شهدت مصر خلال الأشهر القليلة الماضية عددا من الحوادث الطائفية بين المسلمين والأقباط، تباينت أسبابها ما بين شائعات عن محاولة تحويل مبنى إلى كنيسة أو بسبب خلافات ومشاجرات بين عائلات مسلمة ومسيحية. ومع تصاعد أعمال العنف بين الطرفين تقع تلفيات وخسائر مادية كبيرة أغلبها لدى الأقباط.

شهدت مصر خلال الأشهر القليلة الماضية عددا من الحوادث الطائفية بين المسلمين والأقباط، تباينت أسبابها ما بين شائعات عن محاولة تحويل مبنى إلى كنيسة أو بسبب خلافات ومشاجرات بين عائلات مسلمة ومسيحية. ومع تصاعد أعمال العنف بين الطرفين تقع تلفيات وخسائر مادية كبيرة أغلبها لدى الأقباط.

وأمام تباطؤ عملية تطبيق القانون، تلجأ الحكومة المصرية في الكثير من الأحيان إلى ما يعرف بالجلسات العرفية أو المجالس العرفية لحل الأزمة، إلا أن الكثيرين يعتبرون أن هذه الجلسات لا يمكن أن تكون حلا دائما، داعين إلى تطبيق القانون على الجميع.

جلسات حل المشاكل

لم تتفق الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية في واقعة تجريد السيدة القبطية سعاد ثابت من ملابسها خلال مشاجرة بقرية الكرم التابعة لمحافظة المنيا (جنوبي القاهرة)، في 20 مايو الماضي، مع وعود الرئيس عبد الفتاح السيسي بتطبيق القانون على المتورطين في هذه الواقعة. بل سمحت الحكومة لمحكمين عرفيين وأعضاء بهيئة “بيت العائلة المصرية” بالتدخل للصلح بين عائلة السيدة القبطية والجناة من العائلة المسلمة، وهو مشهد تكرر كثيرا خلال الفترة الماضية في مختلف ربوع البلاد لاسيما محافظات الصعيد.

بحسب أيمن شكري، مسئول لجنة فض المنازعات بفرع بيت العائلة المصرية بالفيوم، فإنه يعقد – بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية – جلسات عرفية لحل الكثير من المشاكل بين المواطنين، إلا أنه يؤكد أن هذه الجلسات لا تهدف لتضييع الحق الجنائي في القضايا، إذ يتخذ القانون مجراه لمعاقبة الجاني.

وأشار شكري إلى أنه عقد مؤخرا جلسة صلح في واقعة خصومة ثأرية، في قرية سيلا بمركز الفيوم، بين عائلتي “يسى” القبطية و”محمد أبو عيسى” المسلمة، إثر مقتل أحد أفراد العائلة الأولى في خلاف بين العائلتين، مؤكدا أن القيادات الأمنية وكبار عائلات القرية حضروا تلك الجلسة التي تم التوقيع خلالها على شروط جزائية وتعهدات لمنع الانتقام المتبادل بين الجانبين، كما قدمت العائلة المسلمة “الكفن” إلى العائلة القبطية.

وتقديم الكفن هو أبرز الطرق التقليدية لإنهاء الخلافات الثأرية بين العائلات في صعيد مصر، إذ يتقدم أحد أفراد عائلة الجاني بكفنه إلى عائلة المجني عليه كدلالة على الرغبة في السلام.

وعلى الرغم من تأكيد شكري على أهمية دور الجلسات العرفية في احتواء المشاكل بين العائلات، إلا أنه يشدد على ضرورة تطبيق القانون، رافضا فكرة تهجير الأقباط من مناطق سكنهم، مشيرا إلى تعهد الرئيس السيسي بمحاسبة من يخطأ، ومحملا بعض أجهزة الدولة عدم تنفيذ القانون والدستور.

أما القمص روفائيل سامي، أمين فرع بيت العائلة المصرية بالفيوم، فيرفض استخدام الجلسات العرفية في حل الأزمات الطائفية، قائلا “ليس هناك بلد محترم يعتمد على هذه الجلسات دون تطبيق القانون”، مشيرا إلى أن هذه الجلسات تهدف فقط لـ”مصالحة النفوس” مع التأكيد على أن يأخذ القانون مجراه.

كما أوضح أن تدخل فرع بيت العائلة بمحافظة المنيا في جلسات الصلح الخاصة بالمشاكل الطائفية الأخيرة هو تدخل من الباطن ومن دون تصريح من الجهة المسئولة ببيت العائلة المصرية في مثل هذه الأمور، مضيفا أن تهجير الأسر القبطية – في بعض الأحيان – يكون لمدة معينة، للحفاظ على أرواحهم، ثم يعودون إلى مساكنهم مرة أخرى.

الطرف الأضعف

من جانبه، يرى عضو مجلس النواب عن دائرة بندر الفيوم المهندس هشام والي أن الدولة لا تستخدم الجلسات العرفية في حل المشاكل ولكن الأفراد هم من يلجئون إليها، مؤكدا أنه ضد فكرة استخدام الجلسات العرفية، وأنه لابد من تنفيذ القانون.

ويؤكد والي أن أحداث المنيا هي وقائع فردية لا ترتقي إلى فتن طائفية، لأن هذه الأحداث ليست ممنهجة على مستوى الدولة، ولكنها مشاكل عادية بين أفراد.

على الطرف المقابل، يرى عضو مجلس النواب اللواء أشرف عزيز أن الجلسات العرفية والتحكيم العرفي له اعتباره في بعض المناطق، بدليل أن مدير الأمن والأزهر والكنيسة وكبار العائلات يحضرون هذه الجلسات في جرائم الثأر وتقديم الكفن.

ولكنه يتفق مع والي في أن هذا النهج لا يصح أن يطبق في القضايا الطائفية، إذ أنه لا يمكن أن يتعرض المسيحيين للإهانة والضرب ثم يُطلب منهم الصلح، مشيرا إلى أن وقائع التهجير تتم دائما للمسيحيين لأنهم الطرف الأضعف، وأنه حتى لو كان عضو لجنة المصالحات قبطي فإن التهجير يحدث لأنه يكون متأكد من أن التوتر سيسود علاقات الطرفين.

مفوضية للمساواة

كخطوة عملية لوضع حد لهذه التوترات، أعلنت عضو مجلس النواب أنيسة حسونة بدء عقد اجتماعات مشتركة بين لجنتي حقوق الإنسان واللجنة الدستورية بالمجلس بهدف مناقشة مقترح بقانون إنشاء مفوضية للمساواة ومنع التمييز.

وأكدت حسونة – في تصريحات صحفية – أن هناك حاجة لهذا القانون في التوقيت الحالي لمواجهة أحداث العنف الطائفي وعدم الاكتفاء بجلسات الصلح العرفية التي تنتهي بإفلات الجناة من العقاب وتشجع على توليد المزيد من الاحتقان لأنها تعاقب الضحايا بدلا من حمايتهم.

قضاء مواز

على المستوى القانوني، يعتبر المحامي بالنقض والناشط الحقوقي سعيد عبد الحافظ أن غياب الدولة ومؤسساتها وغياب الإرادة السياسية والمظلة التشريعية في التعامل مع ملف الأحداث الطائفية هي العوامل المسئولة عن فتح الباب للجلسات العرفية كقضاء مواز لقضاء الدولة الرسمي، على الرغم من أنها تفتقد لضمانات التحكيم المنصوص عليها في قانون السلطة القضائية.

ويعيب عبد الحافظ على الجلسات العرفية افتقارها للقاعدة القانونية المجردة والنصوص السابقة على الفعل، واعتمادها على الشخصية والذاتية في إصدار الأحكام، وهو ما أدى لتدهور وضع الأقباط في مصر، لأن “مجمل الأحكام الصادرة عن الجلسات العرفية لا تحقق الإنصاف أو العدالة للطرف الأضعف أي الأقباط”.

ويؤكد الناشط الحقوقي على ضرورة القضاء على ظاهرة الجلسات العرفية وتجريمها نهائيا، مع السعي لإعادة النظر في التشريعات التي تحمل تمييز ضد المواطنين الأقباط، وإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي، والانتهاء من إصدار قانون دور العبادة، وإنشاء مفوضية لإنهاء التمييز ضد الأقباط تكون مستقلة ولها سلطة البت والنظر في شكاوى التمييز على أساس الدين، والتي انتشرت في المجتمع المصري مؤخرا.