بالتأكيد يختلف وضع المهاجر عن اللاجئ، ربما تتاح للمهاجر فرصة دراسة وضعه قليلاً في مكان هجرته، وترتيب أوضاعه بعض الشيء فيما يتعلق بعمله، ومسكنه، ومدارس أولاده. لكن تلك الفرص لا تتاح للاجئ، فمن يهرب من دمار بلده مثلاً، لا يفكر إلا في إمكانية نجاح هروبه، ووصوله إلى مكان يمكنه فيه أن يأمن على حياته وحياة أطفاله. وعندما تطول فترة الإقامة، يبدأ اللاجئ في محاولة توفيق أوضاعه مع أوضاع مكانه الجديد.. ومنها البحث عن مدارس صالحة لأولاده كي يتمكنوا من مواصلة تعليمهم.

الحاجة أم الاختراع

بالتأكيد يختلف وضع المهاجر عن اللاجئ، ربما تتاح للمهاجر فرصة دراسة وضعه قليلاً في مكان هجرته، وترتيب أوضاعه بعض الشيء فيما يتعلق بعمله، ومسكنه، ومدارس أولاده. لكن تلك الفرص لا تتاح للاجئ، فمن يهرب من دمار بلده مثلاً، لا يفكر إلا في إمكانية نجاح هروبه، ووصوله إلى مكان يمكنه فيه أن يأمن على حياته وحياة أطفاله. وعندما تطول فترة الإقامة، يبدأ اللاجئ في محاولة توفيق أوضاعه مع أوضاع مكانه الجديد.. ومنها البحث عن مدارس صالحة لأولاده كي يتمكنوا من مواصلة تعليمهم.

الحاجة أم الاختراع

“المدارس المجتمعية ” أسست بعد ازياد أعداد السوريين بمصر كثيراً ورفض الأطفال السوريين التعامل مع المدارس الحكومية المصرية بسبب الازدحام واختلاف اللهجة والعادات التقاليد. تقوم “المدرسة المجتمعية” بنفس دور المدرسة الحكومية، فيما عدا إجراء امتحانات نهاية ومنتصف العام الدراسي وتسليم النتيجة النهائية للطلابح؛ هكذا بدأ  حسام جوبي مدير مدرسة بناة الحضارة السورية حديثه، والذي ذكر أن مدرسته أسست عام 2015 وهي  إحدى المدارس المجتمعية الموجودة بضاحية السادس من أكتوبر – التي تشهد أكبر كثافة للاجئين السوريين بالقاهرة.

يفصل حسام الأسباب التي دعت إلى نشأة تلك المدارس قائلاً: “المدارس المجتمعية كان لها الفضل الكبير في حل الأزمة التي اندلعت بين الطلاب السوريين وبين المدارس الحكومية المصرية بسبب تدكس وازدحام الطلاب السوريين، حيث يصل عدد الطلاب بفصول المدارس المصرية إلى 70 طالباً، بينما عدد الطلاب بفصول المدارس المجتمعية السورية لا يتعدى25 طالباً كحد أقصى”.

ويتابع: “كما لعب اختلاف اللهجة بين الطلاب وبين المعلمين دوراً في عدم فهمهم للمناهج التعليمية التي تدرس لهم، بالإضافة إلى بعض المضايقات التي تعرض لها الأطفال السوريين من الأطفال المصريين، نظرا لاختلاف الطباع والعادات والتقاليد”.

إجراءات مشددة

“الأوضاع السيئة بالمدارس المصرية الحكومية وفرض الدروس الخصوصية على الطلاب جعلتنا نلجأ للمجتمعية”، هذا ما قالته والدة الطالبة نويدا المقيدة بالمرحلة الإعدادية بأحدى المدارس المجتمعية، وأضافت: “أن المدارس المجتمعية تقدم مستوى تعليمي مميز بأسعار زهيدة مقارنة بالمدارس المصرية التي تقدم نفس المستوى التعليمي، ولكن بدون اهتمام بالطلاب. إلى جانب استقدام معلمين يحسنون التعامل باللهجة السورية حتى يستطيع توصيل المعلومة للطلاب. وأيضا يلعب دوراً في تحسين نفسية الطلاب”.

 

يخبرنا حسام: “إحدى الصعوبات التي تواجه المدارس المجتمعية هي التراخيص، فلا بدّ من أن تكون جميع أوراق المدرسة سليمة. تلك الأوراق تصدر في مدة زمنية من 3 إلى 4 شهور، ويجب أن يكون المالك مصري الجنسية ومن ثم يستأجر منه السوري. بالاضافة إلى أن المدرسة لا بد أن تكون تتمتع بمواصفات خاصة من حيث التهوية والمساحة وغيرها من الشروط حتى يتم الموافقة عليها من قبل اللجنة التي تعطي التراخيص”.

وأضاف حسام أنه سابقاً كان يستطيع أي شخص القيام بالإعلان عن إنشاء مدرسة لتعليم السوريين دون أي إجراءات أو تراخيص لطالما توافر لديه مكاناً بغض النظر عن مساحته وتجهيزاته من المعدات المختلفة. ومع زيادة هذه الأماكن وتزايد عدد اللاجئين السوريين شاع بينهم اسم المدارس المجتمعية “غير الحكومية”، تزامناً مع سوء الأوضاع بسوريا مع بداية عام 2012.

ولكن، مع تزايد عدد مثل هذه الأماكن وتورط بعض أصحابها في الدخول في الشؤون السياسية المصرية في آواخر حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي في منتصف 2013، وذلك من خلال الحشد السوري للمظاهرات التي انطلقت بعد أحداث رابعة العدوية مباشرة، قامت الدولة المصرية بالرد بإغلاق معظم هذه المدارس بحجة أنها أماكن تعمل بدون أي تراخيص لمزاولة المهنة.

وتتعدد شكاوى السوريين لوزارة التربية والتعليم المصرية لإلحاق أبنائهم في المدارس الحكومية لإكمال تعليمهم في المراحل المختلفة. وبعد تدخل مجموعة من منظمات المجتمع المدني العاملة في إغاثة اللاجئين قررت وزارة التربية والتعليم المصرية منح تراخيص لفتح مراكز تعليمية بشروط معينة توافق عليها لجنة تكونت من مسؤولين حكوميين في الإدارات التعليمية المختلفة. هذه التراخيص تمنح لملاك مصريين ويتم تأجير تلك المراكز  للسوريين بشكل غير علني. وبحسب بعض التقديرات وصل عدد المدارس المجتمعية “إلى قرابة ثماني عشرة مدرسة مجتمعية موزعة جغرافياً على الأحياء المختلفة بمدينة السادس من أكتوبر.

الالتحاق بالجامعة لاحقاً

أما عما تقدمه المدارس المجتمعية للطفل السوري، قال حسام جوبي: “إن المدارس المجتمعية بشكل عام تستقبل الأطفال السوريين من سن 3 سنوات حتى المرحلة الثانوية، مؤكدًا أن المدارس المجتمعية تقدم برنامجاً دراسياً عادياً بشكل يومي، بحيث تفتح أبوابها في تمام الساعة الثامنة صباحاً لاستقبال الطلاب وينتهي اليوم الدراسي في تمام الساعة الثانية ظهراً مع وجود فاصل للراحة. بالإضافة إلى الأنشطة الطلابية، ومنها الأنشطة الرياضية والفنية وكذلك المسابقات الدورية”.

وأضاف “جوبي” أن الأسبوع الدراسي يبدأ في المدارس المجتمعية يوم السبت وينتهي الأربعاء حتى يستطيع الأطفال الذهاب يوم الخميس للمدارس الحكومية الأساسية، لإثبات قيدهم وتواجدهم والمتابعة. أما عن أداء اختبارات العام الدراسي، فالمدارس المجتمعية تقوم بإعداد الطلاب لها وإجراء الاختبارات الشهرية فقط، أما الاختبارات النهائية والنصف دراسية فتتم بالمدارس الحكومية، وبالتالي فإن استلام النتيجة الرسمية يكون عبر المدارس الحكومية المصرية. وبهذا يحق للطالب السوري الالتحاق بالجامعات الحكومية كغيره من الطلاب المصريين، لكونه حاصلاً على الشهادة الثانوية المصرية.

“سوء معاملة الأطفال المصريين للسوريين جعلتنا نلجأ للمدارس المجتمعية”، هذا ما ذكرته والدة الطالب “غيث” المقيد بأحد المدارس المجتمعية. وقد أكدت والدة غيث على أن هناك دعماً نفسياً يقدم من المدارس المجتمعية للطلاب السوريين من خلال بعض المنظمات، وهذا غير متوافر بالمدارس الحكومية المصرية .

 

تكلفة الدراسة

تتراوح المصروفات الدراسية الخاصة بالطلبة السوريين في المدارس المجتمعية من ثلاثة ألالاف جنيه (300 دولار تقريبا) حتى سبعة الألاف جنيه (700 دولار تقريبا). وتختلف باختلاف المدرسة والمرحلة الدراسية.

بالإضافة إلى وجود نفقات رمزية للكتب والملابس الرسمية الخاصة بالمدرسة إلى جانب وجود وسائل مواصلات للطلاب، وأشار “جوبي” إلى أن هناك بعض الاستثناءات للطلاب السوريين غير القادرين على تسديد النفقات، مثل الذين فقدوا ذويهم في سوريا أو لديهم معيل معتقل أيضاً.

معلمون من جنسيات أخرى

أما عن الغياب والحضور الخاص بالطلبة السوريين في المدارس المصرية الحكومية، فقد ذكر حسام مدير مدرسة بناة الحضارة أن هذا يتم بالتنسيق مع الإدارة التعليمية والمدرسة الحكومية التي لا تمانع وتقدم التسيهلات المطلوبة ليستطيع الطالب السوري الحضور بالمدرسة المجتمعية دون أن يتعرض للفصل من المدارس الحكومية نتيجة لعدم انتظامه في الدوام من ناحية، ومن ناحية أخرى هذا يخفف من العبء على الطلاب الذين يعانون من التكدس في الفصول ويخفف من العبء على المعلمين المصريين الذين يتعاملون مع أعداد ضخمة بالأساس.

وعن جنسية المعلمين الذين يعملون بالمدارس المجتعية السورية، أشار “جوبي” أنه ليس شرطاً أن يكونوا سوريين، وهناك بعض المعلمين المصريين والفلسطينين الذين يدرسون بمدرسة بناة الحضارة وبعض المدارس المجتمعية الأخرى بشرط أن يستطيعوا إجادة اللهجة السورية لتسهيل المحادثة وتوصيل المعلومة للطلاب السوريين، أما عن إدارة تلك المدارس فكلها من السوريين .