درنة، المدينة التي طالما تغنى بسحر طبيعتها الجبلية شعراء الفصحى وغير الفصحى تعيش حالياً أوضاعاً إنسانية صعبة، بعد رفض التنظيمات المسلحة المتحكمة بها تسليم أسلحتها للجيش الليبي التابع لمجلس النواب، ما جعل الجيش يضرب حصاراً عليها منذ أكثر من عام للضغط على الميليشيات وتفاديا لحرب داخل شوارع المدينة.

درنة، المدينة التي طالما تغنى بسحر طبيعتها الجبلية شعراء الفصحى وغير الفصحى تعيش حالياً أوضاعاً إنسانية صعبة، بعد رفض التنظيمات المسلحة المتحكمة بها تسليم أسلحتها للجيش الليبي التابع لمجلس النواب، ما جعل الجيش يضرب حصاراً عليها منذ أكثر من عام للضغط على الميليشيات وتفاديا لحرب داخل شوارع المدينة.

منذ عام 2011 يسيطر تنظيم “كتيبة شهداء أبوسليم” ذو التوجه الإسلامي المتشدد على مدينة درنة التي تبعد 320 كلم شرق بنغازي، وشاركه في السيطرة تنظيم داعش الذي لم يكن على وفاق مع نظيره، ومع مرور الوقت لم تتسع الأرض للمجموعتين المتفقتين في أفكار كثيرة، فتطور الأمر إلى اشتباكات مسلحة استطاع فيها “أبوسليم” دحر داعش خارج المدينة في حزيران/يونيو 2015 .

الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر يرى أن “داعش وأبوسليم” وجهان لعملة واحدة، وبالتالي واجب تحرير المدينة منهما حسب رأي الجيش.

الأوضاع في درنة مبهمة وغير واضحة، وأبوسليم الذي يتسمّى الآن بمجلس شورى ثوار درنة ليس في نيته عقد أي اتفاق مع الجيش، ما يجعل مصير المدينة مجهولاً حتى اللحظة، وهذا قاد “مراسلون” لطرح أسئلة أجابت على كثير منها عضو مجلس النواب عن درنة انتصار شنيب في هذا الحوار: 

س- صِفي لنا الأوضاع الإنسانية جرّاء الحصار الذي يضربه الجيش حول مدينة درنة؟

ج- لا أفشي سراً عندما أقول إن الأوضاع الإنسانية تعتبر سيئة جداً بمدينة درنة، لكن الجيش الوطني الليبي فتح أكثر من مرة ممرات لإيصال المساعدات الإنسانية القادمة من الهلال الأحمر الليبي والصليب الأحمر الدولي، لمساعدة المحتاجين بالمدينة وتقديم العون لهم.

المشكلة تكمن في تنظيم أبوسليم “الإرهابي” الذي فاقم الأمر وزاد من حدة سوء الأوضاع، بعدم تسليم سلاحه للجيش الذي يريد أن يبسط سيطرته على المدينة وتحريرها بالكامل من مظاهر الإرهاب.

س- ومع ذلك أليس من المفترض على الحكومة المؤقتة المساهمة في مساعدة أهالي درنة و النظر في احتياجات مرافقها الخدمية؟

ج- للأسف الحكومة المؤقتة مقصره جداً في حق مدينة درنة وأهلها، والمدينة تُعاقَب بشكل جماعي على ذنب يرتكبه المتطرفون لا عامة مواطنيها الأبرياء، هناك نواقص جمة في الخدمات الطبية والتعليمية والإدارية.

قد لا نستطيع لوم الحكومة كثيراً بحكم عدم اعتراف المجموعة المسلحة المسيطرة على المدينة بها، ولكن وبما أن درنة تقع في نطاق عمل الحكومة المؤقتة فواجب على مجلس وزرائها إيجاد طريقة لإيصال الخدمات والاحتياجات الضرورية.

س-  حسب علمك ما هى أهم الأماكن والمؤسسات والأحياء التي يسيطر عليها تنظيم أبو سليم ومجلس شورى مجاهدي بدرنة؟

ج- “مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها” يسيطر على درنة بالكامل على كل المداخل والمخارج وهذه حقيقة. هناك أحياء كثيرة انتفضت ضد هذا التنظيم مثل حي الساحل الشرقي وباب طبرق لكن بوسليم يرعب المدنيين وكل السكان ويمارس الضغوطات والتهديد على النشطاء. وبالرغم أن عددهم لا يتجاوز 200 لكنهم يمتلكون القوة والسلاح، ويصولون ويجولون في المدينة بكل أريحية.

س- هل تعتقدين أن هناك قبولاً للجيش وعملية الكرامة داخل درنة؟

ج- بالتأكيد هناك قبول كبير جداً لعملية الكرامة وبضرورة دخول الجيش الوطني الليبي لتخليص المواطنين من ظلم التنظيمات الإرهابية بالمدينة، بل أستطيع القول إن أسهم الجيش زادت بشكل كبير لا سيما بعد سيطرته على منطقة الهلال النفطي بالكامل وتحريرها من قبضة جضران وزمرته التي كانت سببا في خسارة أكثر من 100 مليار دينار من خزينة الدولة نتيجة إقفالهم الموانئ النفطية، صدقني عندما أقول لك إن نسبة مؤيدي الجيش من أهالي درنة تصل إلى 90٪.

س-  بناء على كلامك فإن الجيش  لو دخل المدينة فلن تطول عملية التحرير؟

ج- لا أظن أن عملية التحرير ستطول، فدرنة مدينة صغيرة جداً ولا يزيد عدد سكانها عن 150 ألف نسمة، وأتوقع أنهم سينتفضون فور دخول الجيش مباشرة لأنهم ذاقوا المر من خلال سيطرة تنظيم تلو الآخر على المدينة، ثق وتأكد أن أهالي درنة يساندون قوات الجيش بإعطائهم المعلومات وأماكن تواجد الذخائر والإرهابيين بمدينة درنة.

س- ما مدى تعاون الجهات الخدمية والأمنية داخل المدينة مع تنظيم “أبوسليم”؟

ج- حتى أكون صريحة فإن أغلب المسؤولين بمدينة درنة مغلوب على أمرهم، فهم بين قبضتي كماشة من داعش إلى أبوسليم، وكل من يتعامل مع مؤسسة الجيش يُرمى بالرصاص وبالتالي للضرورة أحكام. المسؤولون في درنة لا يستطيعون تحريك ساكن لأنهم لا حول لهم ولا قوة، وبالتالي لاسبيل أمامهم سوى التعامل مع هذه التنظيمات بما تقتضيه المصلحة العامة للمدينة.

س- بصفتك عضواً بمجلس النواب الليبي، ماذا قدمتم لدرنة؟

ج- بذلنا قصارى جهدنا أنا وزميلي العضو عن درنة خير الله التركاوي، وطالبنا رئاسة مجلس النواب أكثر من مرة بضرورة إغاثة مدينتنا بما يلزم من قوافل المساعدات الإنسانية والوقود والغاز ولكن أغلب طلباتنا ترفض للأسف دون معرفة الأسباب ولا نجد آذاناً تصغي، حتى أننا ناشدنا كل الجهات الدولية من الصليب الأحمر الدولي إلى المنظمات الإنسانية وبعثة الأمم المتحدة، ولكن بطريقة أو بأخرى أيادينا مكبلة.

س- أنتِ قمتِ بمساعٍ كثيرة من أجل عملية المصالحة بمدينة درنة وتقريب وجهات النظر وضرورة تسليم السلاح من قبل أبوسليم للجيش، إلى ماذا خلصت هذه المفاوضات؟

ج- نعم قمت بمفاوضات كثيرة في هذا الجانب خوفاً على أهالي مدينتي، والجيش كان سباقاً دائما لحقن الدماء وحماية المدنيين، لكن تنظيم “أبوسليم” تعنّت أكثر من مرة ولم يقم بتسليم السلاح.

لقد التزم الجيش أكثر من مرة بالهدن وفتح ممرات إنسانية للهلال الأحمر الليبي والصليب الدولي وكان يسعى لتقديم كل الخدمات لمواطني مدينة درنة، ولكن يأبى التنظيم المتطرف إلا أن تكون درنة ساحة للحرب.

س- بعيداً عن درنة، كنتِ من أكبر مؤيدي حكومة الوفاق الوطني ولكن سرعان ما تغير رأيكِ وأصبحتِ ضد هذه الحكومة، ما الذي حصل؟

ج- نعم أنا ما زلت مع الاتفاق السياسي ومع الحوار وكنت مع حكومة الوفاق الوطني منذ بدايتها ودعمتها بكل قوة، لكن تغير رأيي بها نظراً لعدم احتضانها للجميع، ووقعت في المحظور بتفضيلها جانباً عن آخر، وإقليماً عن إقليم، وزد على ذلك دعمها لمجموعات جدلية وهذا فاقم الأمر وزاد الطين بلة.

معطيات حكومة الوفاق لم تبشر بتشكيل جيش موحد، في الوقت الذي دعمت فيه قوات البنيان المرصوص في مصراتة وقوات الجضران وشكلت أجسام أخرى تكون بديلة عن الجيش والشرطة، وبالتالي تخلت عن الجيش الذي يحارب الإرهاب في بنغازي منذ عامين، وهذا سيرجعنا لنقطة البداية وسيسبب مشاكل كبيرة بين أبناء الوطن الواحد، وأقولها صراحة لا نريد حكومة كفاءات، نريد حكومة وطنية بامتياز تسعى لخدمة الوطن وتحمي حدوده ومقدراته وتسعى للمصالحة الوطنية الجادة هكذا يكون الوفاق الوطني.