يوجه الطفل صابر ذو العشر سنوات الأشعة المنبعثة من مصباحه الليلي باتجاه إحدى العقارب التي رآها تدب ليلاً، فيشل حركتها ثم يلتقطها حية بواسطة ملقط حديدي ويضعها في علبة قصديرية مواصلاً رحلة بحث خطرة عن عقارب يبيعها في السوق مقابل مبلغ زهيد ليساعد عائلته.

عند غروب شمس كل يوم ينطلق هذا الصبي، الذي يقيم في قرية قصر المحاضنة من منطقة بني خداش التابعة لمحافظة مدنين أقصى الجنوب الشرقي التونسي، في رحلة صيد محفوفة بالمخاطر برفقة أصدقاء له أصبحوا لا يخشون العقارب في ظلمة الليل أو حر النهار رغم تعرضهم لإصابات.

يوجه الطفل صابر ذو العشر سنوات الأشعة المنبعثة من مصباحه الليلي باتجاه إحدى العقارب التي رآها تدب ليلاً، فيشل حركتها ثم يلتقطها حية بواسطة ملقط حديدي ويضعها في علبة قصديرية مواصلاً رحلة بحث خطرة عن عقارب يبيعها في السوق مقابل مبلغ زهيد ليساعد عائلته.

عند غروب شمس كل يوم ينطلق هذا الصبي، الذي يقيم في قرية قصر المحاضنة من منطقة بني خداش التابعة لمحافظة مدنين أقصى الجنوب الشرقي التونسي، في رحلة صيد محفوفة بالمخاطر برفقة أصدقاء له أصبحوا لا يخشون العقارب في ظلمة الليل أو حر النهار رغم تعرضهم لإصابات.

تتواصل رحلة صيد العقارب في البراري القاحلة، التي تحيط بقريته، لساعات طويلة قبل أن يعثر صابر على بعض العقارب السائبة فيلتقطها الواحدة تلو الأخرى بحرفية عالية قبل أن يعود أدراجه نحو البيت بشعور تغمره السعادة، ظافراً بوعاء مملوء بالعقارب السامة التي تجد رواجا في السوق.

يقول لمراسلون إن “العقارب السامة رغم ما تشكله من خطر فهي بمثابة الكنز الصغير الذي يحقق أمنيتي في مساعدة عائلتي”، ويشير إلى أنه يقدم ما يجنيه من ثمن بيعها في السوق نهاية كل أسبوع لوالده. إذ يبلغ سعر العقرب الواحدة أقل من نصف دينار تونسي (نحو ربع دولار).

مصدر رزق

وعلى الرغم من الطريق المحفوفة بالخطر، إلا أن الأطفال بمنطقة بني خداش الجنوبية أصبحوا يتهافتون على صيد العقارب البرية بملابسهم البالية دون أي واقيات تحميهم من لسعات العقارب الغادرة أو أشعة الشمس الحارقة، وذلك لضمان توفير مصاريف متطلبات المدرسة، التي باتت على الأبواب.

الظاهرة باتت تؤرق نشطاء من المجتمع المدني، الذين أصبحوا يخشون على حياة هؤلاء الأطفال القصر الذين تعاني أسرهم من الفقر المدقع في مناطق الجنوب التونسي. وحول هذا يقول الناشط المدني جمال اللملومي لمراسلون: “هناك خطر متصاعد على حياة الأطفال من هذا النشاط”. ويوضح اللملومي بأن صيد العقارب أصبح تقليداً في محافظة مدنين يورثه الآباء لأبنائهم الصغار، مبينا أن الدافع الأساسي الذي يلقي بهؤلاء الأطفال في هذا النوع من الخطر هو معاناتهم وأهلهم من الفقر والتهميش وافتقارهم لأي وسائل ترفيه وتثقيف تمكنهم من نشأة ملائمة.

في السياق ذاته يقول محمد، أحد الآباء الذين يفتخرون بتعليم أبنائهم هذا الصيد لمراسلون إن “عملية اصطياد العقارب في المنطقة، رغم خطورتها، من المصادر التي يسترزق منها أبناء هذه الجهة، وخصوصاً الأطفال، لاسيما في هذه الفترة التي تكثر فيها العقارب مع ارتفاع درجات الحرارة”.

صغار لكنهم متمرسون

وهذا الرجل الذي ورث عنه ابنه بلقاسم (14 سنة) اصطياد العقارب لا يخشى على حياة ابنه من لسعة العقارب قائلاً بنبرة تغمرها الثقة في النفس: “لا اعتقد أن الأمر خطراً إلى هذه الدرجة، فلقد اعتاد الصغار على صيد العقارب منذ سنين وأصبحوا متمرسين في تجنب لسعات العقارب”.

ورغم أن عملية صيد العقارب كانت تقتصر في السابق على اقتفاء أثرها في ساعات النهار تحت أشعة الشمس الملتهبة التي تدفع بالعقارب للخروج من أوكارها السرية أصبح صغار قرية بني خداش يقضون ساعات طويلة في الليل لتعقب آثار العقارب بمصابيح صينية رخيصة الثمن.

ويتحدث الطفل مالك محضاوي (14 عاما) لمراسلون عن اصطياد المئات من العقارب السامة ليلاً تحت ضوء القمر الخافت، مؤكدا أن حصيلته اليومية من صيدها تصل إلى مائة عقرب يجمعها في أكياس قبل أن يبيعها نهاية كل أسبوع إلى “العقرباني” أو جامع العقارب كما يسمونه بالمنطقة.

ويقوم جامع العقارب بدوره ببيع تلك العقارب إلى معهد باستور للأبحاث بالعاصمة تونس لاستخراج السم منها، ثم بيعها إلى مصانع الأدوية. إذ يعد سمّ العقرب من أغلى السوائل في العالم.