مع بزوغ الشمس تتجه عديد النساء بخطى متسارعة صوب ورشات انتشرت بقرية المنبسطة بالقيروان، مختصة بصقل قصب الشنشان الذي يستخدم في صنع الأثاث وواقيات الشمس والحواجز.

تنهض سعاد باكرا جدا لتلتحق بالنساء، تغادر منزلها الشبيه بالكوخ وهي تتأبط رضيعها الذي لم يدرك عامه الأول، مستحثة باقي أطفالها للإسراع معها للورشة حيث يمضون يومهم برفقتها.

مع بزوغ الشمس تتجه عديد النساء بخطى متسارعة صوب ورشات انتشرت بقرية المنبسطة بالقيروان، مختصة بصقل قصب الشنشان الذي يستخدم في صنع الأثاث وواقيات الشمس والحواجز.

تنهض سعاد باكرا جدا لتلتحق بالنساء، تغادر منزلها الشبيه بالكوخ وهي تتأبط رضيعها الذي لم يدرك عامه الأول، مستحثة باقي أطفالها للإسراع معها للورشة حيث يمضون يومهم برفقتها.

لا تهتم سعاد لهندامها أو حتى لوجهها الخالي من المساحيق بقدر ما تتفقد حرارة رضيعها الذي زارته الحمى فتتردد في تركه بالمنزل قبل أن تقرر حمله في حضنها ليرافقها لورشة العمل.

حياة شاقة

تتضاعف مسؤولية سعاد في العمل مع مرافقة رضيعها الصغير وأخويه فيما تحاول جاهدة مسابقة العرق المتصبب من جبينها لتوزيع طاقتها بين رضيعها الملتصق بصدرها وبين عملها.

يدفع الوضع الاجتماعي الصعب وارتفاع تكلفة المعيشة سعاد للعمل في مهنة صقل القصب المضنية من أجل مساعدة زوجها العاطل عن العمل بأجرة يومية متواضعة تقل عن عشرة دولارات.

تقول سعاد لمراسلون “إذا لم أشتغل لن نجد ما نأكله أو ننفقه”، مفيدة أنها اضطرت للعمل بإحدى ورشات صقل القصب بسبب فشلها في العثور على عمل قار بأحد المصانع المجاورة للقرية.

ومهنة صقل قصب الشنشان وتهذيبه وبيعه، أصبحت عقب الثورة في تونس من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الصاعدة في قرية المتبسطة الواقعة في ضواحي القيروان (وسط البلاد).

وهذه المهنة التي تشغل عشرات النساء بقرية المتبسطة ليست قارة لكنها تبقى حلا مناسبا للعائلات الفقيرة بتلك المنطقة المهمشة التي لم تنل حظها في التنمية وتتراجع بها المرافق الحياتية.

ولم تستفد القرية من تواجدها بالقرب من المنطقة الصناعية التي تشغل عددا قليلا من الأهالي، إذ غالبا ما يتم جلب عمال من محافظات مجاورة ما خلق شعورا بالإحباط لدى الأهالي.

رغم أنها ليست راضية على وضعها تعتبر سعاد نفسها محظوظة لكونها وجدت شغلا بورشة لصقل القصب التي توفر بعض القوت لأسرتها، قائلة “آمل أن تطول فترة عملي أقصى ما يمكن”.

تقضي سعاد مع بقية العاملات بورشات القصب ساعات طويلة حيث تنظف أعواد القصب وتزيل الفروع والأوراق لتبدو مصقولة ومهذبة وعند الغروب تعود كغيرها منهكة تجر أقدامها مع أبنائها.

نفقات باهظة

على عكس سعاد تعمل جارتها محبوبة مع زوجها بنفس الورشة ورغم أنهما يتقاضيان ضعف ما تتقاضاه فإن وضعهما المادي يبقى صعبا في أسرة تتكون من خمسة أطفال لديهم نفقات مرتفعة.

تتحدث محبوبة عن معاناتها بينما يُحدث مرور السكاكين التي تستعملها العاملات بجوارها على أعواد القصب في حركات متواترة إيقاعا خاصا تكاد سرعة السيارات عبر الطريق القريب أن تخفيه.

“يحتاج خمسة أبناء إلى مصاريف دراسية ونفقات تنقل ومداخيلنا لا تسمح بتوفير الحد الأدنى من احتياجات العائلة” تقول محبوبة معبرة عن هاجس يملأ رأسها سببه تردي المعيشة.

وتعاني جل العائلات الفقيرة من تدهور قوتها الشرائية نتيجة ارتفاع الأسعار وتدني الرواتب وتراجع قيمة الدينار التونسي أمام العملة الصعبة وكذلك تتالي الأعياد والمناسبات الاستهلاكية.

وينطبق هذا الوضع الصعب حتى على مالكي ورشات القصب فمريم التي تناهز الستين عاما تواجه مصاعب في حياتها خصوصا في ظل تراجع المبيعات وارتفاع تكلفة القصب الذي تستعمله.

مهنة هشة

لجلب القصب من المناطق المجاورة تؤجر مريم عددا من العمال تصل أجرتهم إلى 20 دينار (10 دولار) للشخص الواحد. في المقابل ترتبط أرباحها بارتفاع المبيعات التي تشكو من التراجع.

وما يزيد الوضع صعوبة –بالنسبة إليها- هو أن هذا النشاط غير مدرج ضمن الصناعات التقليدية رغم طابعه الحرفي واستعمال مواد طبيعية وتحويلها الى منتج قابل للاستعمال في شتى المجالات.

ولا تعتبر المندوبية الجهوية للصناعات التقليدية بالقيروان هذه المهنة عملا تقليديا ولا تعتبر العاملين فيها حرفيين بحسب توضيح طارق خلف المندوب الجهوي للصناعات التقليدية بالقيروان.

يقول هذا المصدر لمراسلون أنه دعا أصحاب ورشات القصب لتحويل القصب إلى مصنوعات يدوية من أجل إدراجه ضمن الحرف المصنفة والتعاون مع الجمعيات النسوية لتكوين العاملات.

وأكد أن هذا التوجه سيمكنهن من بطاقات مهنية لاحقا تسمح لهن بتوفير امتيازات مالية فضلا عن فرص العرض وترويج المنتوج بالمعارض بالتعاون مع وزارة السياحة والصناعات التقليدية.

ويوجد بالقيروان نحو 30 ألف عامل وعاملة في مجال الصناعات التقليدية، 90 بالمائة منهم من النساء اللاتي يعملن في مجال السجاد والنسيج وهي قطاعات غير مستقرة وتعاني من صعوبات.