“أنا حسيت أنى مش رايح أخطب ولا أتجوز ..لا ده أنا رايح اشترى تلاجة.” ما سبق كان جملة تهكمية نطق بها محمد عبدالرحمن وهوشاب شارف على ثلاثينات العمر لأحد أصدقائه، وذلك ردا على طلب والد “العروسة” شبكة تبلغ قيمتها عشرة آلاف جنيه مصري إلى جانب كتابته فى قائمة تجهيز العروس 100 جرام دهب أخرى تصبح من حق زوجته إذا تزوجها، وهو بالطبع مالم يحدث.

“أنا حسيت أنى مش رايح أخطب ولا أتجوز ..لا ده أنا رايح اشترى تلاجة.” ما سبق كان جملة تهكمية نطق بها محمد عبدالرحمن وهوشاب شارف على ثلاثينات العمر لأحد أصدقائه، وذلك ردا على طلب والد “العروسة” شبكة تبلغ قيمتها عشرة آلاف جنيه مصري إلى جانب كتابته فى قائمة تجهيز العروس 100 جرام دهب أخرى تصبح من حق زوجته إذا تزوجها، وهو بالطبع مالم يحدث.

يلتقط الحديث من عبدالرحمن شاب يدعى حسام زيدان يبلغ من العمر خمس وعشرون عام، ليوجه رسالة إلى كل أولياء الأمور عنوانها “هنفضل سناجل (جمع كلمة single الانجليزية، وتعني أعزب) أحسن”، وذلك فى حال إصرار الأباء والأمهات على ضرورة تقديم “الشبكة” للعروس فى ظل حالة ارتفاع الأسعار بصفة عامة وأسعار الذهب بصفة خاصة بعدما وصل سعر جرام الذهب من عيار 21 فى منتصف شهر يونيو إلى 392 جنيها لأول مرة فى تاريخ المعدن الأصفر، فيما بلغ سعر الجرام فى عيار “18” 336 جنيها، وسعر الجرام فى عيار 24 بلغ 448 جنيها.

نعم لإلغاء الشبكة

الأمر لم يقف فقط عند الذكور من الشباب بل تعداه للإناث، بعد أن أطلقت فتاة تدعى تقوى محمد حملة الكترونية تحت عنوان “نعم لإلغاء الشبكة من الجواز أصلا”، قائلة عن فكرة وهدف حملتها: “فكرة الحملة مجتليش من فراغ، ده من كتر المشاكل اللى شفتها وسمعت عنها بسبب طلب الشبكة والمغالاة فى قيمتها، وبالتالى بيعجز كتير من الشباب عن توفيرها فيتأخر او يتلغى جوازهم، ولو بصينا هنلاقى أن الشبكة مالهاش لزمة في الموضوع دى مجرد منظر وزينة للتباهى وخلاص، والأفضل توفير قيمتها لحاجات أساسية فى حياة اى اتنين زى توضيب الشقة  اللى بتاخد فلوس كتير وده من أولويات اى حد عايز يتجوز”.

حملة تقوى أُعجب بها وأيدها كثيرون منهم سما حسين التى قالت: “الشبكة تكاليف على الفاضى وبتمنع شباب كتيير انه يتقدم وهو فى الجامعة مثلا بسبب انه عاوز 20 الف يخطب بيهم، انما لو الموضوع على قد خاتم ودبلة ب 5 الاف جنية هترحم الشباب دى من قصة الفشل فى الحب وانه مش قادر يخطب اللى بيحبها وانها اتخطبت لاول عريس جاهز اتقدم، وفى الاخر هى وكل حاجة هتملكها هتبقى ليه، فملوش لزمة تطلع عينه من الاول عشان يفتكر لوالد العروسة حاجة حلوة ويقول حمايا ساعدنى”.

تتضامن مع تقوى وسما ولاء محمد، التي تؤكد أن كلامها ليس تنظير أو بعيد عن أرض الواقع، وتقول :” انا مخطوبه عادى بدبله وكام خاتم ومفيش أى مشكلة، ووالدى قال جمله بصراحه يعنى جابت من الاخر ان الشباب دلوقت مش ملاحقه على ظروف الدنيا وقال اللى يرضى الناس بالمظاهر بعيد عن رضا ربنا يبقا يشوف ف الاخره ازاى يقابل ربنا، والحمد لله انا خطيبى عندى بالدنيا كفايه بس انه بيتقى ربنا فيا وده اهم حاجه وبعدين كلنا عارفين ان العريس ممكن ياخد الدهب ويبيعوا بعد كده، فا ايه لزمة الحوار من الاول”.

للشبكة أسبابها

أما رضوى الباز فترفض إطلاقا فكرة إلغاء الشبكة من الزواج، قائلةً: “اللى بييجى سهل بيروح سهل، وطالما مفيش شبكة فالموضوع هيكون سهل للعريس وسهل يسيب العروسة فى أى وقت عشان مش هيكون أتغرم حاجة”.

يتضامن معهما مصطفى محمد قائلا: “الشبكة أو المهر خاصة لا يمكن الغاؤه، ولكن الفكرة في التيسير في المهور للشباب وليس احباطهم فالله عز وجل يقول “وآتوا النساء صدقاتهن نحلة” اي فريضة فالمهر واجب ولكن المقدار هو ما اختلف العلماء فيه واكثر الزواج بركة ايسره مؤونة ومهرا .فالنساء لهم قيمة عالية في المجتمع بصفة عامة وديننا الحنيف بصفة خاصة. فانا عن نفسي ارجح فكرة ان المهر واجب لا بد منه ولكن على قدر المستطاع وليس الغاؤه تماما”.

ويرفض حماده تامر أيضا فكرة الإلغاء موضحا وجهة نظره بقوله :”المفروض انها لا تسقط لان ده حق من حقوق المرأة، وعشان البشر بطبعهم غادرين بس احنا ممكن نقول ان كل واحد يجيب مثل على قده والى مش معاه يتكتب فى قايمة الزواج مبلغ محدد يحفظ حقها برضه ولو هيجيب حاجه رمزيه تتكتب ويتكب الباقى مجرد كتابه لضمان حق البنت برضه”.

“الشرع حض على تخفيف المهر”

ومن حيث الفقه يؤكد الدكتور على جمعة مفتى مصر السابق في فتوة له أن “العرف قد نص على أن الشبكة جزء من المهر؛ لأن الناس يتفقون عليها في الزواج، وهذا يخرجها من دائرة الهدايا ويلحقها بالمهر، في ذلك كون الفسخ من الرجل أو المرأة؛ لأن الشبكة جزء من المهر ترد إلى الخاطب اذا لم تستمر خطوبته سواء عن رأيه أو برأى خطيبته”.

يضيف الداعية الإسلامى طه عمارة على كلام جمعة، مؤكدا أن الشبكة باتت حاليا بمثابة المهر الرئيسى للفتاة  فى معظم أنحاء مصر ، موضحا أنه يعتبر بمثابة مايقدمه العريس  كحق شرعى للإرتباط بعروسته جراء حصوله منها على ما لا يستطع غيره، فى نفس الوقت الذى أكد فيه على أن الشرع قد حض على تخفيف المهر، وجعل قلة المهر دليلا على يمن الزوجة، وبركة النكاح، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “أعظم النساء بركة، أيسرهن مؤونة”. وفي رواية: “إن أعظم النكاح بركة، أيسره مؤونة”. رواه أحمد والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

آثار اجتماعية

ولا يختلف رأى علماء الإجتماع عن علماء الدين فى مسألة التخفيف، بل إن الدكتور عبدالحميد زيد رئيس قسم الاجتماع بجامعة الفيوم، أكد أن الشبكة ليست أساسا من القواعد الشرعية أو حتى المكتوبة للزواج والشرط الوحيد الذي أوصى به الدين الإسلامى لكى يتم قبول الزوج أن يكون ذو دين ولم يشترط أن يقدم من الأساس شبكة لعروسته، موضحا أن مايحدث حاليا عبارة عن عادات مخالفة للشرع توارثتها الأجيال، ومن أثارها السلبية تأخر سن الزواج لدى الشباب لعدم قدرتهم على الإيفاء بقيمة الشبكة بالإضافة لزيادة ظاهرة النساء العازبات خاصة بين خريجات الجامعة والحاصلين على دراسات عليا، مع إنتشار ظاهرة الزواج العرفى والعلاقات خارج إطار الزواج.

يرى أبوزيد أن للزواج وظيفيتين هما إنجاب الأطفال ثم العمل على تريبتهم وفق القواعد التى يرتضيها المجتمع، وبالتالى فإن مسألة المغالاة فى المهور أو الشبكة هى تعطيل لعمليات إتمام الزواج وتعطيل لأهم الوظائف المترتبة عليه والمنتظر تحقيقها فى بناء الاسرة، موضحا أن الهدف الرئيسى من المغالاة فى الشبكة بين الاسر يعود لظاهرة المباهاة والإفتخار بين العائلات دون أى تقدير لظروف الحياة الصعبة، فى نفس الوقت الذى تجد فيه بعض الشباب يجتهد لكى يقدم شبكة حتى يظهر للناس أنه مقتدر.

“لا تأثير اقتصادي للشبكة”

وأوضح أبو زيد أنه رغم ذلك فإن مجرد تناول الإعلام المهنى لهذه الظاهرة السيئة، يعتبر أحد الحلول المثلى لمعالجتها خاصة أنه لايمكن صدور قرارات حكومية لإلغائها، فى نفس الوقت الذى أكد فيه أن تلك الظاهرة بدأت تندثر فى المدن الكبرى التى لاتوجد فيها مفهوم العائلة الكبيرة بالشكل الكامل، وبالتالى لاداعى للمباهاة أمام نظرائهم.

ولكن لو تم فعلا إلغاء الشبكة فهل سيكون لهذا الأمر تأثير على الإقتصاد؟ الخبير الإقتصادى الدكتور وائل النحاس يرد قائلا: “لن يكون هناك تأثير بالشكل الواضح، خاصة وأن مصر لاتملك مايسمى بصناعة المشغولات الذهبية وليس للورش الصغيرة الموجودة أى مساهمة تذكر فى الدخل القومى، ونحن مجرد سوق لعرض المنتجات الأجنبية خاصة من دول الخليج كماركات لازورد والفتيحى، والشبكة فى المجتمع المصرى عبارة عن إستثمار لكلا الطرفين، فالعريس يدخر فلوس فيها تنفعه عند حاجته لها فيبيعها وهو الأمر السائد فى معظم أنحاء مصر، وتكون بمثابة ضمان للعروس خاصة بعدما أصحبت هى المهر الأساسى لها، فتحفظها عند اللزوم أو عند مفارقة زوجها لها”.