“لم ننتظر حلولاً فوقية عقب مرور 5 أو 6 سنوات على أزمة السياحة، وبدأنا نفكر في حلول غير تقليدية وبمجهود ذاتي تماماً من أجل فتح بصيص أمل جديد والتصدي للظروف الصعبة التي تواجه قطاع السياحة في مصر”، هكذا بدأ أحمد جمعة الخبير السياحي بأسوان حديثه مع “مراسلون” حول تجربته بتخصيص فندق عائم على كورنيش النيل لاستقبال العميل المصري بدلاً من السائح الأجنبي.

“لم ننتظر حلولاً فوقية عقب مرور 5 أو 6 سنوات على أزمة السياحة، وبدأنا نفكر في حلول غير تقليدية وبمجهود ذاتي تماماً من أجل فتح بصيص أمل جديد والتصدي للظروف الصعبة التي تواجه قطاع السياحة في مصر”، هكذا بدأ أحمد جمعة الخبير السياحي بأسوان حديثه مع “مراسلون” حول تجربته بتخصيص فندق عائم على كورنيش النيل لاستقبال العميل المصري بدلاً من السائح الأجنبي.

بين الأقصر وأسوان توقف حوالي 150 فندقاً عائماً عن العمل في السنوات الخمس الأخيرة، مما تسبب في تسريح عدد كبير من العاملين، ولم يتم الإبقاء سوى على عدد بسيط جداً بكل مركب عائم؛ وهم غالباً البحارة ورئيس المركب فقط.

الزبون المصري

يقول جمعة إن فكرة إتاحة إحدى البواخر السياحية أمام العميل المصري تعتبر فكرة جديدة في محافظة أسوان لمواجهة أزمة السياحة، بحيث تستخدم هذه الباخرة كمطعم وكافيه علاوة على السكن والإقامة بأسعار معقولة للغاية يقابلها تقديم خدمة خمسة نجوم. كما تعتبر التجربة أيضاً فرصة بالنسبة للمصريين للاستمتاع بالإمكانيات الكثيرة للفنادق العائمة التي كانت حكراً على السائحين الأجانب في السابق.

ما فعله جمعة هو أنه استأجر إحدى البواخر من الشركة المالكة منذ شهر أبريل/نيسان الماضي وكان عليها 3 عمال فقط، لينظم فوقها نشاطات تخص العميل المصري، فارتفع عدد العاملين في الباخرة حاليا إلى 60 موظفاً في مختلف المجالات، يحصلون على رواتبهم في مواعيدها الثابتة، وهذا ما يعتبره أحمد جمعة  نجاحاً كبيراً في المساهمة ولو بشكل بسيط في حل أزمة البطالة التي كان يعاني منها هؤلاء الموظفين. علاوة على أنه حافظ على هذه العمالة المدربة في قطاع السياحة، مضيفاً أن هذه التجربة لم تقتصر علي أسوان فقط، ولكن تم تكرارها في القاهرة عن طريق استئجار فندق عائم اخر على كورنيش النيل في منطقة المعادي وتشغيله لاستقبال المصريين أيضا.

وقال: “قدمنا عروضاً تنافسية لم تحدث من قبل من أجل جذب أكبر عدد ممكن من المصريين، وبدأنا في تنظيم الاحتفالات بالزفاف أو الخطوبة على متن الباخرة، بالإضافة إلى الأنشطة الاخرى مثل التسكين وتنظيم المؤتمرات والندوات، وأيضاً قضاء السهرات على ضفاف النيل على أنغام موسيقى هادئة ومشاهدة المباريات المشفرة من خلال شاشات عرض كبيرة على متن المركب بأسعار مشابهة لأسعار الكافتيريات الموجودة بمدينة أسوان، إلى جانب ممارسة لعبة البلياردو والاستمتاع بحمام السباحة”.

النفس الطويل

نسبة الإقبال على الباخرة تتراوح حاليا مابين 30 إلى 40 %، وهي نسبة معقولة إلى حد ما في فصل الصيف بمدينة أسوان حيث اعتاد معظم الأهالي في أسوان على السفر إلى المصايف في المحافظات الساحلية هربا من الحر الشديد في هذا الوقت من السنة بأسوان. ويضيف الخبير السياحي أحمد جمعة:  “نلتزم بسياسة “النفس الطويل”، ولا توجد لدينا مشاكل في أن نتحمل ونصبر حتى يكتمل نجاح الفكرة لأننا في نفس الوقت لا نرغب في حرمان أهالي أسوان من الاستمتاع بمكان لائق يراعي القيم والعادات والتقاليد الأسوانية ويلتزم بالشروط الصحية والامتناع عن التدخين”.

نقل الركاب.. تجربة أخرى

على صعيد آخر اضطر أصحاب الشركات السياحية خلال السنوات الماضية إلى تشغيل الحافلات السياحية في نقل الركاب المصريين من أسوان إلى القاهرة والعكس من أجل سداد جزء من الأقساط والديون المالية التي كانت عليهم.

وبحسب حسن عبد القادر، أمين فرع غرفة شركات السياحة بأسوان، فإنه مع مرور الوقت ازداد عدد الحافلات السياحية التي تعمل في هذا المجال لدرجة أن الأتوبيس صار ينتظر لمدة يومين أو ثلاثة في القاهرة حتى يجد ركاب يعود بهم إلى أسوان. مما أدى إلى إحجام الشركات السياحية عن هذه الفكرة حالياً، كما قام بعض أصحاب الشركات الأخرى بتشغيل الاتوبيسات لنقل الركاب بين أسوان ووادي حلفا عقب افتتاح منفذ قسطل – أشكيت بين مصر والسودان.

تشغيل الأتوبيسات السياحية بين أسوان والقاهرة تسبب في تهالك عدد كبير منها وتعرضها لحدوث تلفيات كبيرة بسبب طول المسافة. ويضيف “حسن عبد القادر” أن أصحاب هذه الشركات قرروا حاليا التوقف عن تشغيل أتوبيساتهم في النقل بين المحافظات حتى يكونوا جاهزين للعمل في نقل السائحين مع بداية الموسم السياحي الجديد في شهري سبتمبر وأكتوبر في حالة عودة السياحة إلى طبيعتها كما يأمل الكثيرون من العاملين في هذا المجال.

الحج والعمرة

كذلك اتجهت الكثير من الشركات السياحية في أسوان، والتي يبلغ عددها 172 شركة من بينها 32 شركة رئيسية مقرها أسوان علاوة على 140 فرعا لشركات سياحية أخرى، اتجهت إلى العمل في تنظيم رحلات الحج والعمرة في ظل تدني أعداد معدلات السياحة الاجنبية بأسوان، وذلك من أجل تعويض جزء من الخسائر التي يتكبدونها بسبب قلة السائحين.

بينما قامت أغلب هذه الشركات بتسريح العمالة الموجودة فيها بسبب ضعف السياحة، ولم تحتفظ سوى 10 % من هذه الشركات فقط ببعض العمالة لتأدية أعمال خفيفة لمدة يومين أو ثلاثة اسبوعيا بنصف الراتب.

تسرب الخبرات

أزمة السياحة ألقت بظلالها السيئة أيضاً على المرشدين السياحيين في أسوان خلال الخمس سنوات الماضية، فقد اضطر الكثير منهم إلى العمل في وظائف أخرى مثل التدريس أو إعطاء دروس خصوصية للطلاب في اللغات؛ وبحسب عبد الناصر صابر نقيب المرشدين السياحيين الأسبق في أسوان فإن بعض المرشدين السياحيين اضطروا إلى السفر إلى الدول العربية التي تنشط فيها السياحة، مثل دولة الإمارات أو عمان بحثاً عن لقمة العيش. كما اضطر البعض الآخر إلى البقاء في المنازل انتظاراً لحدوث الفرج وعودة السياحة، لعدم قدرتهم على العمل في مجال آخر.

وأضاف عبد الناصر أن بعض الفنادق الكبرى بأسوان أغلقت أبوابها تماماً بسبب ضعف السياحة، أو اضطرت إلى تسريح عدد كبير من العمالة الموجودة لديها، واضطرت بعض الفنادق إلى محاولة جذب المصريين عن طريق تقديم وجبات بأسعار مخفضة نسبيا لتقليل حجم الخسائر أو تعويض جزء ولو بسيط من تكاليف الكهرباء والمياه.

“تسرب العمالة المدربة في مجال السياحة سيكون له تاثير سلبي للغاية على هذه الصناعة في حالة عودتها قريباً، لأن معظم هذه العمالة تتجه إلى العمل في مهن أخرى وقد لا تعود مرة أخرى”، هذا ما يؤكده عبد الناصر صابر، ويقول إنه يجب على المسؤولين تقديم العون والمساعدة لهذه العمالة حفاظاً على هذه الثروة البشرية المدربة، كما يجب البدء في حملة تسويق سياحية كبيرة لجذب السائحين لزيارة مصر بصفة عامة وأسوان بصفة خاصة في الموسم القادم، كما يجب أن تتدخل الدبلوماسية المصرية من أجل رفع الحظر الذي تفرضه بعض الدول على زيارة مصر.

مواجهة الواقع

أنشئت مدينة أبوسمبل بهدف استقبال الأفواج السياحية القادمة لزيارة معبد أبوسمبل عقب إنقاذه من قبل منظمة اليونيسكو. لذلك فان السياحة تعتبر المصدر الأول لكسب الرزق بالنسبة للأهالي. ويتسبب قلة عدد السائحين بحدوث ركود تام في كافة مناحي الحياة بأبوسمبل. يصف سامح فتحي – موظف من أهالي أبوسمبل – حال العاملين في قطاع السياحة قائلاً إن البعض منهم اضطر إلى مواجهة الواقع رغم مرارته والتفكير في حلول غير تقليدية لمواجهة أزمة السياحة، حيث قام مالك أحد الفنادق السياحية باستقطاع جزء من مساحة الفندق وتحويلها إلى محل تجاري وكافتيريا وتأجيرهما بهدف ضمان الحصول على دخل شهري ثابت.

مضيفاً أن معظم الأسواق السياحية الموجودة عند مدخل معبد ابوسمبل أغلقت بسبب نقص السائحين. الأمر الذي اضطر الشباب الذين كانوا يعملون في هذه الأسواق إلى العمل في المخابز أو بائعين في محلات البقالة أو التوجه إلى مجال البناء، بينما قام أحد أصحاب مطاعم الأسماك التي كانت تقدم وجبات لسائقي الأتوبيسات السياحية إلى إغلاق المطعم تماماً والعودة إلى مهنته الأصلية كصياد في بحيرة ناصر، والمرور على المنازل لبيع حصيلة الأسماك التي يصطادها يومياً.

تغيير النشاط

من ناحية أخرى غيّرت أكثر من 70 % من البازارات السياحية في السوق بمدينة أسوان نشاطها وبدأت في بيع السلع المختلفة مثل الملابس والحقائب والأحذية لتغطية الالتزامات المتمثلة في إيجار البازار  أو أجور العمالة أو تحقيق دخل لمستأجر البازار نفسه؛ هذا ما يرصده أدهم دهب، رئيس غرفة السلع السياحية والعاديات بأسوان، ويضيف أن عدم وجود دعم من وزارة السياحة للعاملين في مجال البازارات السياحية هو السبب الرئيسي في تغيير النشاط بشكل مؤقت لحين عودة السياحة. وأضاف أن أصحاب البازارات حافظوا على الطراز والشكل الخارجي الذي أنشئ عليه البازار منذ سنوات طويلة، وذلك على الرغم من قيامهم بتغيير النشاط وبيع سلع تجارية للمواطنين، ولكن في حالة عودة السياحة بقوة سيتم رفع البضاعة الموجودة حالياً بالبازارات واستبدالها بعاديات وسلع سياحية، بخاصة وأن الجميع متيقنون ان السياحة المصرية “تمرض ولا تموت”.

وفي السياق ذاته، أشار دهب إلى عدم وجود دعم حكومي للعاملين في البازارات بأسوان. في حين تقوم الغرفة ببعض المجهودات الفردية لتقديم بعض المساعدات والخدمات: منها الحصول على تخفيض بنسبة 20 % لأصحاب البازارات عند توقيع الكشف الطبي داخل أحد المراكز الطبية بأسوان، كما قامت الغرفة بإعادة النظر في رسوم الترخيص للبازارات السياحية والاشتراك السنوي لتصبح 1000 جنيه فقط عند بداية الترخيص للبازارات الصغيرة، بدلاً مما كان يسدد في الماضي بواقع 2300 جنيه للبازار، وذلك مراعاة للعاملين في هذا المجال علاوة على سداد 500 جنيه كرسم اشتراك سنوي فقط.

وطالب بجدولة الديون التي تراكمت على مستأجري البازارات السياحية في أبوسمبل وأسوان وأدفو وكوم امبو والمستحقة لصالح وزارة الآثار، نظراً للنقص الشديد في السياحة. وكما طالب بالنظر في إسقاط هذه الديون لأن العاملين في هذه البازارات يعانون منذ حوالي 6 سنوات لدرجة أنهم أصبحوا لا يجدون قوت يومهم.

كل هذه الأمثلة لقطاعات السياحة المختلفة تظهر الأزمة الخانقة التي تعصف بقطاع السياحة، لكنها تظهر أيضاً إصرار العاملين في القطاع على العثور على حلول بديلة، يتمنون أن تكون مؤقتة، حتى تعود السياحة إلى الازدهار