لم يكن قد مر على ظهور رواية “أرض الإله” للكاتب أحمد مراد ساعات، والتي صدرت في شهر ابريل الماضي عن دار الشروق القاهرية، حتى انتشرت نسختها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، ماجعل القائمين على الصفحة الرسمية للكاتب على فيسبوك ينشرون تدوينات عن جريمة قراءة الكتب المقرصنة، ولاأخلاقية هذا الفعل الذي يهدد الصناعة، ويضيع حق الناشر والمؤلف. لكن تعليقات القراء والمتابعين فتحت تساؤلات كثيرة حول حدود استخدام الأدب والفن عموما كسلعة، والمشاع الأدبي، والحق في المعرفة، بالإضافة إلى غضب عام عن أسعار الكتب المبالغ فيها.

لم يكن قد مر على ظهور رواية “أرض الإله” للكاتب أحمد مراد ساعات، والتي صدرت في شهر ابريل الماضي عن دار الشروق القاهرية، حتى انتشرت نسختها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، ماجعل القائمين على الصفحة الرسمية للكاتب على فيسبوك ينشرون تدوينات عن جريمة قراءة الكتب المقرصنة، ولاأخلاقية هذا الفعل الذي يهدد الصناعة، ويضيع حق الناشر والمؤلف. لكن تعليقات القراء والمتابعين فتحت تساؤلات كثيرة حول حدود استخدام الأدب والفن عموما كسلعة، والمشاع الأدبي، والحق في المعرفة، بالإضافة إلى غضب عام عن أسعار الكتب المبالغ فيها.

ولم يكد يفتح التساؤل حول قرصنة الكتب إلكترونيا، حتى ظهرت نسخة مزورة من الرواية على أرصفة العتبة ووسط البلد، وبسعر 15 جنيها فقط. جدير بالذكر أن سعر الرواية في طبعتها الرسمية هو 55 جنيها، وخُفض بعد ذلك إلى 50 جنيها.

“أي كتاب ب 3 جنيه”

على بعد عدة أمتار من محطة مترو العتبة، يقف عدد من بائعي الكتب بأكوام هائلة منها، بعضها تحمل سعرا موحدا ثابتا “أي كتاب بـ3 جنيه” على اختلاف أحجامها وأنواعها، الكثير منها متهالك، لكنها مازالت صالحة للقراءة، من الممكن أن يسعدك الحظ أن تجد كتابا قديما غير متوفر في الوقت الحالي والنوادر في هذه الكتب كثيرة، ومحترفو البحث كثيرون ممكن يقدرون على التقاط ما لا يراه غيرهم.

وسط الشباب الواقف أمام بضاعته، يجلس “عم علي” على كرسيه بجانب فرشته، دون أن يتحرك كثيرا أن ينادي مثلما يفعل الشباب، فيما تبدو كتبه أكثر ترتيبا من بقية بائعي الرصيف، بل ومصنفة بحسب موضوعها: كتب التاريخ على الطرف، إلى جانبها الروايات فالدواوين الشعرية فالكتب العلمية وأخيرا الكتب الأجنبية، أمام تلك المجموعات، عناوين الكتب الأعلى مبيعا في السنين الماضية في مصر: عزازيل يوسف زيدان، الفيل الأزرق أحمد مراد، وهيبتا محمد صادق وغيرها، وفوق كل مجموعة نسخ من الرواية، ورقة مكتوبة بخط النسخ وبحرص شديد سعر الكتاب القديم وعليه علامة (X) وتحته السعر الجديد الذي لا يزيد عن العشرين جنيها في أي عنوان من العناوين. نفس الأغلفة التي نعرفها لهذه الروايات لكن بألوان أقل وضوحا، وقطع أصغر من المعلوم.

البحث عن مطبعة

“الكتب دي بنطبعها عندنا” يقول عم علي دون أن ينظر، أسأله عن قصده بـ”عندنا” هل يملك مطبعة مثلا؟ أم يتعاون مع مطبعة؟ قال لي إن هذه الكتب باهظة الثمن بالنسبة لقطاع كبير من القراء، يقصدون العتبة للبحث عن النسخ “المضروبة” حتى لا تفوتهم، أسأله عما إذا كانت لهذه الكتب جمهورا كبيرا، ليقول “ياااااه ناس ياما” فأسأله ثانية عن المطابع التي تطبع هذه الكتب، وأحاول إقناعه أنني لست تابعا لأي مؤسسة رقابية أو جهاز حكومي.

يقول عم علي إن المطابع ذات “المكن” القديم موجودة في العتبة والموسكي ووسط البلد، ومعظمها يعمل بالأساس في طباعة الكتب الجامعية، لكن بعض أصحاب الفرشات من ذوي الخبرة، عرفوا السلعة الرائجة، وموانعها المادية، وبدأوا في طباعتها خاصة في السنين العشرة الأخيرة.

فكرة الملكية الفكرية والحقوق الأدبية للناشر والمؤلف تبدو مضحكة لأصحاب الفرشات في العتبة، أحد الشباب انتبه إلى الحوار الدائر بيني وبين عم علي، فبادرني قائلا “يابيه الكتب موجودة على النت، وأي حد ممكن ينزلها” وأضاف أن ليس جميع الناس معتادة على “تدمير” عينيها بالقراءة على التليفون بحسب تعبيره، فهذه الكتب تعتبر حلا أوفر لكن يحب اقتناء الكتب. أسأل الواقفين عن رغبتي في طباعة عدد من الكتب على جهازي اللوحي لنفس السبب الذي قاله الشاب، فدلوني على مطبعة في الموسكي قريبة من قسم البوليس هناك.

جودة أقل وسعر أرخص

بين بائعي الملابس والأجهزة نصف المعطوبة، يظهر باب المطبعة وكأنه أثر تاريخي ينتمي لزمن آخر، باب أخضر عليه آثار الدخان والشحوم، منه إلى عدة سلالم نازلة، لأجد نفسي في قبو سيء الإضاية والتهوية، يستقبلني “أبو ياسر” عجوز لا يستقيم ظهره، يقول لي “أؤمر ياباشا” أقول له إن لدي كتاب على جهازي اللوحي أريد طباعته، ولا أدري ما الطريقة ولا التكلفة؟ يسألني بلا اهتمام: معاك على فلاشة؟ تعجبت بداية من السؤال وكأنه ينتمي إلى زمن غريب على المكان وقاطنه فسألته “في جهاز هنا أقدر أنزل الكتاب عليه؟” قادني إلى مكتب في أحد الأركان المعتمة، وجهاز لابتوب، طلب مني الجلوس عليه ووضع النسخة الإلكترونية عليه، وأخبرني أنه حتى لو لم نتفق على السعر فالكتب الموجودة قد يأتي زبونها. سألته إذا كنت أريد طبع نسخة واحدة فكم ستكلفني؟ فأجاب أن من يأتون يطلبون على الأقل 100 نسخة، وبحسب حجم الكتاب لكن المتوسط للكتاب ال150 صفحة لا يتعدى الخمسة جنيهات.

ويضيف “أبو ياسر” أصحاب مكتبات وفرشات في وسط البلد والعتبة يأتون إلي بنسخ من كتب ويطلبون منها ألف وألفي نسخة أحيانا، بعض الكتب مثل رواية “هيبتا” طلبت منه عدة مرات وطبع منها وحده آلاف النسخ، ولم تكن قيمة بيعها تزيد عن العشرة جنيهات. ويختم أبو ياسر كلامه “نفس البضاعة موجودة بسعر أرخص، مش هيفرق مع اللي بيقرا نوع الورق قوي”.

شكوى الناشرين الدائمة عن ارتفاع أسعار الورق والأحبار والمطابع، ثم الأسعار اللامعقولة للكتب، هي بنت أزمة التعامل مع سلعة دون أية اعتبارات ثقافية أو اجتماعية لوصول هذه السلعة إلى مستحقيها. دائما ماينظر الناشرون إلى طرف واحد للمشكلة، دون أن أفكار خلاقة لحلول، دون وضع فكرة “نشر المعرفة” في الاعتبار إلا لأسباب تجارية بحتة. والحاصل أن السوق يخلق بدائله بعيدا عنهم، فالمشكلة –بالتأكيد- ليست في القارئ.