيرا. كما ساهم النادي النوبي بالقاهرة ببعض المحاولات كتنظيم الدورات التدريبية وورش العمل ويستطرد بأن المحاولة الاولى عبر الاونلاين باللغة النوبية كانت نوبة تيوب.

لفت الباحث النوبي مكي محمد عبدالله إلى أنه في أواخر القرن العشرين أنشأ مثقفو النوبة “مركز توثيق التراث النوبي”  لتوثيق كل ما له علاقة ببلاد النوبة بما فيها لغتهم العتيقة وتبعتهم مكتبة الإسكندرية بإنشاء “مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي” الذي اشتمل على إدارة لحفظ التراث النوبي فضلا عن لجنة مستشارين تضم مجموعة من أبرز مثقفي النوبة لجمع وتوثيق كل ما له علاقة بتراثهم الإنساني.

مجهود فردي لابد من صياغته

يعلق الدكتور أسامة عبد الوارث خبير اليونسكو للمنطقة العربية على التجارب الحديثة لتعليم النوبية بأنها مجهود فردي يجب أن يوضع في إطار معين حتى يتم الاستفادة منه ويجب أن تكون العملية أكثر تنظيما فلابد من تعليم اللغة بالمدارس ومن ثم الجامعات بطرق علمية وأكاديمية وتدرس من خلالها الثقافة والفنون والعمارة. ويشدد عبد الوارث على ضرورة الاهتمام بتعليم الفتيات الصغيرات للغة لأن الأم هي التي تعلم الأبناء كيفية النطق وأشار إلى أن تعلم ممارسة اللغة للنوبيين مهم جدا لاحياء اللغة والعادات والتقاليد كثقافة حية تمارس في كل بيت وقرية.

التهجير سبب ضياع اللغة

هجر أهالي 68 قرية نوبية على 4 مراحل بدأت في العام 1902 مع بدء العمل في خزان أسوان والذي تسبب في غرق 10 قرى نوبية انتقل أهلها طواعية ودون مقابل من الدولة إلى البر الغربي ومحافظات مصر المختلفة. وفي العام 1912 حدثت التعلية الأولى للخزان وغرقت بسبب ذلك 8 قرى، لينتقل أهلها طواعية أيضا. وبعد التعلية الثانية في العام 1933 غرقت 10 قرى أخرى ليتوزع أهلها على محافظات الجمهورية دون جهد أو طلب من الحكومة. وبحسب المؤرخ أحمد الكردي الاستاذ بجامعة جنوب الوادي فقد شهد العام 1964 تهجير النوبيين من أجل إنشاء السد العالي ونقلوا خلف السد حيث هضبة كوم أمبو‏ ونقلت أكثر من 40 قرية بنفس أسمائها القديمة وهو ما أدى إلى تفتت كتلة النوبيين وتشتتهم ما أضاع الوحدة الثقافية بينهم وأدى إلى غياب اللغة الواحدة التي جمعتهم في الماضي.

تؤكد شاطر ان التهجير احد الاسباب الرئيسية وراء انقراض اللغة وانكماش الأعمال الثقافية لكنها تؤيد التجارب الفردية وتشيد بنجاح تجربة نوبة تيوب في جذب المشاهدين من أبناء النوبة وغيرهم وتفاعل النوبيين مع القناة بعكس تجارب أخرى لم تلقَ حظاً من النجاح.

الدستور منح حقوقا للنوبيين

تؤكد الباحثة المستقلة فاطمة إمام سكوري وأحد أعضاء الفريق الاستشاري لحجاج آدول ممثل النوبيين في لجنة الخمسين التي شكلت لتعديل دستور ٢٠١٢، تؤكد أن الدستور المصري اعترف بحزمة من حقوق النوبيين مثل حق التنمية للنوبة ضمن المناطق النائية التي قرروا أن تتم التنمية باستشارة سكانها في عملية اتخاذ القرار. ونص الدستور على احترام التعددية الثقافية التي تسمح للنوبيين بالاعتراف بثقافتهم الخاصة والحفاظ عليها وجُرِم التمييز على أساس اللون والعرق.

واضافت بان الحق في العودة أهم ما حظى به النوبيين وقد كان وما زال حق العودة إلى ضفاف بحيرة السد المطلب الأساسي للنوبيين لعقود عدة وقد تم إقراره في دستور 2013/2014. ويقضي الحق بالسماح بعودة النوبيين إلى مواطنهم الأصلية في غضون عشر سنوات تقام خلالها البنى التحتية اللازمة.

الدولة لا تحمي التراث النوبي

لكن أحمد صالح مدير آثار النوبة في أسوان يرى أنه كان من الأجدى أن تكون حماية التراث النوبي قضية الدولة المصرية لكن ما يحدث هو تحمل المجتمع النوبي وحده مسؤولية الحفاظ على اللغة والعادات والتراث النوبي.

وأضاف صالح ” هناك مبادرات واسعة لإحياء اللغة النوبية من خلال النادي النوبي العام في مصر وتكثيف الدراسات لكتابة اللغة وتدريسها للنوبيين والمهتمين من المصريين، ولكن عدم سماح الدولة المصرية بتداول التعامل باللغة النوبية في أي من المؤسسات الاجتماعية أو التعليمية لا يزال عنصر قلق وخوف من ضياع الهوية النوبية خصوصاً في ظل عدم وجود عناصر تشجيعية للأجيال الصغيرة للتعامل باللغة مع سيطرة اللغة العربية داخل المدرسة وفي التعامل مع المجتمع المصري وهو ما يدفع كل الأسر النوبية إلى الضغط على أبنائها من أجل التحدث باللغة النوبية داخل المنزل على الأقل”.

وتطالب أسماء شاطر في النهاية الحكومة المصرية بالسماح بتدريس اللغة النوبية داخل المدارس وفي الجامعات وتشير إلى أن المحاولات التي يقوم بها النوبيين من اجل استمرار تعلم اللغة لابد أن تتم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وفي إطار خطة كاملة لإعادة الحياة للثقافة النوبية مؤكدة أن النوبيين يمارسون عاداتهم وتقاليدهم من خلال التجمعات التي تقام في في أماكن إقامتهم سواء في القاهرة أو الإسكندرية أو السويس وغيرهم.