حل موعد سداد قرض قطري بقيمة 500 مليون دولار في شهر جوان/يونيو الماضي، تحصلت عليه تونس سنة 2012. لكن عجزها عن سداد هذا القرض أجبر حكومة الحبيب الصيد المستقيلة على طلب إعادة جدولة هذا الدين.

وافقت دولة قطر على إمهال تونس فترة إضافية لمدة خمس سنوات، غير أن ذلك كان مؤشراً خطراً على دخول تونس فعلياً في مرحلة طلب إعادة جدولة ديونها الخارجية، وهو ما يراه البعض خطوة خطرة تعبد طريق الإفلاس.

حل موعد سداد قرض قطري بقيمة 500 مليون دولار في شهر جوان/يونيو الماضي، تحصلت عليه تونس سنة 2012. لكن عجزها عن سداد هذا القرض أجبر حكومة الحبيب الصيد المستقيلة على طلب إعادة جدولة هذا الدين.

وافقت دولة قطر على إمهال تونس فترة إضافية لمدة خمس سنوات، غير أن ذلك كان مؤشراً خطراً على دخول تونس فعلياً في مرحلة طلب إعادة جدولة ديونها الخارجية، وهو ما يراه البعض خطوة خطرة تعبد طريق الإفلاس.

ووفق إحصائيات وزارة المالية التونسية تبلغ نسبة ديون تونس الخارجية 60 بالمائة من الناتج المحلي الداخلي، بينما تبلغ القيمة المالية الإجمالية للديون الخارجية أكثر من 23 مليار دولار (أي حوالي ضعف قيمة موازنة الدولة التونسية).

وأمام ارتفاع حجم الدين الخارجي وتراجع معدلات النمو الاقتصادي في تونس، يرجح خبراء اقتصاديون أن تدخل البلاد في حلقة مفرغة من التداين، ليس بدافع الاستثمار أو التنمية، وإنما بدافع الاستهلاك وخلاص الديون الخارجية.

ومن المرجح جدا وفق مصادر متطابقة أن يزداد وضع تونس تأزماً، لا سيما وأنها مطالبة في سنة 2017 بإرجاع ما قيمته 8 مليار دينار (حوالي 3.8 مليار دولار) بعد أن اقترب موعد سداد القروض المتحصل عليها سنة 2012.

ومن ضمن السيناريوهات المحتملة أن تطلب تونس من المؤسسات المقرضة (صندوق النقد الدولي والبنك العلمي والبنك الإفريقي للتنمية والبنك الأوروبي للاستثمار) والدول الصديقة لها إعادة جدولة ديونها لاحتمال عجزها عن السداد.

سيناريو كارثي

حول هذا الوضع المقلق يقول عز الدين سعيدان أحد الخبراء الاقتصاديين المتشائمين لـ”مراسلون” إن تونس ستواجه سيناريوهات كارثية في السنوات المقبلة بسبب استمرار ارتفاع نسبة تداينها الخارجي وتراجع نسب نموها.

ويؤكد بأن البلاد ستكون مكرهة على طلب إعادة جدولة ديونها من مقترضيها الأساسيين بسبب تراجع نموها وتقلص احتياطي عملتها الصعبة وتهاوي قيمة الدينار التونسي أمام العملة الصعبة، التي يتوجب أن تسدد بها تونس ديونها.

وهذا التوجه سيضع تونس في موقع ضعيف للغاية، لأن المؤسسات المانحة ستشترط عليها شروطاً مجحفة ونسب فائدة عالية قبل أن تمنحها قروضاً جديدة، مما سيشكل عبأً ثقيلاً على أجيالها، بحسب تقدير الخبير عز الدين سعيدان.

ومن الأمثلة التي تبرز خضوع تونس لشروط مموليها هو عدم حصولها على أول قسط من قرض ائتماني جديد من صندوق النقد رغم أنها في أمس الحاجة إليه بسبب عدم تطبيقها لشرط الصندوق بخفض أجور الموظفين الحكوميين.

ويرى سعيدان أن حجم التداين التونسي سيتفاقم بالنظر إلى هشاشة الاقتصاد وضعف نسق نموه الذي بلغ في النصف الأول من العام الحالي 1.2 بالمائة؛ وهي “نسبة ضعيفة لا تقدر على حل الإشكاليات العالقة مثل البطالة والتنمية”.

وقد أقر وزير المالية سليم شاكر في الحكومة المستقيلة بأن المديونية شهدت ارتفاعاً قياسياً، كاشفاً أن موازنة الدولة ستعرف عامي 2017 و2018 ارتفاعاً في قيمة الدين لتبلغ قيمة 5800 مليون دينار (2400 مليون دولار).

ومن بين العوامل التي زادت من هشاشة الاقتصاد التونسي توقف الاستثمار وتعطل الإنتاج وتدهور القطاع الفلاحي مع تواصل النمو المهزوز للقطاع السياحي ما أثر بشكل سلبي على العائدات المالية للبلاد بالعملة الصعبة.

وحول رأيه في سياسة الحكومات الاقتصادية يقول منجي الرحوي نائب عن الجبهة الشعبية اليسارية المعارضة لـ”مراسلون” إن أغلب الحكومات لجأت إلى التداين الخارجي لتعديل الميزانية والأجور وليس للاستثمار ودفع عجلة التنمية.

واعتبر الرحوي أن التداين الخارجي “كان له تأثير سيء وسلبي على السيادة الوطنية وأدى لخضوع البلاد للإملاءات الخارجية، علاوة عن تسببه في ارتفاع التضخم باعتبار أن التداين يذهب للاستهلاك وليس لخلق الثروة”.

لا داعي للتهويل

لكن فتحي النوري عضو مجلس إدارة البنك المركزي التونسي قلل من خطورة المديونية، معتبراً أن نسبة المديونية بلغت 53 بالمائة “وهي نسبة معقولة ولا تبعث على القلق، لأن تونس لم تدخل النسب المقلقة التي تفوق 60 بالمائة”.

وانتقد فتحي النوري تصريحات بعض الخبراء الاقتصاديين، الذين اعتبرهم مجانبين للحقيقة، مؤكداً أن نسبة المديونية الحالية في تونس تبقى مقبولة مقارنة بما عليه في عدد من دول العالم، حيث تقارب المديونة نسبة 90 بالمائة.

لكنه أقر في مقابل ذلك بأن المخاطر المالية على الاقتصاد التونسي تبقى قائمة إذا تواصل ارتفاع حجم الديون مقابل بقاء نسبة النمو الاقتصادي في مستويات متدنية لا تمكن البلاد من الإيفاء بتعهداتها في سداد قروضها الخارجية في موعدها.

وبالعودة للوضع الراهن للبلاد يقول عضو مجلس إدارة البنك المركزي التونسي لـ”مراسلون” إن الاقتصاد التونسي لا يزال هشاً، بحيث يتوقع أن تبلغ نسبة النمو نهاية عام 2016 في حدود 1.8 بالمائة.

وهذا الكلام يعني أن تونس ستعرف مشاكل في إرجاع قروضها بسبب تراجع نموها. وسيظهر ذلك جلياً في السنة المقبلة، حيث ستكون تونس مطالبة بإرجاع لمقرضيها الخارجيين ما بين 6 و7 مليار دينار (3 و3.5 مليار دولار).