تعاني شركة فسفاط قفصة التي كانت تدر أرباحا طائلة للدولة من اضطراب في الإنتاج والتصدير بعد الثورة. كيف تقيمون وضعها الحالي؟

قطاع الفسفاط في تونس هام واستراتيجي لأنه كان يساهم قبل الثورة في ما بين 3 و4 بالمائة من الناتج الداخلي للبلاد ويمثل 15 بالمائة من إجمالي الصادرات التونسية.

تعاني شركة فسفاط قفصة التي كانت تدر أرباحا طائلة للدولة من اضطراب في الإنتاج والتصدير بعد الثورة. كيف تقيمون وضعها الحالي؟

قطاع الفسفاط في تونس هام واستراتيجي لأنه كان يساهم قبل الثورة في ما بين 3 و4 بالمائة من الناتج الداخلي للبلاد ويمثل 15 بالمائة من إجمالي الصادرات التونسية.

كان القطاع ينتج قبل الثورة نحو 8 ملايين طنويقع تثمينها في معامل المجمع الكيميائي التونسي للحصول على مشتقات الفسفاط ذات القيمة المضافة العالية والمطلوبة في العالم.

لكن بعد الثورة وبسبب الاحتجاجات وارتفاع المطالب الشعبية تعطلت وحدات الإنتاج ونزل الإنتاج إلى مستويات قياسية حيث بلغ حاليا حوالي 3 ملايين طن فقط.

كم تقدرون خسائر قطاع الفسفاط في السنوات الخمس الأخيرة (بعد الثورة)؟

الخسائر المالية هامة وجسيمة. قبل الثورة كانت شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي يحققان أرباحا في حدود 800 مليون دينار سنويا (400 مليون دولار) أما اليوم أصبحت الشركتين شبه عاجزتين وتعاني من صعوبات مالية خانقة.

تبلغ قيمة الخسائر في الخمس سنوات الأخيرة حوالي 5 مليار دينار (حوالي مليار دولار) وهو حجم يضاهي أحد القروض الذي تحصلت عليه تونس من صندوق النقد الدولي في عام 2013.

وهذا يعني هذا أنه في حال حافظ القطاع على عافيته بنفس النسق لما قبل الثورة فإن تونس كانت ستستغني عن حصول على هذا القرض لاسيما وأن أسعار الفسفاط في السنوات الأخيرة الماضية كانت مرتفعة جدا.

كم عدد الأسواق العالمية التي خسرها قطاع الفسفاط التونسي جراء هذه الوضعية المتدهورة؟

أود أن أذكركم بأن تونس كانت تحتل المراتب الأولى عالميا في إنتاج الفسفاط وتصديره لعدد كبير من الدول وخاصة منها تركيا والصين. وهي لها أكثر من 100 سنة في هذا المجال خاصة وأن المزارعين الأوروبيين يحبذون نوعية مشتقات الفسفاط التونسي لجودته.

لكن الوضعية التي عرفها القطاع بعد الثورة جعلت الإنتاج يتقلص ما أثر على نسق تزويد الحرفاء الأجانب بنسبة وصلت إلى 40 بالمائة. أما الحديث عن فقدان تونس لزبائنها أمر غير صحيح لأن ما حصل فعلا هو تقلص نسق تزويدهم بالأسمدة الفسفاطية وخاصة السماد العضوي الموجه أساسا للنشاط الفلاحي للحرفاء في الخارج بما يجعلهم يتوجهون إلى دول منافسة على غرار المغرب.

هناك من يتحدث عن إمكانية تخلي الدولة نهائيا عن الشركة لمستثمرين أجانب في ظل الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي تمر بها البلاد. هل هذا صحيح؟

 (يبتسم) تخلي الدولة عن شركة فسفاط قفصة أو المجمع الكيميائي التونسي من الخطوط الحمراء وهي المواضيع التي لا تخطر ببال أي مسؤول في الدولة.

لكن الحديث عن إمكانية عقد شراكات فهذا أمر مطروح لا سيما وأن العديد من الدول انتهجت الشراكة في مجال إنتاج واستخراج الفسفاط على غرار ما حصل في الأردن والمغرب وجنوب إفريقيا.

وفي المستقبل وفي حال تخطى الإنتاج عتبة الـ12 مليون طن سنويا في تونس فإن التفكير في عقد شراكات سيصبح أمرا محتما لا سيما وأن المنافسة الدولية كبيرة وتحتم التحالف مع شريك أجنبي استراتيجي لمزيد تعزيز تموقع القطاع في السوق العالمية.

من أسباب تعطل الإنتاج في شركة فسفاط قفصة كثرة اعتصامات المعطلين عن العمل. ألم يكن بوسعكم استيعاب جزء من المعطلين لاستعادة الإنتاج؟

هذا صحيح حيث عرفت منطقة قفصة (الجنوب الغربي) توترات اجتماعية كبيرة نتيجة اعتصامات المعطلين عن العمل في مختلف مناطق الحوض المنجمي ما تسبب في غلق جل وحدات الإنتاج وقطع سكك الحديد لإيصال الفسفاط للمجمع الكيميائي التونسي. وبسبب هذه الوضعية تراجع استخراج الفسفاط إلى مستويات دنيا حيث بلغ إنتاج الفسفاط في سنة 2015 إلى معدلات سنة 1928.

نحن نتفهم مطالب المحتجين ورغبتهم في الحصول على وظائف تضمن لهم كرامتهم وقد قامت الشركة بمجهودات كبيرة في مجال التشغيل منذ الثورة ببعث في مرحلة أولى شركة للغراسات والبيئة لاستيعاب العاطلين عن العمل وتشغيل عدد كبير من حاملي الشهادات.

وتواصل هذا المنحى التصاعدي في التشغيل وآخر عملية تم من خلال انتداب 260 إطار عبر مناظرة شفافة ونزيهة. كما تم ومنذ بضعة أيام قليلة الإعلان عن انتداب 1700 عون تنفيذ موزعين على جميع وحدات الإنتاج.

هل هذا يعني أن الحل الوحيد الذي اهتدت إليه الشركة هو امتصاص جزء من المعطلين. أين مساهمتها في الاستثمار وتمويل المشاريع الخاصة؟

ليكن في علمكم أن شركة فسفاط قفصة منخرطة في مشروع المسؤولية المجتمعية وفي هذا الإطار قامت بتخصيص اعتمادات بقيمة 60 مليون دينار (حوالي 30 مليون دولار) لفائدة بنكين عموميين على امتداد 3 سنوات 2015/2017 بهدف تمويل مشاريع لمعطلين عن العمل. ومن المنتظر أن ينتفع بهذا المشروع مئات الشباب الحالم ببعث مشروعه الخاص ولم يجد التمويل في السابق.

من مطالب أهالي قفصة تحويل جزء من عائدات الفسفاط إلى الجهة فهل هذا أمر ممكن؟

محافظة قفصة ومنطقة الحوض المنجمي الموجدة بها تعاني من نقص فادح على مستوى التنمية والحل هو إقرار التوزيع العادل للثروة الذي ظل مجرد شعار لعدة عقود وتنويع القاعدة الاقتصادية في الجهة.

والمطلوب حاليا من شركة فسفاط قفصة أن تستعيد عافيتها وإنتاجها بانتظام من أجل تحقيق أرباح تمكنها من أن توظف جزءا منها في توفير التشغيل ومتطلبات التنمية والمرافق الأساسية في الجهة.

الإشكال الحقيقي في اعتقادي والذي ما يزال قائما هو أن محافظة قفصة تعيش فقط من الفسفاط لذلك فإن الحل يكمن في تنويع القاعدة الاقتصادية وخلق ديناميكية حقيقية في مجال بعث المشاريع وإحداث مواطن شغل في مجالات جديدة.