بعد أن أجبر على ترك عمله كأستاذ بالجامعة -بسبب انتهاء فترة التعاقد معه- بحث عماد غانمي (طالب بمرحلة الدكتوراه) عن مورد رزق آخر يعيل به عائلته.

لم يتعفف هذا الشاب الذي درس ودرّس بالجامعة سنوات طوال، لم يتعفف عن ممارسة أي نشاط يكفل لأسرته الفقيرة لقمة العيش في ظرف يطغى عليه ارتفاع الأسعار.

اختار عماد أن يبيع بعض اللعب والملابس في الشوارع لكنه وجد نفسه في مواجهة عسيرة مع رجال الأمن الذين حجزوا قبل أشهر بضاعته ودراجته النارية.

بعد أن أجبر على ترك عمله كأستاذ بالجامعة -بسبب انتهاء فترة التعاقد معه- بحث عماد غانمي (طالب بمرحلة الدكتوراه) عن مورد رزق آخر يعيل به عائلته.

لم يتعفف هذا الشاب الذي درس ودرّس بالجامعة سنوات طوال، لم يتعفف عن ممارسة أي نشاط يكفل لأسرته الفقيرة لقمة العيش في ظرف يطغى عليه ارتفاع الأسعار.

اختار عماد أن يبيع بعض اللعب والملابس في الشوارع لكنه وجد نفسه في مواجهة عسيرة مع رجال الأمن الذين حجزوا قبل أشهر بضاعته ودراجته النارية.

لم يقدر عماد على استرداد بضاعته أو دراجته من الشرطة وفي لحظة يأس من الدنيا أضرم هذا الجامعي النار في جسده ليفاق الحياة متأثرا بحروقه ومتألما من واقعه.

وتعيد هذه المأساة فتيل الاحتجاجات الاجتماعية على البطالة والخصاصة لدى كثير من المعطلين حينما أحرق مشعل الثورة محمد البوعزيزي جسده بسيدي بوزيد.

الانتحار

لكن على الرغم من مرور أكثر من خمس أعوام على الثورة ما تزال مقومات الاحتجاجات على البطالة والفقر قائمة خصوصا مع توتر الأوضاع في عديد المناطق.

والأمثلة عن محاولات الانتحار لدى جزء من خريجي الجامعات المعطلين عن العمل في تونس لا تحصى، إذ تواترت تلك المحاولات في ظل وضع اجتماعي خانق.

وليد المومني (35 عاما) كاد أن يفقد حياته ويخسر أسرته في لحظة يأس بعد أن طالت بطالته عقب تخرجه من الجامعة دون آفاق تفتح له باب الرزق والأمل.

يفيد وليد لمراسلون بأن ما دفعه لمحاولة الانتحار هو اليأس من طول الانتظار على مقاعد البطالة وعدم التزام الحكومة بتوظيف معطلين قادوا احتجاجات بالقصرين.

“كنت في لحظة يأس شعرت من خلالها أن لا جدوى من حياتي ولا من شهادتي الجامعية لأني عجزت عن توفير لقمة العيش أو الدواء لزوجتي التي أجهضت جنينها”.

إحباط

قصة عماد ووليد لا تشذ عن آلاف قصص المعطلين من أصحاب الشهائد العليا ممن يعانون البطالة منذ عشرات السنوات فبلغ الإحباط ببعضهم إلى حد التفكير في الانتحار.

وحسب آخر الإحصائيات يبلغ عدد المعطلين عن العمل من حاملي الشهادات حوالي 250 ألف عاطل أي بنسبة تقارب 30 بالمائة من مجموع عدد العاطلين عن العمل.

يقول رمضان بن عمر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية الحقوقي أن انتحار الشباب “يعود إلى إغلاق باب الحوار معهم وانعدام الأمل بحياتهم”.

ويوضح لمراسلون أن إقدام شبان جامعيون على الانتحار يأتي كرد فعل آني نتيجة صدهم من قبل السلطات في وقت يشعرون فيه بالقهر والظلم من تدهور معيشتهم.

وتظهر أرقام نشرها المنتدى أن حالات الانتحار التي سجلت العام الماضي قد بلغت 549 حالة مقابل 203 حالة عام 2014، وأغلبها تشمل شبابا بين 25 و35 سنة.

ولم تخمد احتجاجات المعطلين عن العمل بعد الثورة فلا تكاد أي محافظة تخلو من ذلك جراء الاعتصامات وإضرابات الجوع ومحاولات الانتحار حتى أمام البرلمان.

مهن صغرى

وفيما يواصل جزء من المعطلين احتجاجاتهم للظفر بوظيفة بالقطاع العام الذي يعاني من كثرة الانتدابات يحاول البعض الآخر كسب قوته في مهن لا تتناسب مع مستواه.

ففي المناطق الريفية تلجأ فتيات يحملن شهائد عليا للعمل بالقطاع الفلاحي كتربية الماشية وجمع الزيتون أو الغلال أو الخضر في الحقول في ظروف قاسية.

فردوس الحاجي واحدة من الفتيات اللاتي يعملن في مهن لا تتناسب مع شهائدهن الجامعية، فقبل أشهر اضطرت هذه الشابة لفتح متجر صغير لبيع سلع مصنوعة من الخزف.

تجني فردوس عائدات قليلة لكنها ترى بأن “خيارها أفضل من أن تبقى مهمشة وعاطلة عن العمل في ظل وعود زائفة من قبل الحكومات لتشغيل حاملي الشهائد”.

وتقول الحكومات المتعاقبة إنها غير قادرة على توظيف مزيد المعطلين بالقطاع العام بدعوى أنه يشكو من مصاعب كبيرة، ملوحة بأن الحل يكمن في المشاريع الخاصة.

عراقيل

ويؤكد مسؤولون أن الدولة تعمل على توفير امتيازات مالية وجبائية لأصحاب الشهاد الذين يرغبون ببعث مشاريعهم الخاصة لكن تبقى مشكلة البيروقراطية قائمة.

ويشتكي الكثير من المعطلين عن العمل من بطء الإجراءات الإدارية للحصول على قروض بنكية يمولون بها مشاريعهم الذاتية في وقت تعاني منه البلاد من شح السيولة.

يقول عبد الله لطيفي وهو متحصل على إجازة في الرياضيات منذ خمس سنوات وعاطل عن العمل إن “الإجراءات الإدارية تكبل من يرغب في بعث مشروع صغير”.

ويضيف لمراسلون أن الكثير من حاملي الشهائد العليا يبحثون عن طرق لبعث مشاريع صغيرة “لكنهم يجدون كل الأبواب مؤصدة أمامهم بسبب كثرة العراقيل”.

وبعد أن ترك مقاعد الجامعة اضطر عبد الله للعمل بحظائر البناء حتى يستطيع توفير نفقاته بنفسه بعدما ظل لأكثر من عقدين يأخذ مصروف جيبه من أسرته المتواضعة.

غموض

ويؤكد سالم العياري رئيس اتحاد المعطلين عن العمل أنه لا توجد إجراءات حقيقية لحل معضلة البطالة في البلاد وأن “معظم الإجراءات الحكومية لم تحقق شيئا”.

“قانون المالية لهذا العام أعلن عن انتداب خمسة عشر ألف شخص من صفوف المعطلين لكن الغموض يكتنف هذا البرنامج شأنه شأن المشاريع الاستثمارية المعطلة”، وفق قوله.

وتعاني البلاد التونسية من ارتفاع معدلات البطالة والفقر بعد الثورة في ظرف صعب ازدادت معه نسبة عجز الموازنة وارتفاع المديونية بسبب تعطل الإنتاج والاستثمار.