“أربعة أيام الآن من يوم حذفت اللعبة على الموبايل، وحاسس إن الحياة فارغة”

يضحك محمود عارف (23 سنة) وهو يتكلم عن “الهوة” التي يعيشها اليوم، بعد أسبوعين مكثفين من لعبة “بوكيمون جو” ثم قراره النهائي بإزالتها، بعد أن صارت “لعنة بوظت له حياته” كما يقول. في البداية لم يتحمس للعبة، هو لا يتحمس كثيرا لما “يشعل مواقع التواصل”، لكنه بين ليلة وضحاها، وجد كل أصدقائه وقد صاروا مأسورين لشاشات أجهزتهم المحمولة، ويتحركون كما لو كانوا معزولين عن الشارع وهم فيه. “أنا نزلت اللعبة بس، وسحلتني معها”.

“أربعة أيام الآن من يوم حذفت اللعبة على الموبايل، وحاسس إن الحياة فارغة”

يضحك محمود عارف (23 سنة) وهو يتكلم عن “الهوة” التي يعيشها اليوم، بعد أسبوعين مكثفين من لعبة “بوكيمون جو” ثم قراره النهائي بإزالتها، بعد أن صارت “لعنة بوظت له حياته” كما يقول. في البداية لم يتحمس للعبة، هو لا يتحمس كثيرا لما “يشعل مواقع التواصل”، لكنه بين ليلة وضحاها، وجد كل أصدقائه وقد صاروا مأسورين لشاشات أجهزتهم المحمولة، ويتحركون كما لو كانوا معزولين عن الشارع وهم فيه. “أنا نزلت اللعبة بس، وسحلتني معها”.

اللعبة التي أطلقتها شرطة “نونتيندو”، تقدم علاقة جديدة مع الواقع والمكان، الشوارع التي كانت منذ شهر واحد فقط، مقبضة مزدحمة وكئيبة وطاردة لأي حياة أو حركة فيها –باستثناء المقاهي- تحولت إلى ساحة ألعاب، أسبوع أو عشرة أيام فقط تحولت معه المدينة إلى تفاصيل في استراتيجية هائلة من قنص “المخلوقات الوهمية”، كما لو كان عالمها الافتراضي هو الأصل، فيما العالم الواقعي جزء من سياقها الأكبر، أو أن ساحة اللعبة هنا هي مقاربة لما يمكن أن يكون عليه الواقع ببوكيموناته. حيث “الكاميرا” ماهي إلا “جحر الأرنب” كما في رواية “آليس في بلاد العجائب”. غير أن الانتقال لا يكون إلى بلاد العجائب، بل إعادة تموضعها وامتدادها في الواقع.

ثم إن هذه اللعبة، وعلى خلاف الميراث الهائل للألعاب الإلكترونية، ليست بنت عزلة ذهنية، ولا قلة حركة، بل على العكس تماما، فإنه من مقتضيات الإمساك بالبوكيمونات، التحرك في كافة الاتجاهات والأماكن، حيث أحيانا يعيد اللاعبَ الواقعُ إلى قوانينه. فيتجاوز شابين الحدود بين أمريكا وكندا للإمساك بأحد البوكيمونات. وتعلق اللافتات في بعض أقسام الشرطة، تطالب المواطنين بعدم الاقتراب لصيد البوكيمونات.

ومثلما خلقت مواقع التواصل الاجتماعي، شروطا اجتماعية جديدة في العلاقات الإنسانية، خلقت لعبة بوكيمون جو في وقت قصير علاقاتها، وتفاعلاتها الحيوية، مشتركها الأساسي “يوتوبي” في اصطياد الوحوش، وتطويرها، والترقي من مستوى إلى آخر.

على أن هذه العلاقة، أصابت العقول بالمتكلسة بارتباك، جعلها تقفز “فورا” إلى نظرية المؤامرة، بكل لامعقوليتها وشططها، يقول باسم أحمد (29 سنة) “للأسف، نزلت اللعبة، ولقيت أكتر بوكيمونات حوالين القصر الرئاسي في مصر الجديد.. أنا ساكن قريب من هناك، أكيد الموضوع مش صدفة” يتحدث باسم بثقة من وضع يده على فداحة من فداحات “الآخر” الذي يترصد ويتجسس ويكسب الأموال في ضربة واحدة، ما يدعم كلام باسم أيضا، البيان الصادر عن مجلس الوزراء، قرر أن “يبحث في أمر اللعبة” ثم في فتوى الأزهر التي تتحدث يقينا عن حرمتها لأنها “إضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه” كما في فتوى وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان. هذا هو الخليط المؤامراتي الديني، كان نصيب مسلسل الكارتون نفسه، وقت ظهوره في منتصف التسعينيات، حيث خرجت الفتاوى التي تتحدث عن حرمانيته لأنه يروج لنظرية التظور، ذلك أن الوحوش تكبر حجما وتزيد خصائصها عند تعرضها لمجموعة من الأحجار.

تسخر ثريا عيد (25 سنة) من هذه الفتاوى والاتهامات، “أي حاجة جديدة لازم تبقى مؤامرة، أوبر مؤامرة، كاندي كراش مؤامرة، لو استخدمنا تطبيق الصلاة هيبقى مؤامرة برضه” غير أنها ترى ما هو أبعد من مجرد لعبة “أنا بقيت بامشي أكتر من 4 كيلو كل يوم عشان أصطاد، وشفت أماكن عمري في حياتي ما كنت هاشوفها، مع إنها جنب بيتي” تقول ثريا. هكذا تتحول المدينة كلها إلى فرصة صيد كبيرة.

رغم ذلك، فإن الاستغراق في اللعبة، والانفصال الكامل عن الواقع أدى بها إلى كوارث واقعية حقيقية، كما في الأخبار التي تتوالى عن حوادث سيارات ووقوع من حواف خطرة في الولايات المتحدة. أما في مصر فمازال اللاعبون “على حافة الخطر” كما توضح ثريا “كنت هاتخبط من عربيات كذا مرة بسبب البوكيمونات”.

اليوم، يخفت الاهتمام باللعبة تدريجيا، كما لو أن عمر “التداول” الافتراضي يقصر شيئا فشئيا، حتى لا تكمل الفكرة الجديدة شهرا، والبوكيمات مازالت تمرح في القاهرة، بدأ ظهورها كمهزلة، ويبدو أنها ستنتهي كمهزلة أيضا.