يعاني أهالي عزبة رسلان الكائنة بغرب الاسكندرية، من مأساة حقيقية حيث يعيش أهلها داخل عشش ومنازل آيلة للسقوط محاصرين بتلال من القمامة غارقين في مياه الصرف الصحي محاطين من كل اتجاه بالقوارض والفئران والحشرات، مما يصيبهم بالأوبئة والأمراض الخطرة. 

درافور المصرية

يعاني أهالي عزبة رسلان الكائنة بغرب الاسكندرية، من مأساة حقيقية حيث يعيش أهلها داخل عشش ومنازل آيلة للسقوط محاصرين بتلال من القمامة غارقين في مياه الصرف الصحي محاطين من كل اتجاه بالقوارض والفئران والحشرات، مما يصيبهم بالأوبئة والأمراض الخطرة. 

درافور المصرية

مبانى صغيرة لا يتعدى ارتفاعها الطابقين متهالكة مهددة بالانهيار بسبب تهالك شبكات الصرف الصحي، محاطة من كل اتجاه بأكوام من القمامة التي تزكم رائحتها الانوف. هذه هي عزبة رسلان، إحدى المناطق العشوائية في الاسكندرية، والتي يطلق عليها الأهالي دارفور المصرية. ينقض الاطفال والكبار على تلك الاكوام من القمامة ويقومون بنبشها وتنقيبها  لاستخراج ما يصلح منها مثل “الزجاجات البلاستيكية والأوراق والكرتون والحديد” وتعبئته في أجوال كبيرة لبيعه للمصانع مقابل مبالغ 50 قرشا للكيلو.

علي بعد أمتار قليلة من تلك الاكوام يجلس الحاج سطوحى عبد الشكور، في الستينات من عمره، أمام سلالم منزله المتهدمة، ممسكا في يده سيجارة يستنشق هوائها مخرجا همومه و أوجاعه عبرها. يقول الحاج سطوحى في البداية إنه كان يسكن في حي كرموز منذ ولادته وهو الحي الذي عاش وتربي فيه هو  وزوجته وأولاده. ومن حوالي 11 عاما أنهار منزله وتحولت حياته إلي جحيم، مؤكدا أنه بين ليلة وضحاها وجد نفسه هو وأسرته في الشارع يسكنون الرصيف في عز البرد.

ويضيف سطوحي “بعد نحو شهرين من افتراش الرصيف أمام منزلنا المنكوب وما بين استغاثات للمحافظة والحي آنذاك لم ينصفنا أحد وذهبت واستأجرت غرفة من غرف الإيواء هنا في عزبة رسلان وعشنا هنا في حياة غير آدمية حيث لا يوجد مرافق جيدة فلا يوجد شبكات للصرف الصحي ولا يوجد مياه شرب جيدة ولا يوجد حياة، مشيرا إلى أنهم يعيشون تحت خط الفقر”.

الصرف والمياه ملوثة 

“إحنا عايشين ومش عايشين، لا حد سامعنا ولا حد حاسس بينا، إحنا عاملين زى الحشرات ملهاش فايدة ولا تمن، الكل عايز يرتاح مننا، وكأننا مش بشر من حقهم الحياة”، بتلك الكلمات عبر مصطفي فتوح، نباش قمامة، وأحد سكان العزبة، عن صعوبة حياتهم. يسرد فتوح، قائلا: “نحن نعيش حياة بلا حياة للأسف لم نجد أبسط حقوقنا وهى أن نشرب مياه صحية من الصنبور حيث أن المياه لدينا ملوثة ومختلطة بمياه الصرف الصحي لوجود مشاكل كبيرة في شبكات المياه الموجودة بالعزبة، مؤكدا أن  المياه تنزل من الصنبور لونها أصفر محمل بالأتربة ومع ذلك نشربها لأننا لا نملك ثمن شراء مياه معدنية لنا ولأولادنا الصغار، مما يجعلنا نمرض”.

ويوافقه في الرأي محمد علي، أحد سكان العزبة، ويضيف أن الاهالي غرقوا في مياه الصرف الصحي المصحوبة بالروائح الكريهة المحملة بالأمراض، مؤكدا أن عدم وجود شبكات لتصريف مياه الصرف الصحي لنحو أكثر من 30 ألف مواطن يعيشون في العزبة من قبل شركة الصرف الصحي جعل المجاري دائما تغرق الشوارع.

سلة خضروات ..سابقا

يقول الدكتور محمد شهدان، أستاذ التخطيط العمراني بكلية الهندسة بالإسكندرية، إنه يقع بالجانب الغربي بالإسكندرية نحو 33 قرية يسمون جميعا بقري النهضة ويطلق عليهم أسم سلة الخضروات لكونهم ينتجون الخضروات والفاكهة التي يستخدمها الاهالي بالثغر، مؤكدا أن تعداد سكانهم بلغ نحو نصف مليون نسمة. ويتابع شهدان، أن تلك القرى موجودة بالفعل منذ إنشائها في سبعينيات القرن الماضي، حيث كان عملها منصب علي الزراعة والإنتاج الزراعي والحيواني، مشيرا إلي أنها كانت تنتج ما يقرب من الـ‏60‏ بالمائة من احتياجات المدينة الساحلية وعدد من المدن المجاورة. ويلفت إلي أن أحد المشاكل الرئيسية بتلك القرى وهو غرقها في مياه الصرف الصحي واختلاطها بمياه ري الأراضي الزراعية القادمة من ترعة النوبارية‏,‏ موضحا أن شبكة الصرف بتلك القرى غير مربوطة بالأساس بالشبكة الرئيسية للمحافظة، مما زاد الأزمة.

أسباب الأزمة

وعن أسباب تحولها إلي بؤر للعشوائيات يقول شهدان، أن ما حدث من تدهور لحالة تلك القرى وتحولها إلى أماكن عشوائية مكتظة بالسكان ومليئة بالأمراض الوبائية، أولا بسبب الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة وانهيار العقارات الذي حول تلك القرى إلى ملاذ لكل الطبقات الفقيرة بسبب رخص ايجارها من ناحية ومن ناحية أخري بأنها مكان يؤويهم بدل من افتراش الأرصفة هم وأسرهم. ويضيف شهدان، أن كل ذلك إضافة إلى الاهمال الحكومي وفشلها في نجدة هولاء الأسر وعدم ايجاد بديل سكنى لهم، مما يجعلهم يبحثون علي أي مكان يعيشون فيه مهما كانت أضراره عليهم لأنهم يروون أن النوم بين الحشرات والقوارض والثعابين أفضل من النوم علي الرصيف.

انتشار الأمراض

جمال حنش، أحد السكان العزبة، يقول إنه مصاب بفيروس الكبد الوبائي بسبب كل الملوثات التي يعيشون فيها ولا أحد يدري بهم، وزوجته مصابة بمرض الفشل الكلوي أما طفليه “مني” 10 سنوات و “أحمد” 15 عاما، فهم مصابان بمرض الربو، موضحا أن تلك المأساة حدثت لهم بسبب الحياة التي يعيشونها. ويضيف حنش، أنه أصيب هو وأسرته بتلك الامراض بسبب “عدم رحمة المسئولين والنظر في طلباتهم بالرحيل من هذه العزبة”، مؤكدا أنه هو وأسرته علاجهم الشهري يصل لنحو 3 ألاف جنيه وأنهم لا يتمكنون من شرائه بل أن أهل الخير يشترونه لهم.

الحل

يري أستاذ التخطيط العمراني محمد شهدان، أن هناك صعوبة في حل أزمة العشوائيات التي تزيد بمعدل يومي بسبب الزيادة السكانية وسوء الظروف الاقتصادية مع تزايد أسعار الوحدات السكنية، فضلا عن الكارثة الكبرى التي تسببت في تفاقم الأزمة وهى فساد المحليات. ويشير إلي أن الحل الممكن لتحسين حياة الناس في تلك القرى حاليا هو تنظيف تلك القرى من القمامة وتطهيرها من الحيوانات والقوارض أولا ثم هدم العشش والمباني المتهالكة وتوفير مساكن بديلة مؤقتة لهم حتى الانتهاء من بناء وحدات سكنية جديدة علي أرضهم بتلك القرى، مؤكدا أن علي الدولة أن تنقذ أبنائها الفقراء وتطالب رجال الاعمال المصريين بالمساهمة في تلك المباني حتى نكون مجتمع متكاتف ولا يمكن الاعتماد علي المسكنات المؤقتة.

رد مسئول

انتقلنا بأسلتنا لمعرفة حال عزبة رسلان إلي المهندس محمد عبد الظاهر، محافظ الإسكندرية، والذي قال أنه يجري حاليا بحث عن حالات كافة المناطق العشوائية بالمحافظة وإعداد التقارير عنها لمعرفة حالة تلك القرية وما هي مطالب مواطنين وسوف يتم عمل اللازم معهم، مؤكدا أنهم يعملون علي قدم وساق من أجل توفير الراحة للمواطنين الفقراء الذين تعرضون للظلم ونقلهم إلي مساكن بديلة أدمية. ويضيف عبد الظاهر، أن الدليل علي أنهم يعملون بشكل فوري هو أنه سيتم نقل 300 أسرة بمنطقة “كوم الملح” بالقبارى التابعة لحى غرب الاسكندرية أيضا من بين 750 أسرة فى المرحلة الأولى إلى مساكن آمنة وصحية خلال الشهر المقبل بالوحدات السكنية التي تقوم المحافظة بشرائها من هيئة تعاونيات البناء من أجل توفير مكان أمن علي حياة الفقراء.