للوهلة الأولى وأنت تدخل غرفة هدى دهان رئيسة جمعية “لا تيأسوا” لدعم المعاقين، لايلفت نظرك سوى السرير المرصوفة عليه معدات تجعله أقرب للمكتب، كالملفات والأوراق وجهاز الكمبيوتر الموصول بالطابعة، فضلاً عن عدد من الكتب بلغات مختلفة.

من هذه الغرفة تمارس هدى عملها، فذلك أسهل لها كونها مصابة بمرض شلل الأطفال الذي يعيقها عن الحركة إلا بمساعدة كرسي متحرك، ولكنه لم يُعِقها عن ممارسة نشاطها المدني في مدينتها زوارة غرب ليبيا، حتى تمكنت مع عدد من زملائها الذي يعانون إعاقات مختلفة من تأسيس جمعية أطلقت فيما بعد مشروعاً يحقق أرباحاً من بيع البلاستيك المستعمل، توزع على المحتاجين من ذوي الإعاقة بالمدينة.

بداعي الضرورة

تقول هدى في حديثها لـ”مراسلون” إنها تشعر بمعاناة ذوي الإعاقة كونها واحدة منهم، “أعلم جيداً معنى العجز فهو الذي حرمني من مواصلة دراستي، ولكن إرادتي القوية جعلتني أنتصر لنفسي وأتعلم حتى في رحلات العلاج، وأصبحتُ أتقن اللغات الإنجليزية والإيطالية، واستخدام الحاسوب والإنترنت”.

هذه المعارف التي اكتسبتها هدى بمجهودها الشخصي هي التي مكنتها من التواصل مع مؤسسات محلية ودولية مختصة، وفي إحدى ورش العمل التي شاركت فيها اقترحوا عليها أن تؤسس جمعية للمعاقين وتكون برئاسة أشخاص من ذوي الإعاقة، فنفذت الفكرة عند عودتها عام 2013 وانضم لها عدد من زملائها في المعاناة.

يقول حكيم أبو الشواشي، وهو أحد مؤسسي الجمعية ويُعاني من مرض “الضمور العضلي الدوشني المتطور”، إن الفكرة عندما طرحتها عليهم هدى منذ ثلاثة أعوام تقريباً لاقت ترحيباً بسبب الضرورة، وكان من ضمن أهداف الجمعية “الاهتمام بالمُعاقين، واستهداف أُسرهم بالتوعية بشأن التعامل الصحيح مع أبنائهم من هذه الفئة، وإدماج المُعاق في المجتمع”، ومن الإنجازات التي يفخرون بها أنهم تمكنو من تأسيس أول فريق مُراقب من ذوي الإعاقة في انتخابات المجالس البلدية عام 2014.

مشروع ربحي

لم يكن ذلك آخر إنجازات الجمعية، فالتفكير بالجدوى المادية أخذ حيزاً من اهتمامات الأعضاء، ما جعلهم يبحثون عن مشروع يدعم حلمهم، تقول هدى “فكرة جمع البلاستيك المستعمل وبيعه استوحيتها من إحدى الصديقات في ورشة عمل للمعاقين”.

كان المشروع في بدايته – حسب أبو الشواشي – يقوم على جمع أغطية قناني البلاستيك المستعملة وبيعها لمصانع إعادة التصنيع، ومردودها يستبدلونه بمعدات أو كوادر بشرية مختصة بالتدريب والتنمية بالتنسيق مع أحد المصانع في دولة تونس، ولكن هذه الفكرة تعرقلت في البداية بسبب صعوبة نقل ما يجمعونه إلى تونس لعدم وجود أعضاء أصحاء في الجمعية قادرين على العمل الشاق.

العرقلة التي كانت إعاقتهم الجسدية سبباً لها لم تُضعف من إرادة أعضاء الجمعية، تقول هدى “بدأنا بعد ذلك بالتواصل مع مصانع محلية، وأرسلنا الدفعات الأولى من أغطية البلاستيك، وتمكنّا بعوائدها من جلب بعض المقاعد المتحركة لرفاقنا”، وكان تركيزهم حسب قولها على جودة المعدات التي يشترونها لأن “ما يُوزع من الدولة في العادة لا يكون من الخامة الجيدة التي تتحمل المريض لفترة طويلة، وهو متوقف أصلاً منذ عام 2015″، بالإضافة لقيامهم بتوفير عدد 6 مقاعد متحركة للأطفال التي لا توزعها الدولة إطلاقاً.

ثقافة التعاون

يقول أبو الشواشي “ربما لم تكن استراتيجيتنا شاملة كما يجب لهذا المشروع”، ولكن مع مرور الوقت ساهم أعضاء الجمعية حسب اعتقادهم بنشر ثقافة التعاون مع ذوي الإعاقة والنظافة والمحافظة على البيئة بين أطفال المدارس، حيث تمكنوا بالتنسيق مع إدارات المدارس من توفير سلات مخصصة لجمع أغطية البلاستيك قدمتها لهم شركة النظافة التابعة لبلدية زوارة وتكفلت بنقلها حتى، “ولتحفيز الأطفال وضعت جائزة تُمنح لمن يجمع كمية أكبر من الأغطية” حسب قوله.

هذه النقلة في المشروع جعلت كميات البلاستيك التي يتم جمعها تتراكم، ما جعلهم – حسب هدى – يجمعون كل المواد البلاستيكية وليس الأغطية فقط، وعن طريق الاتصالات تمكنوا مؤخراً من التعاقد مع مصنع داخل زوارة، تعهد بقبول كل الكمية التي يجمعونها ونقلها بعد خصم إيجار اليد العاملة والنقل من ثمن البضاعة.

“نحن نريد أن يكون لنا دخل لا أن نمد أيدينا لأحد، وهذا ما جعلنا نُعيد هيكلة المشروع ونعالج أخطاءنا ولا نتركه يفشل” تقول هدى، وفعلاً من دخلهم أصبح أعضاء الجمعية يغطون حتى مصاريف أدوية بعض مرضى الأعصاب ذات التكلفة العالية.

دعم متواضع

يبلغ عدد ذوي الإعاقة المسجلين في زوارة حسب عادل انداري رئيس مكتب صندوق التضامن الاجتماعي 568 حالة مصنفة حسب نوع الإعاقة، وهؤلاء يتلقون مرتبات شهرية من الدولة قيمتها 225 د.ل أي ما يعادل 50 دولار أمريكي، تمت مضاعفتها منتصف عام 2014 لتبلغ 450 دينار ليبي، وهو مبلغ يقول عنه انداري لا يكفي لتغطية مصاريفهم من أدوية ومستلزمات ومعدات.

إلا أن المكتب قبل 2015 كان يستلم بشكل دوري معدات مثل المقاعد المتحركة والعكازات والحفاظات وغيرها ويقوم بتوزيعها على المسجلين في المدينة حسب الأولوية، ويتفق مدير المكتب مع هدى في موضوع جودة المقاعد التي كانت تستوردها الدولة فهي غالباً تكون ذات جودة منخفضة، وحتى هذه لم تعد متاحة اليوم بسبب أزمة البلاد التي منعت وصول أي شحنات منذ أكثر من عام ونصف.

أزمة طرق

رواد الهاميسي (30 سنة) أحد أعضاء الجمعية ويُعاني من شلل نصفي متطور، قدم للجمعية فكرة صحيفة ورقية “أسسناها بعد أن حصلنا على دورات تدريبية مختصة وبدأنا في إصدارها لفترة، لتكون صوتنا المسموع، ولكننا توقفنا بعد ذلك لنقص الإمكانيات المادية واللوجستية، أهمها أننا لانمتلك وسيلة نقل تقلنا بمقاعدنا، أوحتى ممرات نعبر عليها في الطرق الرئيسية لنخرج ونعمل” يقول الهاميسي.

صعوبة الحركة في الطرق والأماكن العامة هَمّ يتشاركه كل ذوي الاحتياجات الخاصة في زوارة، ما دفعهم للخروج متظاهرين مطلع هذا العام يرفعون لافتات تطالب المسؤولين وأفراد المجتمع بتوفير ممرات عبور تمكنهم من دخول الأماكن العامة بمقاعدهم، وقد لاقت هذه المظاهرة بعض الاستجابة حسب أبو الشواشي، الذي استدرك قائلاً “لا نُنكر مساعدة ودعم بعض الجهات لنا سواء عامة أو خاصة ولكن لايزال الطريق أمامنا طويلاً”.

تقول عضو المجلس البلدي زوارة زيتونة معمر إنهم يتواصلون بشكل دائم مع جمعية “لا تيأسوا” وقدموا لها الدعم حسب الإمكانيات المتاحة، حيث أنهم قاموا بتوصية مصنع إعادة التدوير في المدينة بالتعامل مع الجمعية كما أنهم حثوا شركة النظافة التابعة للبلدية لدعم الجمعية في مشروعها، إلا أن مسألة الطرق ليس من السهل علاجها بشكل كامل في الوقت الحالي، لأنها مصممة من الأساس بشكل لا يراعي ظروف هذه الشريحة في المجتمع، ومع ذلك تقول بأنهم سيحاولون المساعدة في هذا الإطار حسب الإمكانيات.

ورغم كل الصعاب وعدم امتلاكهم مكاناً مناسباً ومغلقاً لجمع البلاستيك، لاتزال هدى ورفاقها عاكفون على ترتيب ما جمعوا وتصنيفه، وتقسيم العائدات على رفاقهم، وبأرواح يملؤها الأمل يحلمون بأن يمتلكوا في المستقبل مصنعاً متكاملاً لإعادة تصنيع البلاستيك.

تقول هدى “لازلنا في الخطوة الأولى من مشوارنا، فتكوين جمعية وخلق مشروع ليدعمها ونحقق به آمالنا هو نوع من التشبت بالحياة، ونأمل من المسؤولين أن يدعمونا ويساعدونا في تذليل كل الصعاب التي تواجهنا”.