يا شاهنده وخبرينا، يا أم الصوت الحزين،

يا أم العيون جناين يرمح فيها الهجين،

ايش لون سجن القناطر، ايش لون السجانين،

ايش لون الصحبه معاكي، نّوار البساتين”

أحمد فؤاد نجم 

يا شاهنده وخبرينا، يا أم الصوت الحزين،

يا أم العيون جناين يرمح فيها الهجين،

ايش لون سجن القناطر، ايش لون السجانين،

ايش لون الصحبه معاكي، نّوار البساتين”

أحمد فؤاد نجم 

رحلت شاهنده مقلد مطلع الشهر الجاري لتترك خلفها مَنْ يعظمون مواقفها في النضال، كتفاً بكتف بجوار الفلاحين، و خلفت وراءها أيضا المنتقدين بقوة لمواقفها في الفترة التى تبعت ثورة 30 يونيو ودعمها للنظام السياسي الجديد الذي جاء السيسي على رأسه، حتى بعدما اتضحت ملامح السياسة الجديدة المناقضة لمطالب ثورة يناير المجيدة .

ولم يتوقف المنتقدين عند حد مراجعة مواقفها، بل إنكار دورها فى النضال مع الفلاحين فى قرية كمشيش، التى ألهبتها شاهندة مقلد بالأحداث المناوئة لاستمرار الاقطاع.

الملفت في الطرفين المًمَجِد والمُهَاجِم، مشترك رئيسي هو صورة المناضل المثال، وكيف تنبنى معاييرها براديكالية من الطرفين وهى الرديكالية التى ربما تضيع معها الصورة الموضوعية للمناضلة الراحلة.

نشأة نضالية مبكرة

شاهنده مقلد تتلمذت علي يد وداد متري – الناشطة اليسارية والنسوية-  ونشأت في أسرة وفدية، يقاوم والدها ضد إلغاء دستور 1936، ويقاوم شبابها ضد احتلال فلسطين، وتقاوم هى في بورسعيد ضد العدوان الثلاثي، نشأت نشأة نضالية مبكرة ، ربما كان السبب فيها إلى جانب إنتماءات الأسرة، الأحداث التى مرت بها مصر ، من أحداث كلها عالية الموجة كالعدوان الثلاثي، والحقبة الناصرية التى امتلأت بالشد والجذب السياسي بين عبد الناصر والشيوعيين، والحقبة الساداتية وما شهدتها من انتفاضات أبرزها إنتفاضة الخبز عام 1977.

قرب شاهنده مقلد مبكرا من وداد متري، وزواجها بصلاح حسين الناشط الشيوعي، وانتماءها اليساري، كان مدخلا للمراجعين لتاريخ شاهنده مقلد أن يتهموها باشعال الفتنة في قرية كمشيش بسبب أفكارها الشيوعية، التى وصفت من قبل مهاجميها بالمفروضة بالقوة على أهالي كمشيش، وهو بالطبع مدخل مرحب به بشدة من جانب الإسلاميين أو البرجوازيين ممن تبقوا من سلالة العائلات الإقطاعية في كمشيش، ممن يرون المناضل المثال هو من غير اليسار الذي في نظرهم مبشر وداعي لسلب سلطة الاقطاعيين على الفلاحين وإنهاء الصراع الطبقي.

قرية كمشيش بؤرة الصراع الطبقي

رصد كتاب “أوراق من حياة شاهنده مقلد” للدكتورة شيرين أبو النجا، وحوارات شاهنده مقلد حول أحداث كمشيش أبرزها حوارها مع الجزيرة، أن الصراع بقرية كمشيش كان صراعا طبقيا في المقام الأول، فبعد 14 عام على ثورة يوليو، أي في عام 1966، كانت مظاهر الإقطاع والصراع الطبقي طاغية في قرية كمشيش بالمنوفية، وهو الصراع الذي اشتركت شاهنده مقلد في رفضه وتفكيكه بجوار والدها وزوجها وفلاحين القرية، وهو الذي تطور لصراع مسلح سقط فيه قتلي من الفلاحين وسقط زوجها في النهاية قتيلاً أيضاً.

الصراع انتهي بإعادة توزيع الأراضي التى سلبها الإقطاعيين بالقرية إلى الفلاحين مجدداً، لكن لا زال البعض إلى الآن يحاسب شاهنده مقلد على سقوط قتلي من الفلاحين، رغم سقوط زوجها صلاح حسين قتيلاً أيضاً، ولا زالت تحاسب أيضا على الاعتقالات التى حدثت بالقرية بعد مقتل زوجها، واتهامها بالسكوت على تعذيب المعتقلين في تلك القضية ممن أفرط نظام عبد الناصر في تعذيبهم لقرب العلاقة بين شاهنده مقلد وعبد الناصر، ورغم كون تلك الاتهامات غير مستندة على دليل إلا أنها تتردد بقوة لهدم صورة ” المناضل المثال” .

يمكننا أن نراجع زيارة جيفارا وعبد الناصر لقرية كمشيش ووصف شاهنده مقلد لتفاصيل مقابلتها العفوية لجيفارا وعبد الناصر لتقدم مطالب الفلاحين، بعدما حاول أحد حراس القائدين منعها، ورد عليها عبد الناصر بالوعد بالنظر في تلك المطالب، هل يعنى هذا المشهد علاقة شخصية كانت تجمع شاهنده بعبد الناصر وعائلته؟ أظن إن كانت هذه العلاقة صحيحه ما زاحمت شاهنده الجموع لتستطيع تقديم مطالب الفلاحين لعبد الناصر، وكانت قدمتها له بمكتبه دون استئذان!

ثائرة في يناير ومُكممة في أحداث قصر الاتحادية

لم تشارك شاهنده مقلد في ثورة يناير وحسب، بل كانت حريصة على أن تكون بالقرب من شبابها تنخرط في أوساطهم وتراهم الملهم والمكمل للدور النضالي الذي بدأته، لتصف الثورة “بالبداية الجديدة لثورة لن تنتهي” ، رأت شاهنده مقلد ثورة يناير بشكل يفور حماسة، خاصة بعدما شهدت مشاركة نسائية كبيرة، وعلى وجه الخصوص، مشاركة من ربات البيوت والفلاحات، لكن صعود الإخوان المسلمين للحكم كان مسألة حملت رمزية كبيرة بالنسبة لشاهنده، وذلك بعد قيام أحد التابعين لجماعة الإخوان المسلمين بتكميم فمها أثناء هتافها ضدهم أمام قصر الاتحادية.

الانتماءات الناصرية ومأزق السيسي

قالت شاهنده مقلد في أحد حواراتها المصورة بالفيديو للبوابة نيوز” ” لأننى ناصرية فأنا اؤيد السيسي” وهو الربط الذي انتهجه كثير من الناصريين المصريين بين شخصية عبد الناصر وشخصية السيسي، وهو مقارنة غريبة لا يفسرها سوي هذا الحنين الجارف لدى الناصريين المصريين في استعادة نموذج عبد الناصر ، هذا الحنين المكلل بالعاطفة، وهو ما ظهر في بكاء شاهنده مقلد في حوار مع منى الشاذلي أغسطس 2013 مما أسمته الفرحة بعد خطاب السيسي.

الكثير يتعاملون بشكل حاد مع شاهنده مقلد بسبب تصريحاتها في 2013 ، لكن لا يدرك الكثيرون أنها غابت عن المشهد منذ عامين على الأقل بسبب مرضها بسرطان الكبد، وأنها ربما لو كانت على متابعة لما حدث في مصر خلال العامين التى تغيب فيهم مع المرض ربما كانت غيرت من آراءها الأخيرة كثيراً، وربما لا !.