عاشت عائلة الملازم أول رمزي الزرلي فاجعة لا توصف على إثر مقتله أوائل شهر مارس/آذار الفارط خلال عملية أمنية استهدفت مجموعة إرهابية بجهة بن قردان (جنوب البلاد).

خلق رحيل هذا الأمني، الذي كان المعيل الوحيد لعائلته المكونة من زوجة وطفلين صغيرين، فراغاً ولوعة كبيرين على حد قول زوجته حنان بن دغمان في حديثها لـ”مراسلون”.

عاشت عائلة الملازم أول رمزي الزرلي فاجعة لا توصف على إثر مقتله أوائل شهر مارس/آذار الفارط خلال عملية أمنية استهدفت مجموعة إرهابية بجهة بن قردان (جنوب البلاد).

خلق رحيل هذا الأمني، الذي كان المعيل الوحيد لعائلته المكونة من زوجة وطفلين صغيرين، فراغاً ولوعة كبيرين على حد قول زوجته حنان بن دغمان في حديثها لـ”مراسلون”.

ومع أن السلطات تسعى للاعتناء بعائلات ضحايا الإرهاب من قوات الأمن والجيش، فإن تعطل صرف رواتب زوجها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بعد استشهاده فاقم معاناة أسرتها المتبقية.

وضعيات مزرية

لم تبق حنان زوجة الملازم مكتوفة الأيدي مع استمرار تعطل صرف رواتب عائلات الأمنيين والعسكريين ضحايا الإرهاب، واستنجدت بوسائل الإعلام لتُطلق صيحة فزع حول وضعها.

حول هذا تقول “لم أتخيل لحظة واحدة أن تنقلب حياتنا رأساً على عقب بعد وفاة زوجي، فقد تنكرت السلطات لواجبها أمام تضحياته وأدارت ظهرها لمعاناة عائلته التي فقدت كل شيء”.

هذه التصريحات النارية التي أطلقتها زوجة الشهيد رمزي أقلقت السلطات التونسية التي سارعت مؤخراً للإفراج عن رواتب زوجها بحسب ما أكدته حنان التي تعيش تحت عتبة الفقر.

تقول: “لقد عشت فترة كارثية مباشرة بعد وفاة زوجي وأصبحت غير قادرة على مجابهة متطلبات الحياة اليومية من مصاريف أطفالي وسداد معاليم كراء المنزل ومصاريف التنقل والصحة”.

وما حصل بعائلة هذه الزوجة تحول إلى معاناة العديد من عائلات الضحايا الأمنيين والعسكريين الذين دفعوا حياتهم فداء للوطن وقدموا صدورهم ضد الإرهابيين المتربصين بالبلاد.

لكن تحرك السلطات للإحاطة بعائلاتهم مادياً ونفسياً واجتماعياً بقيت تحوم حوله العديد من الأسئلة، ولاسيما حول سبب انقطاع صرف أجور بعض الضحايا الأمنيين عن عائلاتهم بعد استشهادهم.

لا يخول القانون التونسي لضحايا الإرهاب من الأمنيين والعسكريين حصول ذويهم على رواتبهم في حال كانوا عُزب. وهو أمر أثار حفيظة سلك الأمن والجيش، خصوصاً من غير المتزوجين.

ومؤخراً تم قطع جراية شهيد بالأمن الرئاسي يدعى شكري بن عمارة لأنه أعزب، رغم أن الرئيس التونسي أوصى بعدم قطع جراية الشهداء الأمنيين العزب ليستفيد منها من هم في كفالتهم بذلك.

وعود وتسويف

“مراسلون” تعرف أيضاً على وضعية مزرية تعيشها حالياً عائلة العسكري محمد البسلاوي، الذي استشهد الشهر الفارط بلغم أرضي زرعه الإرهابيون بجبل “سمامة” بجهة القصرين (الوسط الغربي).

عائلة هذا الشهيد، التي تقطن منطقة السيجومي وهي منطقة غرب العاصمة فقيرة وتكثر فيها الجرائم، أصبحت تعاني الويلات بعد فراقه بسبب توقف السلطات عن صرف راتبه الشهري.

تتكون هذه العائلة من ثلاثة أشقاء عاطلين عن العمل ووالدته العجوز، وهي حالياً ترزح تحت عتبة الفقر باعتبار أن ابنها الشهيد العسكري كان معيلها الوحيد منذ التحاقه بسلك الجيش.

بكل حرقة وأسى يقول شقيقه شوقي البسلاوي: “بلا مبالغة نحن نعيش ظروفاً قاسية. وأخونا الشهيد كان الوحيد الذي يوفر لنا متطلبات حياتنا لأننا نعاني جميعاً من البطالة والتهميش”.

 ويضيف “بوفاته انقلبت حياتنا رأساً على عقب، لقد خسرنا شاباً معروفاً بدماثة أخلاقه بشهادة الجميع. وخسرنا أيضاً الإنسان الوحيد الذي وضع على عاتقه مسؤولية عيشنا وخبزنا اليومي”.

ولا ينكر محمد أن وزارة الدفاع صرفت لعائلته مبلغا قدره 20 ألف دينار (9 آلاف دولار) إثر وفاة شقيقه كتعويض على خدمته. لكنه يخشى أن ينفذ المال عاجلاً بسبب المصاريف اليومية الباهظة.

وما بقي يحز في نفسه لليوم هو عدم اتصال أي مسؤول رسمي بعائلته رغم الوعود التي قدموها لهم يوم دفن أخيه بأن الدولة ستتكفل بكل احتياجاتهم وستقوم بتوظيف أحد أفراد عائلته.

وأمام تردي وضعية عائلات ضحايا الإرهاب وجهت بعض النقابات الأمنية انتقادات للسلطات التونسية بدعوى أن غياب الحماية الاجتماعية للأمني ولعائلته من شأنه أن يقلّل من أدائه.

في السياق يقول مهدي بالشاوش الناطق الرسمي لنقابة موظفي الادارة العامة لوحدات التدخّل الأمني “من غير المقبول أن تبقى عائلة الشهيد الأمني محرومة من راتب مالي لوقت طويل”.

ويضيف لمراسلون: “لقد طالبنا السلطات برعاية عائلة كل شهيد أمني حتى لو كان أعزب بنسبة معينة من راتبه الشهري على الأقل لتأمين متطلبات الحياة والحفاظ على كرامة الإنسان”.

ويشتكي أمنيون من مخاوف عديدة مرتبطة أساساً بمصير عائلاتهم في حال استشهدوا خلال الاشتباكات مع الإرهابيين المتربصين على الحدود مع الجزائر أو على الحدود مع ليبيا وحتى بالمدن.

حول هذا يقول منذر الشارني، عضو الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات العامة، “لابد أن تنتبه الدولة من الثغرات الموجودة في القانون والإدارة الذي يعطل التعويض لعائلات الشهداء”.

ودعا في حديث لمراسلون السلطات للعمل على إنشاء نظام قانوني موحد وشامل بخصوص تعويض الأضرار المادية والبدنية والمعنوية والمهنية لضحايا الجرائم الإرهابية وتسهيل إجراءات التعويض.

كما شدد على ضرورة إعطاء الأولوية لذوي الشهداء في الحصول على المساكن الاجتماعية ومنح تحسين السكن وإيلاء السلطات الأهمية اللازمة للجوانب المعنوية والرمزية في علاقة بذكرى الشهداء.

تخوفات مبالغ فيها

أما من وجهة نظر السلطات الرسمية فهذه الهواجس والمخاوف مبالغ فيها بدعوى أن البطء في الإجراءات الإدارية أمر طبيعي ومفهوم من أجل استكمال كل الملفات ذات العلاقة بحقوق الشهيد.

وفي السياق أفاد بلحسن الوسلاتي الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع “مراسلون” بأن وزارة الدفاع منضبطة في واجباتها تجاه عسكرييها الشهداء بداية من لحظة الوفاة عبر التكفل بمراسم الدفان في كل تفاصيلها الى رصد مبلغ مالي لعائلة الشهيد كل حسب وضعيتها.

إلى جانب ذلك يقول الوسلاتي إن الوزارة تقدم مبلغاً مالياً في حدود 20 ألف دينار (10 آلاف دولار) فضلاً عن مساعدات أخرى تقدم بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية والعودة الدراسية.

ويؤكد الوسلاتي أن وزارة الدفاع بصدد دراسة ملفات المساكن الاجتماعية لفائدة تلك العائلات مع هياكل الدولة المعنية، دون نسيان ما يُسمى “منحة رأسمال عند الوفاة” التي تُقدر بـ 40 ألف دينار (20 ألف دولار) فضلاً عن تمتيع العائلة بجراية الشهيد إذا كان هذا الأخير أعزب.

يجدر الذكر أن تعويض العائلات يستند إلى قانون رقم 51 (قانون المالية التكميلي لسنة 2013) المتعلق بإسناد المنافع لفائدة القوات المسلحة وأعوان الديوانة جراء الاعتداءات الإرهابية.